الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وفي الأنف الدية ، والحاصل أن ما لا ثاني له في البدن من أعضاء أو معان مقصودة فإتلافها كإتلاف النفس في أنه يجب بها كمال الدية ، والأعضاء التي هي أفراد ثلاثة الأنف ، واللسان ، والذكر وذلك مروي في حديث سعيد ابن المسيب { أن النبي عليه السلام قال : في الأنف الدية وفي اللسان الدية وفي الذكر الدية } ، وهكذا روي عن علي بن أبي طالب ثم قطع الأنف تفويت جمال كامل ومنفعة كاملة وامتياز الآدمي من بين سائر الحيوانات فات بهما فتفويتهما في معنى تفويت النفس فكما تجب الدية بقطع جميع الأنف بحيث يقطع المارن ; لأن تفويت الجمال به يحصل ، وكذلك تفويت المنفعة ; لأن المنفعة في الأنف اجتماع الروائح في قصبة الأنف ; لنقله منها إلى الدماغ ، وذلك تفويت بقطع المارن والمارن : ما دون قصبة الأنف ، وهو ما لان منه

وكذلك في اللسان الدية ; لأن الآدمي قد امتاز من بين سائر الحيوانات باللسان وقد من الله تعالى به على عباده فقال تعالى : { خلق الإنسان علمه البيان } [ ص: 69 ] وذلك يفوت بقطع اللسان ففيه تفويت أعظم المقاصد في الآدمي .

وكذلك في قطع بعض اللسان إذا منع الكلام ، وإن كان بحيث يمنع بعض الكلام دون البعض فالجواب الظاهر أن فيه حكومة عدل ; لأنه لم يتم تفويت المقصود بهذا القدر ، وإنما تمكن فيه نقصان فيجب باعتباره حكومة عدل ، وقد قال بعض مشايخنا : رحمهم الله إن الدية تقسم على الحروف فحصة ما يمكنه أن يصححه من الحروف تسقط عنه ، وحصة ما لا يمكنه أن يصححه من الحروف تجب عليه ، ولكن على هذا القول لا يعتبر في القسمة إلا الحروف التي تكون باللسان فأما الهاء ، والحاء ، والعين لا عمل للسان فيها فلا يعتبر ذلك في القسمة .

وفي الكتاب روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في اللسان بالدية ، وفي الأنف بالدية قال : وفي الذكر دية } ; لأن في الذكر تفويت منفعة مقصودة من الآدمي ، وهي منفعة النسل ، ومنفعة استمساك البول ، والرمي به عند الحاجة ، وكذلك في الحشفة الدية كاملة ; لأن تفويت المقصود يحصل بقطع الحشفة كما يحصل بقطع جميع الذكر ، ووجوب الدية الكاملة باعتباره .

والمعاني التي هي أفراد في البدن العقل ، والسمع ، والبصر ، والذوق ، والشم ففي كل واحد منها دية كاملة هكذا روي عن عمر رضي الله عنه أنه قضى لرجل على رجل بأربع ديات بضربة واحدة كان ضرب على رأسه فأذهب عقله وسمعه وبصره ومنفعة ذكره ، وكان المعنى فيه أن العقل من أعظم ما يختص به الآدمي ، وبه ينتفع بنفسه في الدنيا ، والآخرة ، وبه يمتاز من البهائم ، فالمفوت له كالمبدل لنفسه الملحق له بالبهائم ، وكذلك منفعة السمع فإنها منفعة مقصودة بها ينتفع المرء بنفسه ، وكذلك منفعة البصر فإنها مقصودة .

( ألا ترى ) أن الناس يقولون للذي لا بصر له بمنزلة الميت الذي لم يدفن ، وكذلك منفعة الشم منفعة مقصودة في البدن ومنفعة الذوق كذلك فتفويتها من وجه استهلاك باعتبار أن فيه منفعة مقصودة فيوجب كمال الدية ، وكذلك في الصلب الدية كاملة إذا منع الجماع لما فيه من تفويت منفعة مقصودة ، وهي منفعة النسل ، وكذلك إذا حدب فإن فيه تفويت جمال كامل ; لأن الجمال للآدمي في كونه منتصب القامة ، قيل في معنى : قوله تعالى { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } : منتصب القامة ، وذلك يفوت إذا حدب ، والجمال للآدمي مطلوب كالمنفعة فتفويت الجمال الكامل يوجب دية كاملة فإن عاد إلى حاله ، ولم ينقصه ذلك شيئا إلا أن فيه أثر الضربة ففيه حكومة عدل ; لأنه نفى بعض الشيئين ببقاء أثر الضربة فيجب باعتباره حكم عدل .

ومن هذه الجملة الإفضاء في المرأة إذا كانت بحيث لا تستمسك البول فإنه يوجب كمال الدية ; لأن فيه تفويت منفعة كاملة [ ص: 70 ] لا ثاني لها في البدن ، وهي منفعة استمساك البول .

وذكر المبرد { أن النبي عليه السلام قال : في الصعر الدية } وفسر المبرد ذلك بتعويج الوجه ، وفيه تفويت جمال كامل .

التالي السابق


الخدمات العلمية