الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1444 [ ص: 304 ] حديث تاسع وأربعون لزيد بن أسلم - مرسل

مالك ، عن زيد بن أسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من غير دينه فاضربوا عنقه .

التالي السابق


هكذا رواه جماعة رواة الموطأ مرسلا ، ولا يصح فيه عن مالك غير هذا الحديث ، والجواب عن زيد بن أسلم ، وقد روي فيه عن مالك عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من بدل دينه فاقتلوه ، وهو منكر عندي ، - والله أعلم - .

والحديث معروف ثابت مسند صحيح من حديث ابن عباس ، حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا سعيد بن السكن ، قال : حدثنا محمد بن يوسف ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، قال : حدثنا أبو النعمان ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن عكرمة ، قال : [ ص: 305 ] أتى علي بزنادقة فأحرقهم فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لو كنت أنا ما أحرقتهم لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تعذبوا بعذاب الله ، ولقتلتهم لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من بدل دينه فاقتلوه .

وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا أحمد بن حنبل ، قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، قال : أخبرنا أيوب ، عن عكرمة أن عليا أحرق ناسا ارتدوا عن الإسلام فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لم أكن لأحرقهم بالنار ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تعذبوا بعذاب الله ، وكنت قاتلهم لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من بدل دينه فاقتلوه فبلغ ذلك عليا فقال : ويح أم ابن عباس .

قال أبو عمر :

روي من وجوه أن عليا إنما حرقهم بالنار بعد ضرب أعناقهم ، وسنذكر بعض الأخبار بذلك في آخر هذا الباب - إن شاء الله - .

[ ص: 306 ] وفقه هذا الحديث أن من ارتد عن دينه حل دمه ، وضربت عنقه ، والأمة مجتمعة على ذلك ; وإنما اختلفوا في استتابته فطائفة منهم ( قالت : لا يستتاب على ظاهر هذا الحديث ، ويقتل ) ، وطائفة منهم قالت : يستتاب بساعة واحدة ، ووقتا واحدا ، وقال آخرون : يستتاب شهرا ، وقال آخرون : يستتاب ثلاثا على ما روي عن عمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن مسعود . ولم يستتب ابن مسعود ابن النواحة وحده لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لولا أنك رسول لقتلتك ، قال له : وأنت اليوم لست برسول ، واستتاب غيره .

روى مالك عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري ، عن أبيه أنه قال : قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل أبي موسى الأشعري فسأله عمر ، عن الناس فأخبره ، ثم قال له عمر : هل من مغربة خبر ؟ قال : نعم ، رجل كفر بعد إسلامه ، قال : فماذا فعلتم به ؟ قال : قربناه فضربنا عنقه ، فقال عمر : فهلا حبستموه ثلاثا ، وأطعمتموه [ ص: 307 ] كل يوم رغيفا ، واستتبتموه لعله يتوب ، ويراجع أمر الله ، اللهم إني لم أحضر ، ولم آمر ، ولم أرض إذ بلغني .

أخبرنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا ابن أبي العقيب ، قال : حدثنا أبو زرعة ، قال : حدثنا أحمد بن خالد ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري ، عن أبيه ، قال : قدم وفد أهل البصرة على عمر فأخبروه بفتح تستر فحمد الله ، ثم قال : هل حدث فيكم حدث ؟ فقالوا : لا ، والله يا أمير المؤمنين إلا رجل ارتد عن دينه فقتلناه ، قال : ويلكم أعجزتم أن تطبقوا عليه بيتا ثلاثا ، ثم تلقوا إليه كل يوم رغيفا ، فإن تاب قبلتم منه ، وإن أقام كنتم قد أعذرتم إليه ، اللهم إني لم أشهد ، ولم آمر ، ولم أرض إذ بلغني .

وروى داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن أنس بن مالك أن نفرا من بكر بن وائل ارتدوا عن الإسلام يوم تستر ، ولحقوا بالمشركين فلما فتحت ، قتلوا في القتال [ ص: 308 ] قال : فأتيت عمر بفتحها فقال : ما فعل النفر من بكر بن وائل ؟ فعرضت في حديث لأشغله عن ذكرهم ، فقال : ما فعل النفر من بكر بن وائل ؟ قلت : قتلوا ، قال : لأن أكون ( كنت ) أخذتهم سلما أحب إلي مما طلعت عليه الشمس من صفراء وبيضاء ، قلت : وهل كان سبيلهم إلا القتل ، ارتدوا عن الإسلام ، ولحقوا بالمشركين ؟ قال : كنت أعرض عليهم أن يدخلوا في الباب الذي خرجوا منه ، فإن فعلوا قبلت منهم ، وإلا استودعتهم السجن .

وروى أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي عمرو الشيباني أن عليا أتى بالمستورد العجلي ، وقد ارتد عن الإسلام فاستتابه فأبى أن يتوب فقتله . وروى عبادة [ ص: 309 ] عن العلاء أبي محمد أن عليا أخذ رجلا من بكر بن وائل تنصر بعد الإسلام فعرض عليه الإسلام شهرا فأبى فأمر بقتله ، ولا أعلم بين الصحابة خلافا في استتابة المرتد فدل ذلك على أن معنى الحديث - والله أعلم - من بدل دينه ، وأقام على تبديله فاقتلوه .

وأما أقاويل الفقهاء فروى ابن القاسم ، عن مالك ، قال : يعرض على المرتد الإسلام ثلاثا فإن أسلم ، وإلا قتل ، قال : وإن ارتد سرا قتل ، ولم يستتب كما تقتل الزنادقة ، قال : وإنما يستتاب من أظهر دينه الذي ارتد إليه ، قال مالك : ويقتل الزنادقة ، ولا يستتابون ، والقدرية يستتابون ، قال : فقيل كيف يستتابون ؟ قال : يقال لهم : اتركوا ما أنتم عليه فإن فعلوا ، وإلا قتلوا ( وقال ابن وهب عن مالك : ليس في استتابة أمر من جماعة الناس ) .

[ ص: 310 ] أخبرنا أحمد بن محمد ، قال : حدثنا الحسن بن سلمة ، حدثنا عبد الله بن الجارود ، قال : حدثنا إسحاق بن منصور ، قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : المرتد يستتاب ثلاثا ، والمرتدة تستتاب ثلاثا ، والزنديق لا يستتاب ، قال إسحاق : وقال لي إسحاق بن راهويه كما قال أحمد سواء .

قال أبو عمر :

هذا مذهب مالك سواء . وقال الشافعي : يستتاب المرتد ظاهرا ، والزنديق جميعا ، فمن لم يتب منهما قتل ، وفي الاستتابة ثلاثا قولان : أحدهما : حديث عمر ، والآخر أنه لا يؤخر ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر فيه بأناة ، وهذا ظاهر الخبر . قال الشافعي : ولو شهد عليه شاهدان بالردة فأنكر قتل ، فإن أقر أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وتبرأ من كل دين خالف الإسلام لم يكشف عن غيره . والمشهور من قول أبي حنيفة ، وأصحابه أن المرتد لا يقتل حتى يستتاب ، وهو قول ابن علية . قالوا : ومن قتله قبل أن يستتاب فقد أساء ، ولا ضمان عليه . وقد روى محمد بن الحسن في السير ، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة أن المرتد يعرض عليه الإسلام ، فإن أسلم ، وإلا قتل مكانه ، إلا أن يطلب أن يؤجل ، فإن طلب ذلك أجل ثلاثة أيام ، [ ص: 311 ] والزنديق عندهم والمرتد سواء ، إلا أن أبا يوسف لما رأى ما يصنع الزنادقة ، وأنهم يعودون بعد الاستتابة ، قال : أرى إذا أتيت بزنديق أمرت بضرب عنقه ، ولا أستتيبه فإن تاب قبل أن أقتله لم أقتله ، وخليته ، وقال الليث بن سعد ، وطائفة معه : لا يستتاب من ولد في الإسلام ، ثم ارتد إذا شهد عليه ، ولكنه يقتل ، تاب من ذلك ، أو لم يتب ، إذا قامت البينة العادلة ، وقال الحسن : يستتاب المرتد مائة مرة ، وقد روي عنه أنه يقتل دون استتابة ، وذكر سحنون أن عبد العزيز بن أبي سلمة كان يقول : يقتل المرتد ، ولا يستتاب ، ويحتج بحديث معاذ مع أبي موسى الأشعري ، وقد ذكرناه في آخر هذا الباب .

قال أبو عمر :

ظاهر هذا الحديث يشهد لما ذهب إليه الليث بن سعد ، إلا أنه عم كل من بدل دينه ، سواء ولد في الإسلام ، أو لم يولد ، والحديث عندي فيه مضمر ، وذلك لما صنعه الصحابة - رضي الله عنهم - من الاستتابة ; لأنهم لم يكونوا يجهلون معنى الحديث فكأن معنى الحديث ، - والله أعلم - من بدل دينه فاقتلوه إن لم يتب . وقال مالك - رحمه الله - : إنما ، عنى بهذا الحديث من خرج من الإسلام إلى الكفر .

وأما من خرج من اليهودية ، أو النصرانية ، أو من كفر إلى [ ص: 312 ] كفر فلم يعن بهذا الحديث : وعلى قول مالك هذا جماعة الفقهاء إلا أن الشافعي - رحمه الله - ، قال : إذا كان المبدل لدينه من أهل الذمة كان للإمام أن يخرجه من بلده ، ويلحقه بأرض الحرب ، وجاز له استحلال ماله مع أموال الحربيين إن غلب على الدار ; لأنه إنما جعل له الذمة على الدين الذي كان عليه في حين عقد العهد له . هكذا حكاه المزني ، وغيره من أصحابه عنه ، وهو المعروف من مذهبه ، وحكى عنه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أن الذمي إذا خرج من دين إلى دين كان للإمام قتله بظاهر الحديث ، والمشهور عنه ما قدمنا ذكره من رواية المزني ، والربيع ، وغيرهما عنه . وقالت فرقة : إذا ارتد استتيب فإن تاب قبل منه ، ثم إن ارتد فكذلك إلى الرابعة ، ثم يقتل ، ولا يستتاب . وروي عن الحسن أنه يقتل إلا أن يتوب قبل أن يرفع إلى الإمام ، وإن لم يتب حتى يصير إلى الإمام قتل ، وكانت توبته بينه ، وبين الله جعله حدا من الحدود ، ولا يسع الإمام إلا أن يقيمه .

واختلف الفقهاء - أيضا - في المرتدة فقال مالك والأوزاعي ، وعثمان البتي ، والشافعي والليث بن سعد : تقتل المرتدة كما يقتل المرتد سواء ; وهو قول إبراهيم النخعي ، وحجتهم ظاهر هذا الحديث ; لأنه لم يخص ذكرا [ ص: 313 ] من أنثى ، ومن تصلح للواحد ، والاثنين ، والجمع ، والذكر ، والأنثى ، وقال : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان فعم كل من كفر بعد إيمانه ، وقال الثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه : لا تقتل المرتدة ، وهو قول ابن شبرمة ، وإليه ذهب ابن علية ، وقال ابن شبرمة : إن تنصرت المسلمة فتزوجها نصراني جاز . وحجة من قال : لا تقتل المرتدة ، أن ابن عباس روى هذا الحديث ، وقال : لا تقتل المرتدة ، ومن روى حديثا كان أعلم بتأويله ، وقول ابن عباس في ذلك رواه الثوري ، وأبو حنيفة ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس ، وروى قتادة ، عن خلاص ، عن علي مثله .

وهو قول الحسن ، وعطاء ، ومن حجتهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل النساء ، والولدان ، وأن أبا بكر - رضي الله عنه - سبى نساء أهل الردة ، وقالوا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : من بدل دينه فاقتلوه إنما هو على كل من كان حكمه [ ص: 314 ] إذا قدر عليه القتل على كفره ، والمرأة ليس حكمها القتل على كفرها ; وإنما حكمها السبي ، والاسترقاق ، فلا تدخل في تأويل هذا الحديث لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النساء ، والولدان ، وسيأتي القول في هذا الحديث في موضعه من كتابنا هذا - إن شاء الله - .

وروى ابن المبارك ، عن معمر ، عن الزهري في المرتدة ، قال : تقتل ، وقال قتادة : تسبى ; لأن أبا بكر قتل أهل الردة ، وسبى نساءهم ، قال معمر : كانت دار شرك .

أخبرنا خلف بن القاسم ، حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام ، حدثنا عبد الله بن أبي شيبة ، حدثنا يعقوب بن محمد الزهري ، حدثنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة ، عن مجاهد بن سعيد ، عن عامر الشعبي ، قال : ارتدت بنو عامر ، وقتلوا من كان فيهم من عمال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وحرقوهم بالنار ، فكتب أبو بكر إلى خالد - رضي الله عنهما - أن يقتل بني عامر ، ويحرقهم بالنار .

ولما ارتد الفجأة - واسمه إياس بن عبد الله بن عبد ياليل - بعث إليه أبو بكر الصديق الزبير بن العوام في ثلاثين فارسا ، وبيته ليلا فأخذه فقدم به على أبي بكر فقال أبو [ ص: 315 ] بكر : أخرجوه إلى البقيع يعني إلى المصلى فأحرقوه بالنار ، فأخرجوه إلى المصلى فأحرقوه .

وزعم بعض أهل السير أنه رفع عليه أنه كان ينكح كما تنكح المرأة . ذكر ذلك كله يعقوب بن محمد الزهري في كتاب الردة ، قال : وحدثني عبد العزيز بن أبي حازم ، عن داود بن بكر ، عن محمد بن المنكدر أن خالدا كتب إلى أبي بكر يذكر أنه وجد في بعض نواحي العرب رجلا ينكح كما تنكح المرأة فاستشار فيه أبو بكر فكان علي من أشدهم فيه قولا فقال : إن هذا ذنب لم تعص به أمة من الأمم إلا أمة واحدة صنع الله بها ما قد علمتم ، أرى أن تحرقوه بالنار فأجمع رأيهم على ذلك فكتب أبو بكر إلى خالد فحرقه . قال : وحدثني معن بن عيسى ، عن معاوية بن صالح ، عن عياض بن عبد الله ، قال : لما استشارهم أبو بكر ، قالوا : نرى أن ترجمه فقال علي : أرى أن تحرقوه فإن العرب تأنف من المثلة ، ولا تأنف من الحدود ، فحرقوه .

وذكر موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب في ردة أسد ، وغطفان يوم بزاخة ، قال : فاقتتلوا يعني هم ، والمسلمون [ ص: 316 ] قتالا شديدا وقتل المسلمون من العدو بشرا كثيرا ، وأسروا منهم أسارى ، فأمر خالد بالحظيرة أن تبنى ، ثم أوقد تحتها نارا عظيمة فألقى الأسارى فيها . وروى شيبان ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : قاتل أبو بكر أهل الردة فقتل ، وسبى ، وحرق .

حدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ، قال : حدثنا الحميدي ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا أيوب ، قال : حدثنا عكرمة ، قال : لما بلغ ابن عباس أن عليا أحرق المرتدين يعني الزنادقة ، قال : لو كنت أنا لقتلتهم لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بدل دينه فاقتلوه ، ولم أحرقهم لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينبغي أن يعذب بعذاب الله ، قال سفيان : فقال عمار الدهني ، وكان في المجلس ، مجلس عمرو بن دينار ، وأيوب يحدث بهذا الحديث أن عليا لم يحرقهم بالنار إنما حفر لهم أسرابا فكان يدخن عليهم منها حتى قتلهم فقال عمرو بن دينار أما سمعت قائلهم ، وهو يقول :

[ ص: 317 ]

لترم بي المنايا حيث شاءت إذا لم ترم بي في الحفرتين إذا ما أوقدوا حطبا ونارا
فذاك الموت نقدا غير دين



وروى حامد بن يحيى ، عن سفيان ، عن مسعر ، عن عطاء بن أبي مروان أن هذا الشعر للنجاشي ، قاله إذ لحق بمعاوية فارا في حين ضرب علي له في الخمر مائة جلدة .

قال أبو عمر :

قد روينا من وجوه أن عليا إنما أحرقهم بعد قتلهم ، ذكر العقيلي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا شبابة ، وذكره أبو زيد عمر بن شبة ، قال : حدثني محمد بن حاتم ، قال : حدثنا شبابة بن سوار ، قال : حدثنا خارجة بن مصعب ، عن سلام بن أبي القاسم ، عن عثمان بن أبي عثمان الأنصاري ، قال : جاء ناس من الشيعة إلى علي فقالوا : يا أمير المؤمنين أنت هو ، قال : من أنا ؟ قالوا : أنت هو ، قال : ويلكم من أنا ؟ قالوا : أنت ربنا ، قال : ويلكم ارجعوا فتوبوا فأبوا فضرب أعناقهم ، ثم قال : يا قنبر ائتني بحزم الحطب ، فحفر لهم في الأرض أخدودا فأحرقهم [ ص: 318 ] بالنار ، ثم قال :


لما رأيت الأمر أمرا منكرا أججت ناري ودعوت قنبرا



قال أبو عمر :

روى عثمان بن عفان ، وسهل بن حنيف ، وعبد الله بن مسعود ، وطلحة بن عبيد الله ، وعائشة ، وجماعة من الصحابة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، أو زنا بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير نفس . فالقتل بالردة على ما ذكرنا لا خلاف بين المسلمين فيه ، ولا اختلفت الرواية والسنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه ; وإنما وقع الاختلاف في الاستتابة ، وفيما ذكرنا من المرتدة .

قال أبو عمر :

احتج من قال : يقتل المرتد إذا ارتد ثالثة ، أو رابعة بقول الله - عز وجل - : إن الذين آمنوا ثم كفروا الآية . والقياس أن من ولد على الفطرة أحق أن يستتاب ; لأنه لا يعرف غير الإسلام ، واحتج من لم ير استتابة المرتد [ ص: 319 ] وقال : يقتل على ظاهر هذا الحديث دون استتابة بحديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمله على اليمن ، ثم أتبعه معاذ بن جبل فقدم معاذ فوجد عنده رجلا مقيدا بالحديد فقال : ما شأن هذا ؟ فقال : هذا كان يهوديا فأسلم ، ثم ارتد ، وراجع دينه ، دين السوء ، فقال معاذ : لا أجلس حتى يقتل ، قضاء الله ورسوله . فقال له أبو موسى : اجلس فقال : لا أجلس حتى يقتل ، قضاء الله ورسوله ، قال : فأمر به فقتل .

رواه يحيى القطان ، عن قرة بن خالد ، عن حميد بن هلال ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، وروي من وجوه ، عن أبي موسى إلا أن بعضهم ، قال فيه : إنه قد كان استتيب قبل ذلك أياما .

واحتج من رأى الاستتابة ( بهذا الحديث ، وهو ) ما حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا أحمد بن محمد المروزي ، قال : حدثنا علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان عبد الله بن سعد يكتب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأزله الشيطان فلحق [ ص: 320 ] بالكفار ، فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقتل يوم الفتح ، فاستجار له عثمان فأجاره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وأما ميراث المرتد فقد اختلف العلماء فيه ، والصحيح عندنا أن ميراثه في بيت المال لا يرثه أحد من ورثته لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يرث الكافر المسلم ، ولا المسلم الكافر ، وسنبين ذلك ، ونذكر أقاويل السلف فيه عند ذكرنا حديث ابن شهاب ، عن علي بن حسين في كتابنا هذا - إن شاء الله - ، والله المستعان .




الخدمات العلمية