الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
416 [ ص: 41 ] حديث تاسع وعشرون لزيد بن أسلم - مرسل

مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .

التالي السابق


قال أبو عمر :

لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث على ما رواه يحيى سواء . وهو حديث غريب أعني قوله : اللهم لا تجعل قبري ، وثنا يعبد ، ولا يكاد يوجد .

وزعم أبو بكر البزار أن مالكا لم يتابعه أحد على هذا الحديث إلا عمر بن محمد عن زيد بن أسلم قال : وليس بمحفوظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجه من الوجوه إلا من هذا الوجه لا إسناد له غيره إلا أن عمر بن محمد أسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : وعمر بن محمد ثقة روى عنه الثوري ، وجماعة ، قال : وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 42 ] لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فمحفوظ من طرق كثيرة صحاح .

قال أبو عمر :

لا وجه لقول البزار إلا معرفة من روى الحديث لا غير .

ولا خلاف بين علماء أهل الأثر ، والفقه أن الحديث إذا رواه ثقة ، عن ثقة حتى يتصل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه حجة يعمل بها إلا أن ينسخه غيره . ومالك بن أنس عند جميعهم حجة فيما نقل ، وقد أسند حديثه هذا عمر بن محمد ، وهو من ثقات أشراف أهل المدينة روى عنه مالك بن أنس والثوري وسليمان بن بلال ، ( وغيرهم ) ، وهو عمر بن محمد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فهذا الحديث صحيح عند من قال بمراسيل الثقات ، وعند من قال بالمسند لإسناد عمر بن محمد له ، وهو ممن تقبل زيادته ، وبالله التوفيق .

حدثنا إبراهيم بن شاكر ومحمد بن إبراهيم قالا : حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال : حدثنا محمد بن أيوب الرقي قال : [ ص: 43 ] حدثنا أحمد بن عمرو البزار قال : حدثنا سليمان بن سيف قال : حدثنا محمد بن سليمان بن أبي داود الحراني قال : أخبرنا عمر بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .

وحدثني محمد بن إبراهيم وإبراهيم بن شاكر قالا : حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال : حدثنا محمد بن أيوب بن حبيب قال : حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق قال : أخبرنا محمد بن الحسن الكرماني المعروف بابن أبي علي قال : حدثنا سفيان بن عيينة قال : حدثنا حمزة بن المغيرة قال : حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تتخذوا قبري وثنا .

قال أبو بكر البزار : وحديث سهيل هذا إنما يجيء من هذا الطريق لم يحدث به إلا ابن عيينة عن حمزة بن المغيرة عن سهيل .

[ ص: 44 ] قال أبو عمر :

ذكره أبو جعفر العقيلي في التاريخ الكبير ، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن الحميدي عن ابن عيينة عن حمزة بن المغيرة عن سهيل عن أبيه ، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بلفظ حديث مالك ومعناه :

أخبرناه عبد الله بن محمد بن يوسف إجازة ، قال : أخبرنا يوسف بن أحمد الصيدلاني إجازة ، قال : أخبرنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى العقيلي قال : أخبرنا عبد الله بن أحمد قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا حمزة بن المغيرة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اللهم لا تجعل قبري وثنا لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .

قال العقيلي : وحدثنا محمد بن إدريس قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا سفيان قال : أخبرنا حمزة بن المغيرة المخزومي مولى آل جعدة بن هبيرة ، وكان من سراة الموالي .

[ ص: 45 ] قال أبو عمر :

الوثن : الصنم ، وهو الصورة من ذهب كان أو من فضة أو غير ذلك من التمثال ، وكل ما يعبد من دون الله فهو وثن صنما كان أو غير صنم ، وكانت العرب تصلي إلى الأصنام ، وتعبدها فخشي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أمته أن تصنع كما صنع بعض من مضى من الأمم كانوا إذا مات لهم نبي عكفوا حول قبره كما يصنع بالصنم فقال - صلى الله عليه وسلم - : اللهم لا تجعل قبري وثنا يصلى إليه ، ويسجد نحوه ، ويعبد فقد اشتد غضب الله على من فعل ذلك وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحذر أصحابه ، وسائر أمته من سوء صنيع الأمم قبله الذين صلوا إلى قبور أنبيائهم ، واتخذوها قبلة ، ومسجدا كما صنعت الوثنية بالأوثان التي كانوا يسجدون إليها ، ويعظمونها ، وذلك الشرك الأكبر فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخبرهم بما في ذلك من سخط الله ، وغضبه ، وأنه مما لا يرضاه خشية عليهم امتثال طرقهم .

وكان - صلى الله عليه وسلم - يحب مخالفة أهل الكتاب ، وسائر الكفار ، وكان يخاف على أمته اتباعهم ألا ترى إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - على جهة التعيير ، والتوبيخ : لتتبعن سنن الذين كانوا قبلكم حذو النعل بالنعل حتى إن أحدهم لو دخل جحر ضب لدخلتموه .

[ ص: 46 ] وقد احتج بعض من لا يرى الصلاة في المقبرة بهذا الحديث ، ولا حجة له فيه .

أخبرنا عبيد بن محمد قال : حدثنا عبد الله بن مسرور قال : أخبرنا عيسى بن مسكين قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن سنجر قال : حدثنا ابن نمير قال : حدثنا هشام بن عروة عن أبيه ، عن عائشة أن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - تذاكرن عنده في مرضه كنيسة رأينها بأرض الحبشة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أولئك قوم إذا مات الرجل الصالح عندهم بنوا على قبره مسجدا ، ثم صوروا فيه تلك الصور فأولئك شرار الخلق عند الله .

أخبرنا قاسم بن محمد قال : أخبرنا خالد بن سعد قال : أخبرنا أحمد بن عمرو بن منصور قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن سنجر قال : حدثنا عبيد الله بن موسى قال : أخبرنا شيبان عن هلال بن حميد عن عروة عن عائشة ، قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي لم يقم منه : لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، قالت : ولولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي عليه أن يتخذ مسجدا .




الخدمات العلمية