الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم الهاشمي ببغداد، قال: حدثنا أبو علي عيسى بن محمد بن أحمد بن عمر بن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الطوماري، قال: حدثنا الحسن بن فهم قال: سمعت يحيى بن أكثم يقول: " كان للمأمون وهو أمير إذ ذاك مجلس نظر، فدخل في مجلس الناس رجل يهودي حسن الثوب حسن الوجه طيب الرائحة قال فتكلم فأحسن الكلام العبارة قال: فلما أن تقوض المجلس، دعاه المأمون فقال له: إسرائيلي؟ قال: نعم قال له: أسلم حتى أفعل بك وأصنع، ووعده فقال: ديني ودين آبائي، فانصرف، فلما كان بعد سنة جاءنا مسلما قال: فتكلم على الفقه، فأحسن الكلام.

                                        فلما أن تقوض المجلس دعاه المأمون فقال له: ألست صاحبنا بالأمس؟ قال له: بلى، قال: فما كان سبب إسلامك؟ [ ص: 160 ] قال: انصرفت من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذه الأديان، وأنا مع ما تراني حسن الخط , فعمدت إلى التوراة.

                                        فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الكنيسة فاشتريت مني، وعمدت إلى الإنجيل , فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت , وأدخلتها البيعة فاشتريت مني، وعمدت إلى القرآن فعملت ثلاث نسخ، وزدت فيها ونقصت , وأدخلتها إلى الوراقين، فتصفحوها، فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان، رموا بها فلم يشتروها فعلمت أن هذا كتاب محفوظ، فكان هذا سبب إسلامي " قال يحيى بن أكثم: " فحججت في تلك السنة، فلقيت سفيان بن عيينة , فذكرت له الحديث فقال لي: مصداق هذا في كتاب الله عز وجل , قال: قلت: في أي موضع؟ قال: في قول الله عز وجل في التوراة والإنجيل بما استحفظوا من كتاب الله فجعل حفظه إليهم فضاع , وقال عز وجل إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون فحفظه الله عز وجل علينا فلم يضع " قلت: وفي الكتاب ثم في أخبار السلف دلالة على أن الأمم السالفة كانوا إذا غيروا شيئا من أديانهم غيروه أولا من كتبهم واعتقدوا خلافه بقلوبهم، ثم أتبعوا أهواءهم، أقوالهم وأفعالهم.

                                        وفي هذه الأمة قد حفظ الله تعالى عليهم كتابه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وثبتهم على عقائدهم، حتى لا يغيروا شيئا منها، وإن كان فعلا، وقال بعضهم بشهوة أو بغفلة خلافها والحمد لله على حفظ دينه، وعلى ما هدانا لمعرفته , ونسأله الثبات إلى الممات، والمغفرة يوم تحشر الأموات , إله سميع الدعاء، فعال لما يشاء، والصلاة على نبيه محمد وعلى آله وسلم .

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية