الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ومن ) ( نظر ) بضم أوله ( إلى ) واحدة من ( حرمه ) بضم ففتح فهاء أي زوجاته وإمائه ومحارمه ، ويلحق بذلك ولده الأمرد الحسن فيما يظهر ولو غير متجرد ، وكذا إليه في حال كشف عورته ، ومثله خنثى مشكل أو محرم له مكشوفها ( في داره ) التي يجوز له الانتفاع بها ولو مستعارة ، وإن كان الناظر المعير كما رجحه الأذرعي وغيره دون مسجد وشارع ( من كوة أو ثقب ) بفتح المثلثة ضيقين ( عمدا ) وليس للناظر شبهة في النظر ، ولو كان امرأة ومراهقا فله رميه ، فإن نظر لخطبة أو شراء أمة حيث يباح له النظر لم يجز رميه ، وكذا لو كان الناظر أحد أصوله وإن حرم نظره كما لا يحد بقذفه .

                                                                                                                            ( فرماه ) أي ذو الحرم وإن لم يكن صاحب الدار أو رمته المنظور إليها كما بحث الأول البلقيني والثاني غيره ، بخلاف الأجنبي الناظر من ملكه أو من شارع في حال نظره لا إن ولى ( بخفيف كحصاة ) أو ثقيل ولم يجد سواه ( فأعماه أو أصاب قرب عينه ) مما يخطئ منه إليه غالبا ، ولم يقصد الرمي لذلك المحل ابتداء ( فجرحه فمات فهدر ) لخبر الصحيحين { من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه } وفي رواية { ففقئوا عينه فلا دية له ولا قصاص } وصح خبر [ ص: 30 ] { لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذنك ففقأت عينه ما كان عليك من حرج } ولا نظر لعدم تكليف المراهق إذ الرمي لدفع مفسدة النظر وهي حاصلة به لما مر أنه في النظر كالبالغ ، ومن ثم من يرى أنه ليس مثله فيه لا يجوز رميه هنا ، وفارق من له نحو محرم بأن هذا شبهته في المحل المنظور إليه ، والمراهق لا شبهة له فيه على أن هذا من خطاب الوضع بدليل دفع صبي صائل لكنه هنا لا يتقيد بالمراهق كما هو ظاهر ، وإنما يجوز له رميه ( بشرط عدم ) نحو متاع له أو ( محرم ) ستر ما بين سرتها وركبتها ( وزوجة ) وأمة ولو مجردتين ( للناظر ) وإلا امتنع رميه لعذره حينئذ ، والواو بمعنى أو ( قيل و ) بشرط عدم ( استتار الحرم ) وإلا بأن استترن أو كن في منعطف لا يراهن الناظر لم يجز رميه ، والأصح لا فرق لعموم الأخبار وحسما لمادة النظر .

                                                                                                                            ( قيل و ) بشرط ( إنذار قبل رميه ) تقديما للأخف كما مر ، والأصح عدم وجوبه وهذا محمول على إنذار لا يفيد وإلا وجب تقديمه كما قاله الإمام وهو مرادهم بدليل ما ذكروه في دفع الصائل من تعين الأخف فالأخف ، وخرج بنظر الأعمى ونحوه ومسترق السمع فلا يجوز رميهما لفوات الاطلاع على العورات الذي يعظم ضرره وبالكوة وما معها النظر من باب مفتوح أو كوة أو ثقب واسع بأن نسب صاحبها إلى تقصير ; لأن تفريطه بذلك صيره غير محترم فلم يجز له الرمي قبل الإنذار ، نعم النظر من نحو سطح ولو للناظر أو منارة كهو من كوة ضيقة إذ لا تفريط من رب الدار وبعمد النظر خطأ أو اتفاقا فلا يجوز رميه إن علم الرامي ذلك منه ، نعم يصدق الرامي في أنه تعمد إذ الاطلاع حصل والقصد أمر باطن ، وهذا ذهاب إلى جواز رميه عند غلبة الظن في أنه تعمد ، وإن لم يتحقق ، وبالخفيف الثقيل الذي وجد غيره كحجر ونشاب فيضمن حتى بالقود ، وقضية كلام [ ص: 31 ] المصنف تخييره : بين رمي العين وقربها ، لكن المنقول كما قاله الأذرعي وغيره أنه لا يقصد غير العين حيث أمكنه إصابتها ، وأنه إذا أصاب غيرها البعيد لا يخطئ منها إليه ضمن وإلا فلا .

                                                                                                                            نعم لو لم يمكنه قصدها ولا ما قرب منها ولم يندفع به جاز رمي عضو آخر في أوجه الوجهين ، ولو لم يندفع بالخفيف استغاث عليه ، فإن فقد مغيث سن له أن ينشده بالله تعالى فإن أبى دفعه ولو بالسلاح وإن قتله ( ولو عزر ) من غير إسراف ( ولي ) محجوره وألحق بوليه ومن حل له الضرب ، وما يترتب عليه مما يأتي كافله كأمه ( ووال ) من رفع إليه ، ولم يعاند ( وزوج ) زوجته الحرة لنحو نشوز ( ومعلم ) من تعلم منه حيث كان حرا بما له دخل في الهلاك وإن ندر ( فمضمون ) تعزيرهم ضمان شبه العمد على العاقلة إن أدى إلى هلاك أو نحوه لتبين مجاوزته للحد المشروع ، بخلاف ما لو ضرب دابة مستأجرها أو رائضها إذا اعتيد ; لأنهما لا يستغنيان عنه ، والآدمي يغني عنه فيه القول ، أما ما لا دخل له في ذلك كصفعة خفيفة وحبس أو نفي فلا ضمان به ، وأما قن أذن سيده لمعلمه أو لزوجها في ضربها فلا ضمان به كما لو أقر كامل بموجب تعزير ، وطلبه بنفسه من الوالي كما قاله البلقيني ، لكن قيده غيره بما إذا عين له نوعه وقدره ، إذ الإذن في الضرب ليس كهو في القتل ، وكما أن الإذن الشرعي محمول على السلامة فإذن السيد المطلق كذلك ، أما معاند توجه عليه حق وامتنع من أدائه مع القدرة عليه ، وتعين عقابه طريقا لوصول المستحق لحقه ، فيجوز عقابه [ ص: 32 ] حتى يؤدي أو يموت كما قاله السبكي ( ولو ) ( حد ) أي الإمام أو نائبه ، ويصح بناؤه للمفعول ولو في نحو مرض أو شدة حر أو برد كما مر ( مقدرا ) بيان للواقع إذ الحد لا يكون إلا كذلك .

                                                                                                                            ويصح أن يحترز به عن حد الشرب فإن الإمام يتخير فيه بين الأربعين والثمانين فيصير حينئذ بمقتضى ذلك غير مقدر بالنسبة لإرادته ، وإن كان مقدرا ; لأن كلا من الأربعين والثمانين منصوص عليه كما مر فمات ( فلا ضمان ) بالإجماع إذ الحق قتله

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : من كوة ) بالفتح والضم لغة ا هـ مختار ( قوله : ولو كان ) أي الناظر ( قوله لم يجز رميه ) أي فإن اختلفا في أن النظر لنحو الخطبة أو أنه تعدى صدق الرامي ; لأن الأصل عدم الخطبة ونحوها ما لم تقم قرينة قوية على ذلك بأن تقدم منه تكلم بذلك مع أبيها أو نحوه بلغ الأب أخذا مما يأتي في قوله نعم يصدق الرامي أنه إلخ ( قوله وكذا لو كان ) أو لم يجز رميه ( قوله : فرماه ) أي في حال نظره ليلاقي قوله الآتي لا إن ولى ولو عبر به كان أولى .

                                                                                                                            ( قوله : بخلاف الأجنبي ) محترز قوله ذو الحرم : أي وإنما حرم على الأجنبي هنا مع أن الرمي من دفع الصائل ، وهو لا يختص بالمصول عليه ; لأن منعه من النظر لا ينحصر في خصوص الرمي ولكن الشارع جعل الرمي مباحا لصاحب الحرم ، وإن أمكن منعه بهرب المرأة أو نحوه ، ومن ثم قال حج في أثناء كلام : وقد صرحوا بأن الأجنبي هنا لا يرمي بخلافه في الأمر بالمعروف : أي فإنه لا يمتنع على الأجنبي ( قوله : الناظر من ملكه ) أي الناظر للصائل حالة كون الناظر في ملكه أو شارع ، ولو قال بخلاف الأجنبي فليس له رمي الناظر من إلخ كان أولى ( قوله : فمات فهدر ) أي سواء [ ص: 30 ] كان الناظر في ملك نفسه أو مستأجر أو معار أو مغصوب ( قوله : ولا نظر لعدم تكليف المراهق ) هذا دفع لما يرد على قوله السابق ومراهقا ( قوله : لا يجوز رميه هنا ) ومحل جواز الرمي إذا لم يفد الإنذار ، ويحمل عليه كلام المصنف ، أما لو علم الرامي إفادة الإنذار ، ولم ينذر فإنه يضمن ا هـ وهذا حاصل قوله الآتي وهذا محمول إلخ ( قوله : نحو متاع له ) أي الناظر ( قوله : وإلا وجب تقديمه ) ، وظاهره وإن تكرر منه ذلك .

                                                                                                                            ( قوله : وخرج بنظر الأعمى ) أي وإن جهل عماه شرح روض وكذا بصير في ظلمة الليل ; لأنه لم يطلع على العورات بنظره ( قوله ونحوه ) كضعيف البصر ( قوله : من باب مفتوح ) ولو بفعل الناظر إن تمكن رب الدار من إغلاقه كما هو ظاهر ا هـ حج ومفهومه أنه إذا تمكن رب الدار من إغلاقه ، ولم يغلقه ضمن برميه وفي شرح الروض ويؤخذ من التعليل أي بتقصير صاحب الدار بعدم إغلاقه أنه لو كان الفاتح للباب هو الناظر ، ولم يتمكن رب الدار من إغلاقه جاز الرمي وهو ظاهر ا هـ ( قوله أو ثقب ) ومنه الطاقات المعروفة الآن والشبابيك ( قوله : إن علم الرامي ) أي بقرينة ( قوله : في أنه ) أي الناظر ( قوله : وهذا ذهاب إلى جواز رميه ) معتمد [ ص: 31 ] قوله : سن له أن ينشده بالله ) قضية السنية جواز دفعه بالسلاح ، وإن أفاد الإنشاد فليراجع ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            والظاهر أنه غير مراد ، بل إن غلب على ظنه إفادته وجب كما يؤخذ مما قدمه عن الإمام من وجوب الإنذار حيث أفاد .

                                                                                                                            ( قوله : من غير إسراف ) لم يذكر محترزه ، ويحتمل أن المراد منه أنه إذا أسرف ضمنه ضمان العمد لا ضمان شبه العمد ( قوله : ومن حل له الضرب ) عبارة حج في حل الضرب وما إلخ وهي أولى ( قوله : لنحو نشوز ) منه البذاءة على نحو الجيران والطل من نحو طاقة ( قوله : ومعلم ) ظاهره ولو كان كافرا وهو ظاهر حيث تعين للتعليم أو كان أصلح من غيره في التعليم ( قوله من تعلم منه ) ومن ذلك الشيخ مع الطلبة فله تأديب من حصل منه ما يقتضي تأديبه فيما يتعلق بالتعلم ، وليس منه ما جرت به العادة من أن المتعلم إذا توجه عليه حق لغيره يأتي صاحب الحق للشيخ ، ويطلب منه أن يخلصه من المتعلم منه ، فإذا طلب الشيخ منه ولم يوفه فليس له ضربه ولا تأديبه على الامتناع من توفية الحق ، وليس منه أيضا هؤلاء المسمون بمشايخ الفقراء من أنه إذا حصل من أحد منهم تعد على غيره أو امتناع من توفية حق عليه أو نحو ذلك عزره الشيخ بالضرب وغيره فيحرم عليه ذلك ; لأنه لا ولاية له عليهم ( قوله : حيث كان حرا ) أي المتعلم ، وإنما يجوز للمعلم التعزير للمتعلم منه إذا كان بإذن من وليه كما قدمه الشارح آخر فصل التعزير عند قول المصنف ويجتهد الإمام في جنسه وقدره ( قوله : لكن قيده ) أي البلقيني من أنه لو أقر كامل إلخ ، ويحتمل أن كلام البلقيني من قوله وأما قن إلخ فيكون التقييد راجعا له أيضا ( قوله : بما إذا عين له نوعه إلخ ) معتمد ( قوله : فيجوز عقابه ) أي بأنواع العقاب لكن مع رعاية الأخف [ ص: 32 ] فالأخف ، ولا يجوز العقاب بالنار ما لم يتعين طريقا لخلاص الحق .

                                                                                                                            ( قوله : غير مقدر ) أي فيضمن ما زاد به على الأربعين ، لكن هذا قد ينافي ما تقدم له بعد قول المصنف والزيادة تعزيرات ، وقيل حد من قوله : أي ومع ذلك لو مات بها لم يضمن



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : ويلحق بذلك ولده الأمرد الحسن ) أي بناء على حرمة النظر إليه كما في شرح الروض ، ومثل ولده هو نفسه لو كان أمرد حسنا كما هو ظاهر ونبه عليه ابن قاسم ( قوله : أو محرم له ) أي للناظر ( قوله : ولو كان امرأة ) أي وكانت تنظر لرجل مطلقا أو لامرأة متجردة كما في التحفة ( قوله : وإن لم يكن صاحب الدار ) أي وهو ذو حرمة [ ص: 30 ] كما علم من كلامه كأبي الزوجة وأخيها ( قوله : الناظر ) هو بالنصب بيان للضمير المنصوب في المتن ، كما أن قوله ذو الحرم بيان للضمير المرفوع فهو من مدخول التفسير بأي وإن حصل الفصل ، فكأنه قال : أي ذو الحرم الناظر : أي رمي ذو الحرم الناظر ، وقوله من ملكه أو شارع متعلق بالناظر : أي سواء أكان نظره في ملكه بأن نظر وهو في ملكه أو من شارع : أي أو من غيرهما ، وقوله في حال نظره متعلق برماه تقييد ، وخرج به ما عطفه عليه بقوله لا إن ولى ( قوله : والواو بمعنى أو ) الصواب أنها بحالها كما نبه عليه ابن قاسم : أي لأن القصد عدم الجميع وليس القصد عدم أحدهما وإن وجد الآخر لفساده ( قوله : قبل الإنذار ) انظر مفهومه [ ص: 31 ] قوله : من غير إسراف ) كأنه إنما قيد به لأجل قوله الآتي ضمان شبه العمد : أي أما إذا أسرف فإنه يقاد به غير الأصل بشرطه ( قوله : وكما أن الإذن الشرعي إلخ ) مراده بذلك وإن كان في عبارته قصور أن إذن السيد في ضرب عبده كإذن الحر في ضرب نفسه فيشترط فيه ما شرط فيه من التقييد المذكور ، فمحل عدم الضمان فيه أيضا إذا عين له النوع والقدر كما صرح به غيره ، بل التقييد المذكور في الحر إنما هو مأخوذ مما ذكروه في العبد [ ص: 32 ] قوله : ويصح أن يحترز به عن حد الشرب ) فيه أمران : الأول أنه قد مر أن ما زاد على الأربعين تعزيرات فلم يصدق الاحتراز عن حد غير المقدر الثاني لو سلمنا أنه حد فيقتضي الضمان لو أدته إرادته إلى الاقتصار على الأربعين واقتصر عليها لأنه حينئذ حد غير مقدر بالاعتبار الذي ذكره فتأمل




                                                                                                                            الخدمات العلمية