الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل الشرط الثاني : أن يقذفها بالزنا فيقول : زنيت ، أو يا زانية ، أو رأيتك تزنين سواء قذفها بزنا في القبل ، أو الدبر . وإن قال : وطئت بشبهة ، أو مكرهة فلا لعان بينهما . وعنه : إن كان ثم ولد لاعن لنفيه وإلا فلا . وإن قال : لم تزن ، ولكن ليس هذا الولد مني ، فهو ولده في الحكم ولا لعان بينهما . وإن قال ذلك بعد أن أبانها فشهدت امرأة مرضية أنه ولد على فراشه لحقه نسبه . وإن ولدت توءمين فأقر بأحدهما ونفى الآخر لحقه نسبهما ويلاعن لنفي الحد . وقال القاضي : يحد .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( الشرط الثاني : أن يقذفها بالزنا ) لأن كل قذف يجب به الحد . وسواء في ذلك الأعمى ، والبصير . نص عليه . وقال أبو الزناد : لا يكون اللعان إلا بأحد أمرين إما رؤية وإما إنكار الحمل ; لأن آية اللعان نزلت في هلال بن أمية ، وكان قال : رأيت بعيني وسمعت بأذني . وجوابه : عموم الآية . والأخذ بعموم اللفظ أولى من خصوص السبب . ( فيقول : زنيت ، أو يا زانية ، أو رأيتك تزنين ) هذا بيان لمعنى القذف ، فإن قال : يا زانية ، فقالت : بل أنت زان ، فله اللعان وتحد هي لقذفه . فإن قال زنى بك زيد في الدار فلا ، ( سواء قذفها بزنا في القبل ) وهو ظاهر ( أو الدبر ) لأنه قذفها بزنا في الفرج فوجب أن يكون حكمه كالقبل . وعلم منه أنه إذا قذفها بالوطء دون الفرج ، أو بشيء من الفواحش غير الزنا فلا حد ، ولا لعان كما لو قذفها بضرب الناس ، أو أذاهم . ( وإن قال : وطئت بشبهة ، أو مكرهة ) أو مع نوم ، أو إغماء ، أو جنون لزمه الولد . ( فلا لعان بينهما ) . اختاره الخرقي ، والمؤلف ، وجزم به في " الوجيز " ; لأنه لم يقذفها بما يوجب الحد . ( وعنه : إن كان ثم ولد لاعن لنفيه ) اختاره الأكثر فينتفي بلعانه وحده ; لأنه يحتاج إليه . وفي " المحرر " روايتان منصوصتان ، ثم قال عن الثانية : وهي أصح عندي ، ( وإلا فلا ، وإن قال : لم تزن ، ولكن ليس هذا الولد مني ، فهو ولده في الحكم ) ، لقوله عليه السلام [ ص: 87 ] الولد للفراش . ( ولا لعان بينهما ) ، لأن هذا ليس بقذف بظاهره لاحتمال أنه يريد أنه من زوج آخر ، أو من وطء شبهة ، أو غير ذلك . وإن قال : ما ولدته ، وإنما التقطته أو استعارته فقالت : بل هو ولدي منك - لم يقبل قولها إلا ببينة ، وهو قول أكثر العلماء ، فعلى هذا لا يلحقه الولد إلا أن تقيم بينة ، وهي امرأة مرضية تشهد بولادتها له ، وقيل : يقبل قولها فيلحقه النسب . وهل له نفيه باللعان ؛ فيه وجهان ( وإن قال ذلك بعد أن أبانها فشهدت امرأة مرضية أنه ولد على فراشه لحقه نسبه ) لأن شهادتها بالولادة مقبولة ; لأنها مما لا يطلع عليه الرجال . ( وإن ولدت توءمين فأقر بأحدهما ونفى الآخر لحقه نسبهما ) أي : إذا ولدت توءمين وبينهما أقل من ستة أشهر ; لأنه حمل واحد ، فلا يجوز أن يكون بعضه منه وبعضه من غيره ; لأن النسب يحتاط لإثباته ، لا لنفيه . فإن قلت : لم لم يحكم بنفي ما أقر به تبعا للذي نفاه ؛ قلت : ثبوت النسب مبني على التغليب ، وهو يثبت بمجرد الإمكان ، وإن لم يثبت الوطء ، ولا ينتفي لإمكان النفي فافترقا . ( ويلاعن لنفي الحد ) لأن اللعان تارة يراد لنفي الولد وتارة لإسقاط الحد ، فإذا تعذر نفي الولد لما سبق بقي اللعان لإسقاط الحد . ( وقال القاضي : يحد ) ولا يملك إسقاطه باللعان ; لأنه باستلحاقه اعترف بكذبه في قذفه ، فلم يسمع إنكاره بعد ذلك ، فإن ماتا معا ، أو أحدهما فله أن يلاعن لنفي نسبهما . وقال بعض العلماء : يلزمه نسب الحي ، ولا يلاعن إلا لنفي الحد ، ولأنه بالموت انقطع نسبه كموت أمه . وجوابه : أن الميت ينسب إليه فيقال ابن فلان ، ويلزمه تجهيزه وتكفينه .




                                                                                                                          الخدمات العلمية