الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
المجلس الخمسون

لا نستعمل على عملنا من طلبه

حدثنا أحمد بن محمد بن المغلس ، قال : حدثنا حماد بن الحسن ، حدثنا عبد العزيز بن الخطاب ، حدثنا مندل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بردة ، عن أبيه .

قال : قال أبو موسى : " دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي رجل ، فقال : استعملني ، فقال : إنا لا نستعمل على عملنا من طلبه ولا من حرص عليه " .  

شرح السبب في ذلك

قال القاضي : تأملوا رحمنا الله وإياكم ، ما ورد به هذا الخبر عن نبينا صلى الله عليه وسلم من إخباره أنه لا يستعمل على الناس من طلب العمل عليهم ، ولا من حرص على ولاية أمورهم ، لأن من سأل هذا وحرص عليه لم يؤمن زيغه عن العدل في من يلي عليه ، ومحاباته لمن يواليه ، وشفاء غيظه ممن يعاديه ، والاستطالة بما بسط فيه على من بسط عليه ، فيجور في حكمه ، ويستعين بسلطانه على ظلمه ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن سأل القضاء ، واستعان عليه بالشفعاء ، ما روي من أن الله وكله إلى نفسه .

[ ص: 368 ] وروي عن عبد الرحمن بن سمرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال له : " يا عبد الرحمن ! لا تسل الإمارة ، فإنك إن أوتيتها عن غير مسألة أعنت عليها ، وإن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها " .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يحرصن أحد على الإمارة فيعزل " .

وقد كان سلفاؤنا من علماء المسلمين ينأون عن الولايات ويمتنعون من ملابستها والدخول فيها ، ويجانبون أهلها مع دعائهم إليها وإكراههم عليها ، حتى إن منهم من يتهيب الفتيا في الدين ، ويكل مستفتيه إلى غيره من المفتين ، ولو ذكرنا ما روي في تفصيل هذه الجملة لأطلنا القول والوصف ، وملأنا الأجلاد والصحف ، وقد مضى في بعض ما تقدم من مجالس كتابنا هذا من ذلك طرف ، ولعلنا نأتي بكثير من هذا الباب في المؤتنف ، وبالله نستعين ، وإلى الله المشتكى مما يراد في زماننا هذا ، من تقليد السفلة والجهال السخفاء الضلال للأحكام ، وإجلاسهم مجالس الأئمة الأعلام ، مع عظيم جهالتهم ، وسقوط عدالتهم ، وفساد أمانتهم ، وقبح الظاهر والباطن من أمرهم ، والله ولي الانتقام ممن يطوي في هذا الباب بصحة الإمام ، ويسعى لما يساق إليه من الأحكام ، في هدم شريعة الإسلام ، ونستعين الله على تمكيننا من إيضاح هذا الأمر ، وإنهائه إلى من إليه الأمر ، ساسة الأمة ، ومدبري الملة ، حتى تنكشف له نصيحة المحقين ، وفضيلة المحققين ، ويظهر له تمويه الممخرقين ، وما تنحوه ولبسوه ، وتبجحوا فيه ودنسوه ، ويوفقه الله جل جلاله لتأمله حق تأمله ، والإصغاء إليه وتقبله ، ويبسط فيه لسانه ويده ، ويعلي فيه أمره ونهيه ، فينزل كل ذي منزلة منزلته ، ويقف كل امرئ عند انتهاء قدره ، اللهم فبك نستعين ، وأنت خير معين ، وأنت أرضى بما نحبه ، وأكره لما نكرهه ، وأقدر على نصرة الحق وأهله ، ومحق الباطل وحزبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية