رجل أحب قومه
حدثنا أحمد بن محمد أبو بكر بن أبي شيبة البزاز، في المحرم سنة سبع عشرة وثلثمائة قال حدثنا ابن حسان، قال: حدثنا بقية، قال: حدثنا شعبة، عن ثابت، عن قال: أنس، قيل: يا رسول الله! رجل أحب قوما ولما يعمل مثل عملهم، قال: "هو منهم" قال: فما فرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء فرحهم بهذا الحديث.
التعليق على الحديث
قال القاضي أبو الفرج: أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم بما جاء عنه في هذا الحديث أن في استحقاقه الثناء والمدح، والتولي لمشاركته إياهم في اعتقاد ما يعتقدونه وفي استحسان ما يستحسنونه، وكذلك الأمر في من تولى قوما على اعتقاد فاسد وفعل قبيح في أنه ملحق في الذم بهم، وجار في سقوط المنزلة مجراهم. من تولى قوما وأحبهم، وكان راضيا بما أتوه من أفعالهم فهو منهم،
وجاء في الخبر أن من حضر الفتنة فأنكرها فهو بمنزلة من غاب عنها، ومن غاب عنها ورضي بها كان بمنزلة من شهدها، وقد قال الله جل جلاله يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين وقال جل اسمه: المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض [ ص: 66 ] وقال: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض وما أتى به في هذا المعنى من الكتاب والسنة كثير جدا، وقد نعى الله عز وجل على من كان منهم على عهد نبينا صلى الله عليه وسلم من كفرة أهل الكتاب ما كان من قبل أسلافهم ومن تقادم عهده من آبائهم أنبياءهم، لرضاهم بذلك ودينونتهم به، وتوليهم من تولى دونهم فعله، وإن لم يدركوه ولم يباشروا ما تقدم منه، ولم تزل العرب تفتخر بما أتاه الماضون من آبائهم، وتتمادح وتتعاير به، وينسبونه في ألفاظهم إلى أنفسهم في أشعارهم وخطبهم لهذا المعنى، وهذا مذكور على استقصاء بشواهده في كتابنا المسمى البيان الموجز عن علوم القرآن المعجز، وإذا كان الأمر في هذا الفصل على ما وصفنا، فتبين أن الراضي بالفعل والمؤتى له والدال عليه مشارك لفاعله فيما بكسبه من حمد أو ذم، أو أجر أو إثم، ولذلك أشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بين من تولى الحج من غيره وبين من أوصى به، وبين من نفذه في الأجر، وبين آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهده في الوزر، وبين العاصر والمعتصر، والبائع والمشتري، والحامل والمحمول إليه والساقي والشارب في اللعنة التي أوقعها في الخمر، وقال صلى الله عليه وسلم: وجاء في الكاتم على السارق سرقته أنه يشركه في عارها وإثمها، وهذا الباب أكثر من أن يحصى، ولم يزل ذوو النهى وأولو البصائر والحجى يبعثون على إتيان المحاسن وفعل المكارم ويحضون عليها، فيحسن الذكر لهم والثناء عليهم، ويتوفر من جميل الأحدوثة عنهم ما يرى كثيرا على من باشر الفعل بنفسه، وبذل في العرف خاصة ماله، ولله در القائل: "من كتم على غال فهو مثله"
وإذا امرؤ أهدى إليك صنيعة من جاهه فكأنها من ماله
وقد حدثنا أبو النضر أحمد بن إبراهيم بن إسحاق بن سعيد بن الحارث العقيلي، قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن راهويه الكاتب، قال: كتب إلي سهل بن صالح الحلواني أن كتب لرجل شفاعة، فقال الرجل يدعو له ويشكره فقال له الحسن بن سهل الحسن، على ما تشكرنا ونحن نرى كتب الشفاعات زكاة مروءاتنا، وأنشد:فرضت علي زكاة ما ملكت يدي وزكاة جاهي أن أعين وأشفعا
فإذا ملكت فجد وإن لم تستطع فاجهد بوسعك كله أن تنفعا
[ ص: 67 ] شكرت فلانا في لغة قليلة، من ذلك قول الشاعر:
هم جمعوا نعمى وبؤسى عليكم فهلا شكرت القوم إذ لم تقاتل
شكرتك إن الشكر حبل من التقى وما كل من أوليته نعمة يقضي
وأما قوله في هذا الخبر: على ما تشكرنا، فقد بينا في مجلس من مجالسنا هذه أن الفصيح من كلام العرب حذف الألف فيما يأتي في هذا الباب على لفظ الاستفهام، كقولك: فيم أنت، ولم فعلت؟ وعلام تذهب؟ وعم تسأل؟ وذكرنا ما تستشهد به على هذا، وبعض ما أتى على اللغة الأخرى الآتية بإثبات الألف بشواهده بما كرهنا إعادته، ومن هذا الباب أيضا: حتام كذا، كما قال الكميت:
فتلك ولاة السوء قد طال عهدهم فحتام حتام العناء المطول