الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
المجلس الثالث والخمسون

من قال لا إله إلا الله . .

حدثنا أحمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن داود المنادي ، وأبو الحسين ، قال : حدثنا جدي ، قال : حدثنا أبو بدر شجاع بن الوليد بن قيس السكري الكوفي ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأثري ، قال : حدثنا مالك بن قيس ، عمن حدثه ، عن عقبة بن عامر الجهني ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، وكان على كل رجل منا رعية الإبل يوما ، فكان اليوم الذي أرعى فيه ، فبصرت بالنبي صلى الله عليه وسلم في حلقة يحدثهم ، فسعيت إليه فأدركته وهو يقول : من توضأ فأحسن وضوءه ثم ركع ركعتين لا يريد فيهما إلا وجه الله تعالى غفر الله تعالى ما كان قبلهما من ذنب ، فكبرت فإذا رجل يضرب على كتفي فالتفت فإذا هو أبو بكر الصديق ، فقال أبو بكر : التي قبلها يا ابن عامر أفضل منها ، قلت : وما هي ؟ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال : لا إله إلا الله يصدق لسانه قلبه دخل من أي أبواب الجنة الثمانية شاء " .  

رواية أخرى للحديث

حدثنا ابن المنادي ، قال : حدثنا العباس بن محمد الدوري ، وعلي بن سهل النسائي ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى أبو محمد العبسي الكوفي ، قال : أخبرنا إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق السبيعي ، عن عبد الله بن عطاء ، عن عقبة بن عامر الجهني ، قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا ونفر من جهينة فكنا نتناوب رعي الإبل على كل رجل منا يوم ، فجاءت نوبتي فرعيتها ثم روحت نفسي فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب ، فجلست إلى جنب عمر بن الخطاب فأدركت من كلامه وهو يقول : ما من رجل مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء ، ثم يقوم إلى مصلاه فيعلم ما يقول فيها ، إلا انقل كيوم ولدته أمه من الخطايا " ، قال : فلما سمعتها لم أملك نفسي أن قلت : بخ بخ ، فقال : عمر - وهو إلى جنبي قاعد - قال : أجود منها قبل أن تجيء ، قلت : وما هي : فداك أبي وأمي ؟ فقال : قال : " ما من رجل مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء .

[ ص: 392 ] معنى بخ بخ واللغات فيها  

قال القاضي أبو الفرج : قوله بخ بخ ، هذه كلمة تقولها العرب عند الشيء تفضله وتمدحه وتعجب به ، وفيها لغتان : التسكين والكسر والتنوين ، فمن سكن فعلى الأصل فيما يبنى ولا يعرب ، والكسر على الباب في الساكن إذا حرك ، والتنوين في قول محققي نحاة البصريين يؤذن بالتنكير ، وحذفه يدل على التعريف ، وأكثر ما تستعمل هذه الكلمة بالتكرير ولها نظائر فيما وصفنا من حكمها ، قال الشاعر :


بين الأشج وبين قيس باذخ بخ بخ بوالده وبالمولود

ومثل هذا صه صه ومه مه .

وفي القصة التي رويناها بهذين السندين ما يرغب في العمل بما أنبأت بفضله ، ويدل على سعة إحسان الله تعالى وتفضله ، وقد روي لنا هذا الخبر من وجه فيه علل عارضته في سنده ، وأنا ذاكره ليحصل لمن وقف عليه الفائدة منه إن شاء الله .

العلل التي في سند الحديث

حدثنا محمد بن مخلد بن حفص العطار ، قال : حدثنا أبو يحيى محمد بن سعيد بن غالب العطار ، سنة ست وخمسين ومائتين ، قال : سمعت نصر بن حماد ، قال : كنا على باب شعبة نتذاكر ، فقلت : حدثنا إسرائيل بن يونس ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن عطاء ، عن عقبة بن عامر ، قال : كنا نتناوب رعية الإبل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجئت وحوله أصحابه ، قال : فسمعته يقول : " من توضأ فأحسن الوضوء وصلى ركعتين ، واستغفر الله تعالى غفر الله تعالى له " ، قلت : بخ بخ ، فحدثني رجل من خلفي فإذا عمر ، فقال : الذي قال قبل أحسن ، قلت : وما قال ؟ قال : " من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قيل له ادخل من أي أبواب الجنة شئت " ، قال : فخرج شعبة فلطمني ثم رجع فدخل من ناحية الباب ثم خرج ، فقال : ما له بعد يبكي ، فقال له عبد الله بن إدريس : إنك أسأت إليه ، قال شعبة : انظر ما يحدث عن إسرائيل ، عن عبد الله بن عطاء ، عن عقبة بن عامر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قلت لأبي إسحاق : من حدثك ؟ قال : حدثني عبد الله بن عطاء ، عن عقبة بن عامر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قلت : سمع عبد الله بن عطاء ، عن عقبة ، فغضب ، ومسعر بن كدام حاضر ، فقال مسعر : أغضب الشيخ ؟ قلت : يصححن هذا الحديث أو لأرمين بحديثه ، فقال لي مسعر : عبد الله بن عطاء بمكة . قال شعبة : فرحلت إلى مكة لم أرد الحج أردت الحديث ، فلقيت عبد الله بن عطاء فسألته ، فقال : سعد بن إبراهيم حدثني ، قال شعبة : فلقيت مالكا ، قال : سعد بالمدينة لم يحج العام ، قال شعبة : فرحلت إلى المدينة فلقيت سعد بن إبراهيم ، فقال : الحديث من عندكم زياد بن مخراق ، قلت : إيش هذا الحديث ؟ بينما هو كوفي إذ صار مكيا ، إذ صار مدنيا ، إذ صار بصريا ، قال شعبة : فرحلت [ ص: 393 ] إلى البصرة فلقيت زياد بن مخراق فسألته ، فقال : ليس هذا الحديث مما تبغي ، قلت : حدثني به ، قال : لا ترده ، قلت : حدثني ، فقال : حدثني شهر بن حوشب ، عن أبي ريحانة ، عن عقبة بن عامر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فلما ذكر شهرا ، قلت : دمر علي هذا الحديث ، لو صح لي هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان أحب إلي من أهلي ومالي والناس أجمعين .

وقد حدثنا أبي رضي الله عنه ، عن العباس بن الفضل البغدادي ، عن محمد بن سعيد ، وساق القصة على اختلاف ألفاظها مع تقارب معانيها وفي آخر الحديث أعني حديث أبي ، عن العباس بن الفضل - قال : محمد بن سعيد : قدم علينا مغني بن معاذ ، فذكرت له هذا الحديث ، فقلت له : عندكم أصل ، قال : نعم ، حدثني بشر بن المفضل ، عن شعبة ، كهذه القصة ، وزاد فيها حرفا هو ، قال محمد بن سعيد : لم أحفظه .

التالي السابق


الخدمات العلمية