الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفادة جرير على الحجاج

حدثنا أبو النضر العقيلي قال أخبرني الزبير قال حدثني محمد بن أيوب اليربوعي عن أبي الذيال السلولي قال حدثني جرير قال : وفدت على الحجاج بن يوسف في سفرة تسمى سفرة الأربعين ، فأعطاني أربعين راحلة ورعاءها وحشو حقائبها القطائف والأكسية ، كسوة لعيالي ، وأوقرها حنطة ثم خرجت فلما شددت على راحلتي كورها وأنا أريد المضي جاءني خادم فقال : أجب الأمير ، فرجعت معه ، فدخلت على الحجاج ، فإذا هو قاعد على كرسي ، وإذا جارية قائمة تعممه بعمامة فقلت : السلام عليك أيها الأمير فقال : هات قل في هذه ، فقلت : بأبي وأمي تمنعني هيبة الأمير وإجلاله ، وأفحمت فما أدري ما أقول ، فقال : بل هات قل فيها ، فقلت : بأبي وأمي فما اسمها؟ قال : أمامة ، فلما أمامة فتح علي فقلت :


ودع أمامة حان منك رحيل إن الوداع لمن تحب قليل     تلك القلوب صواديا تيمتها
وأرى الشفاء وما إليه سبيل

فقال : بل إليه سبيل ، خذ بيدها فجبذتها فتعلقت بالعمامة وجبذتها حتى رأيت عنق الحجاج قد صغت ومالت مما جبذتها ، وتعلق بالعمامة ، قال : ويخطر ببالي بيت من شعر فقلت :


إن كان طبكم الدلال فإنه     حسن دلالك يا أميم جميل

فقال الحجاج : إنه والله ما بها دلال ولكن بها بغض وجهك وهو أهل ذلك ، خذها بيدها جرها ، فلما سمعت ذلك منه خلت العمامة . وخرجت بها فكنيتها أم حكيم وجعلتها تقوم على ودي لي وعمالي وتعطيهم نفقاتهم بقرية يقال لها الغنية من قرى الوشم حتى نفد الودي . قال طلحة : فأخبرني الزبير قال ، قال محمد بن أيوب : وسمعت حجناء بن نوح يقول : كانت والله مباركة
  .

شروح وتعليقات

قال القاضي رحمه الله : قول جرير جبذتها وأجبذها بمعنى جذبتها وأجذبها ، تقول جبذته أجبذه جبذا ، وجذبته أجذبه جذبا ، ومثله تبيغ به الدم وتبغي ، وما أيطبه وما أطيبه ، ومثله كثير . وأما الودي فإنه الفسيل كما قال الشاعر :


نحن بغرس الودي أعلمنا     منا بركب الجياد في الغلس

[ ص: 535 ] وقول جرير : إن كان طبكم الدلال يعني الخلق والطبع ، كما قال الشاعر .


وما إن طبنا جبن ولكن     منايانا وطعمة آخرينا

يجوز فيه طبكم الدلال ، وطبكم الدلال لأنهما معرفتان كما قال الفرزدق :


فقد شهدت قيس فما كان نصرها     قتيبة إلا عضها بالأباهم

ويروى فما كان نصرها إلا عضها ، وقال آخر :


لقد علم الأقوام ما كان داؤها     بثهلان إلا الخزي ممن يقودها

ويروى داءها إلا الخزي ، وقال آخر :


إن يكن طبك الدلال فهلا     ذاك في الدهر والسنين الخوالي

التالي السابق


الخدمات العلمية