الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
دخول عبد الملك بن صالح على جعفر بن يحيى في مجلس منادمة  

حدثنا أبو عبد الله الحسين بن القاسم الكوكبي قال: حدثنا العباس بن الفضل الربعي قال: حدثنا إسحاق الموصلي قال: كان جعفر بن يحيى يقول لإخوانه: لا يشغلني عنكم إلا ما يشغلني عن نفسي، فإذا تخليت من الخدمة فإليكم راجع، فإن السلطان لا يبقى لي، وأنتم تبقون لي ما بقيت لكم. تعالوا نتفرج يومنا هذا، فنتضمخ بالخلوق، ونلبس ثياب الحرير، ونفعل ونفعل. فأجابه إخوانه وصنعوا ما صنع، وتقدم إلى حاجبه في حفظ الباب إلا من عبد الملك بن بجران كاتبه، فوقع في أذن الحاجب عبد الملك.

وبلغ عبد الملك بن صالح مقام جعفر في منزله، فركب فوجد الحاجب عبد الملك قد حضر، فقال: يؤذن له وهو يظنه ابن بجران، فدخل عبد الملك في سواده ورصافيته، فلما رآه جعفر اسود وجهه، وكان عبد الملك لا يشرب النبيذ، وهو كان سبب موجدة الرشيد عليه. فوقف عبد الملك ودعا غلامه فناوله قلنسوته وسواده وقال: افعلوا بنا ما فعلتم بأنفسكم، ففعل ودعا برطل فشرب وقال: جعلني الله فداك، والله ما شربته قبل اليوم فإن رأيت أن تأمر بالتخفيف لي، فدعا برطلية فوضعت بين يديه، وجعل كل ما فعل من ذلك شيئا سريا عن جعفر، فلما أراد الانصراف قال له جعفر: سل حاجتك مما تحيط به مقدرتي مكافأة لما صنعت. قال: إن في قلب أمير المؤمنين هنة فتسأله الرضى عني رضى صرفا، قال: قد رضي عنك، قال: علي أربعة آلاف ألف درهم دينا فيقضيها عني، قال: والله إنها عندي لحاضرة ولكن تقضى من مال أمير المؤمنين فإنه أنبل لك [ ص: 637 ] وأحب إليك، قال: وإبراهيم ابني أحب أن أشد ظهره بصهر من أولاد الخلافة، قال: قد زوجه أمير المؤمنين ابنته العالية، قال: وأحب أن يخفق اللواء على رأسه، قال: قد ولاه أمير المؤمنين بلاد مصر.

وانصرف عبد الملك ونحن نتعجب من إقدام جعفر على قضاء حوائجه من غير استئذان، وقلنا: لعله يجاب إلى ما سأل فكيف بالتزويج؟ فلما كان من الغد وقفنا بباب الرشيد، ودخل جعفر فلم يلبث أن دعا بأبي يوسف القاضي ومحمد بن الحسن وإبراهيم بن عبد الملك، فخرج إبراهيم وقد خلع عليه وعقد له وزوج وحملت البدر إلى منزل عبد الملك، وخرج جعفر فأشار إلينا باتباعه ثم قال لنا: تعلقت قلوبكم بأول أمر عبد الملك فأحببتم علم آخره، إني لما دخلت على أمير المؤمنين سألني عن خبري فأخبرته حتى انتهيت إلى خبر عبد الملك فجعل يقول: أحسن والله، أحسن والله، فقال: هذا ما صنع فماذا صنعت أنت به؟ فأخبرته أني حكمته فاحتكم، فضمنت له قضاء حوائجه، فقال: أحسنت ودعا بما رأيتم حتى استتم له كل ما سأل.

التالي السابق


الخدمات العلمية