الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

ومن الدليل على أن الصفات الصادرة عن فعل الله -تعالى- كالخالق، والرازق، والعادل، والمحسن، والمنعم، والمحيي، والمميت، والمثيب، والمعاقب، هي صفات لازمة له قديمة بقدمه، لا لقدم معانيها  الذي هو الخلق والرزق، والإحسان، والإثابة، والعقاب، لكن وجود معانيها منه. قال أحمد بن حنبل -رحمه الله- في رواية حنبل عنه: " لم يزل الله متكلما، عالما، غفورا " فوصفه بالغفران فيما لم يزل، كما وصفه بالكلام والعلم خلافا لمن [ ص: 301 ] قال: هي صفات محدثة لا يكون موصوفا بها في القدم .

ومن الدليل على صحة ما قلناه: أن تحقق الفعل من جهته يوجب كونه صفة لازمة له قديمة، بدليل وصفه في القدم أنه معيد، وباعث، ووارث، وإن لم يعد، ولم يبعث، ولم يرث، ويوصف بأنه رب قبل أن يخلق المربوب، وأنه إله قبل أن يخلق المألوه، ومن نفى هذه الصفات عنه قبل وجود معانيها فقد خالف المسلمين.

ويبين صحة هذا قول أهل اللغة: سيف قطوع، وخبز مشبع، وماء مرو، وإن لم يوجد منه القطع والشبع والري؛ لتحقق الفعل منه. وفي هذا جواب عن قولهم: إن معاني هذه الأشياء محدثة غير قديمة، فلا تكون صفات لازمة، ولأنه لا يمكن أن يقال هذا مجاز؛ لأن المجاز ما صح نفيه، ومعلوم أنه لا يصح أن ينفي عن السيف الذي يقطع أنه قطوع، ولأنه قد ثبت كونه الآن خالقا، والخالق ذاته تعالى، وذاته كانت في الأزل، فلو لم يكن خالقا وصار خالقا لزمه التغير، ولأن الخالق صفة مدح، وذلك من صفات الذات كالعالم والقادر. وهو سبحانه في الأزل مستحق لأوصاف المدح، فلو لم يكن خالقا كان ناقصا.

التالي السابق


الخدمات العلمية