الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

ومن إعجاز القرآن الإخبار بالمغيبات  

ومما ورد في القرآن من الأخبار الصادقة عن الغيوب، قوله: وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا إلى قوله: وقودها الناس والحجارة فقطع بهذا الخبر على غيبهم، وأخبر عن عاقبة أمرهم، وعما يكون من انقطاعهم عن معارضته والإتيان بمثله، فكان كما قال.

[ ص: 352 ] ومنه قوله -عز وجل-: الم غلبت الروم في أدنى الأرض إلى قوله: ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، وهذا القول في غاية ما يكون من تأكيد الوعد والتكفل بالوفاء به، ومن كان في محل الصدق وأمره مبني على تجنب الكذب، والخلف لم يأت بمثل هذا القول إلا عن ثقة وبصيرة.

والقصة في غلبة الروم لفارس على ما بشر الله به في هذه الآية معروفة، واستبشار المؤمنين وفرحهم بذلك معلوم، وسببه ظاهر غير مكتوم، وهو أن الروم كانوا أهل كتاب وملكهم قيصر، أكرم كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكانت فارس بخلاف هذه الصورة، وملكهم كسرى مزق كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فدعا عليه بتمزيق ملكه؛ فمزقه الله ولم تقم له قائمة. ومنه قوله -عز وجل-: قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله إلى قوله: والله عليم بالظالمين فقد قطع عليهم في هذا القول أنهم لا يتمنونه أبدا، فكان كذلك.

وفي امتناعهم من تمني الموت دليل على علمهم بصدقه، وإلا فأي شيء أسهل من أن يقول له: قد تمنينا الموت، ومما يجري هذا المجرى في الدلالة على مغيب الأمور قوله: فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم إلى آخر الآية. ولا يقول هذا القول إلا وهو واثق بهلاكهم إن باهلوه، وهذه الآية واردة في قوم من النصارى لما صمموا على المعاندة والتكذيب دعاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بأمر الله إلى المباهلة بتحقيق اللعنة وتعجيل [ ص: 353 ] الهلاك على الكاذبين، فوعدوه ذلك ومضوا وتشاوروا فقال قائلهم: والله لئن باهلتموه ليضطرمن الوادي عليكم، ومضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للوعد مع أهل بيته فأخلفوه الموعد.

التالي السابق


الخدمات العلمية