فصل
ذكر من قال بالرؤية ومن نفاها
فإن قيل: كيف يجوز أن يرى بالعين الفانية القديم الباقي؟ يقال له: لما جاز أن يسمع موسى بالأذن الفانية كلام القديم الباقي جاز أن يرى محمد -صلى الله عليه وسلم- بالعين الفانية القديم الباقي.
وقد استدل محمد بن إسحاق في رؤية محمد -صلى الله عليه وسلم- ربه -عز وجل- ، بابن عباس ، وأنس بن مالك ، وأبي ذر وكعب قال كعب : إن الله -عز وجل- قسم [ ص: 510 ] رؤيته وكلامه بين موسى ومحمد -صلى الله عليهما- فرآه محمد مرتين، وكلمه موسى مرتين.
قال محمد بن إسحاق : أكثر ما في هذا الباب أن عائشة وأبا ذر ، ، وابن عباس -رضي الله عنهم- قد اختلفوا وأنس بن مالك قالت هل رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه –عز وجل- : لم يره . عائشة
وقال ، أبو ذر وأنس: قد رآه، والنفي لا يوجب علما، والإثبات هو الذي يوجب العلم، ولم تقل وابن عباس -رضي الله عنها- أنها سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: " لم أر ربي، وإنما تأولت قوله: عائشة لا تدركه الأبصار ، وقوله: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب . وقوله: لا تدركه الأبصار يحتمل أن يكون معناه: نفي الإدراك.
وقال بعضهم: نحن لا نقول إنا نرى ربنا في الدنيا بالأبصار، لكنا نقول: إن محمدا -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه دون سائر الخلق، ولفظ الأبصار يقع على أبصار جماعة لا على بصر واحد.
وأما قوله: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا ، فلم يقل ، أبو ذر ، وابن عباس وأنس إن الله كلمه في ذلك الوقت الذي كان يرى ربه -عز وجل-، فمن قال: إن محمدا رأى ربه لم يخالف قوله: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا هذا قول بعض العلماء.
[ ص: 511 ]