الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
161 - وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آية [ ص: 201 ] فأثبتها في مصحفي، فلما كان الليل جئت حتى أقرأها فلم أقدر على قراءتها فعدت إلى المصحف فوجدت مكان الآية أبيض فأخبرت بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أما علمت أنها رفعت البارحة.

قال بعض العلماء: منه بدأ تنزيلا، وعوده إليه، ذهابه من صدور الرجال، ويذهب رسم المحفوظ والمكتوب .

والدليل على أن الذي في المصحف كلام الله قوله عز وجل: فأجره حتى يسمع كلام الله فالاستجارة إنما حصلت للمشركين بشرط استماع كلام الله فلو كان ما سمعوه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس بكلام الله لم تحصل الاستجارة لهم.

وقال تعالى: يريدون أن يبدلوا كلام الله ولا يخلو، إما أن يكون كلاما وصل إليهم أو كلاما لم يصل إليهم، ولا يجوز أن يكون كلاما لم يصل إليهم ؛ لأن ما لا يصل إليهم لا يتأتى تبديله، فثبت أنه وصل إليهم، وليس ذلك إلا الحروف والأصوات، ولأنه قال تعالى: على أن يأتوا بمثل هذا القرآن وهذا في موضوع اللغة إشارة إلى شيء حاضر، فلو كان كلام الله معنى قائما في نفسه لم يصح الإشارة إليه، ولم يجز أن يمتحنهم بالإتيان بمثله، لأن فيه تكليف ما لا يطاق، ولا يجوز ذلك، كما لا يجوز عليه أن يكلف [ ص: 202 ] الأعمى نقط المصاحف، والزمن القيام؛ فثبت أن يكون امتحنهم بما سمعوه من الحروف والأصوات، ولأن أهل اللغة سمت الحروف والأصوات كلاما، وما عداه ليس بكلام حقيقة.

وقال تعالى: وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا ، وإنما ينصت إلى الحروف والأصوات .

162 - وروي إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس،  فلو كانت القراءة غير المقروء لم يصح الصلاة بها. ولأن من حلف بالطلاق أن لا يتكلم فقرأ القرآن لم يحنث. ولو كانت القراءة كلام الآدمي لحنث، ولأن الكفارة تجب بالحنث إذا كان الحلف بغير مخلوق، ولو كان مخلوقا لم يجب الكفارة به.

وقال تعالى: إن هذا إلا قول البشر ، فقال ردا على من قال ذلك: سأصليه سقر ، ومعلوم أن قريشا أشارت بهذا القول إلى التلاوة التي سمعوها من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو كانت كلام البشر لم يتوعدهم بالنار.

[ ص: 203 ] 163 - وروي إن أفواهكم طرق للقرآن فطهروها بالسواك.

وإنما هي طرق لقراءة القرآن، فدل أن القراءة هي القرآن، ولأن المسلمين إذا سمعوا قراءة القارئ يقولون: هذا كلام الله فدل أنها هي القرآن، ولأن معنى القديم ثابت فيها من قيام المعجز، وثبوت الحرمة، ومنع الجنب من قراءتها. فدل أنها غير مخلوقة.

ومن مذهب أهل السنة أن الكتابة هي المكتوب، وأن ما في المصاحف وألواح الصبيان وغير ذلك من القرآن كلام الله تعالى.  

قال الله تعالى: وإنه لكتاب عزيز ، وقال إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون . وقال تعالى: والطور وكتاب مسطور في رق منشور . و"في" عند أهل اللغة للوعاء، فدل على أن القرآن في المصحف، وأن الكتابة هي المكتوب، ولأن الأمة مجمعة على تسمية ما في المصحف قرآنا.

164 - وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أعطوا أعينكم حظها من العبادة، قيل: يا [ ص: 204 ] رسول الله. وما حظها من العبادة؟ قال: النظر في المصحف ".

ولأنا إذا كتبنا القرآن فالمنظور إليه الحرف وهو قائم بمحل وهو الحبر، فإذا محي الحبر لم ينظر إلى الحرف لزوال المحل الذي قام به .

165 - وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " القلب الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب ".  

166 - وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: تعاهدوا القرآن فلهو أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم من عقلها ".  

167 - وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " لا يعذب الله قلبا وعى القرآن ".

التالي السابق


الخدمات العلمية