387 - وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عليكم بسنتي، ومن رغب عن سنتي فليس مني".
وعرفنا سنته بالآثار المروية بالأسانيد الصحيحة، وهذه الفرقة الذين هم أصحاب الحديث لها أطلب وفيها أرغب ولصحاحها أتبع. فعلمنا بالكتاب والسنة أنهم أهلها دون سائر الفرق لأن مدعي كل صناعة إذا لم يكن معه دلالة من صناعته يكون مبطلا في دعواه، وإنما يستدل على صناعته كل صاحب صنعة بآلته، فإذا رأيت الرجل فتح باب دكانه، وبين يديه الكير، والمطرقة، والسندان علمت أنه حداد، وإذا رأيت بين يديه الإبرة والمقراض علمته أنه خياط، وكذلك ما أشبه هذا، ومتى قال صاحب التمر لصاحب العطر: أنا عطار. قال له: كذبت أنا هو وشهد له بذلك كل من أبصره من العامة. وقد وجدنا أصحابنا دخلوا في طلب الآثار التي تدل على سنن النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذوها من معادنها وجمعوها من مظانها وحفظوها، ودعوا إلى اتباعها وعابوا من خالفها، وكثرت عندهم وفي أيديهم حتى اشتهروا بها كما اشتهر البزاز ببزه، والتمار بتمره، والعطار بعطره، ورأينا قوما تنكبوا [ ص: 386 ] معرفتها واتباعها وطعنوا فيها وزهدوا الناس في جمعها ونشرها، وضربوا لها ولأهلها أسوأ الأمثال، فعلمنا بهذه الدلائل أن هؤلاء الراغبين فيها وفي جمعها وحفظها واتباعها أولى بها من سائر الفرق الذين تنكبوها، لأن أتباعها عند العلماء هو الأخذ بسنن النبي - صلى الله عليه وسلم - التي صحت عنه التي أمر بالأخذ بما أمر، والانتهاء عما نهى، وهذه دلالة ظاهرة لأهل السنة باستحقاقهم هذا الاسم دون ما اتبع الرأي والهوى .
فإن قيل: الأمر كما قلت. غير أن كل فرقة تحتج لمذهبه بحجة، قيل: من احتج بحديث ضعيف في معارضة حديث صحيح، أو حديث مرسل في معارضة حديث مسند، أو احتج بقول تابعي في معارضة قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يتساويان. فإن من اتبع قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد استمسك بما هو الحجة قطعا، ومن احتج بالثابت القوي أحسن حالا ممن احتج بالواهي الضعيف، وبهذا استبان الاتباع من غيره، لأن صاحب السنة لا يتبع إلا ما هو الأقوى وأصحاب الأهواء وصاحب الهوى يتبع ما يهوى.