[ ص: 572 ]
[ باب أركان الحج والعمرة ]
مسألة : ( أركان الحج : الوقوف بعرفة ، وطواف الزيارة ) .
وجملة ذلك أن
nindex.php?page=treesubj&link=28230أركان الحج هي أبعاضه وأجزاؤه التي لا يتم إلا بها ، فمن أخل ببعضها لم يصح حجه ، سواء تركها لعذر أو غير عذر ، بل لا بد من فعلها ، بخلاف أركان الصلاة ، فإنها تجب مع القدرة وتسقط مع العجز ، وسبب الفرق : أنه متى عجز عن أركان الحج أمكنه الاستنابة فيما عجز عنه في حياته أو بعد موته ، بخلاف الصلاة المكتوبة فإنه لا نيابة فيها .
وفي هذه الجملة فصول :
أحدها : أن
nindex.php?page=treesubj&link=33031الوقوف بعرفة لا يتم الحج إلا به ، والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع ، أما الكتاب : فقوله سبحانه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ) وكلمة " إذا " لا تستعمل إلا في الأفعال التي لا بد من وجودها كقولهم : إذا احمر البسر فأتني ، ولا يقال : إن احمر البسر ؛ وذلك لأنها في الأصل ظرف لما يستقبل من الأفعال ، وتتضمن الشرط في الغالب ، فإذا جوزئ بها كان معناه إيقاع الجزاء في الزمن الذي أضيف إليه الفعل ، فلا بد من أن يكون الفعل موجودا في ذلك الزمان ، وإلا خرجت عن أن تكون ظرفا .
ومعلوم أن الإفاضة من عرفات من أفعال العباد ، فالإخبار عن وجودها يكون أمرا حتما بإيجادها نحو أن يترك بعض الناس وكلهم الإفاضة ، وصار هذا بمنزلة : إذا صليت الظهر فافعل كذا .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=199ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) الآية ، قالت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015781كانت [ ص: 573 ] قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة ، وكانوا يسمون الحمس ، وكان سائر العرب يقفون بعرفة ، فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه أن يأتي عرفات فيقف بها ، ثم يفيض منها ، فذلك قوله : " ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=199ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) " وفي لفظ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015782قالت : الحمس هم الذين أنزل الله فيهم : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=199ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) قالت : كان الناس يفيضون من عرفات ، وكان الحمس يفيضون من المزدلفة ، يقولون : لا نفيض إلا من الحرم ، فلما نزلت : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=199أفيضوا من حيث أفاض الناس ) رجعوا إلى عرفات " متفق عليه .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=67جبير بن مطعم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015783أضللت بعيرا لي ، فذهبت أطلبه يوم عرفة ، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقفا مع الناس بعرفة ، فقلت : والله إن هذا لمن الحمس ، فما شأنه هاهنا ، وكانت قريش تعد من الحمس " متفق عليه .
وعن
جابر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015784 " كانت العرب يدفع بهم أبو سيارة على حمار عري ، فلما أجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المزدلفة بالمشعر الحرام لم تشك قريش أنه سيقتصر عليه ، ويكون منزله ثم ، فأجاز ولم يعرض حتى أتى عرفات فنزل " رواه
مسلم .
فإن قيل : كيف قيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=199ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) والإفاضة من
[ ص: 574 ] عرفات بعد قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ) .
قيل : قد قيل : إنه لترتيب الأخبار ، ومعناه أن
nindex.php?page=treesubj&link=3632_19763الله يأمركم إذا أفضتم من عرفات أن تذكروه عند المشعر الحرام ، ثم يأمركم أن تفيضوا من حيث أفاض الناس ، وترتيب الأمر لا يقتضي ترتيب الفعل المأمور به ، وإنما أمر بهذا بعد هذا لأن الأول أمر لجميع الحجيج ، والثاني : أمر للحمس خاصة ، ويقال : إنه معطوف على قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال ) إلى قوله : فاتقوا . . . (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=199ثم أفيضوا ) ويكون معناه : فمن فرض الحج فلا يرفث ولا يفسق ، ثم بعد فرض الحج يفيض من حيث أفاض الناس ، ويكون الكلام في بيان المحظورات والمفروضات .
فإن قيل : لم ذكر لفظ الإفاضة دون الوقوف ؟
قيل : لأنه لو قال : ثم قفوا حيث وقف الناس لظن أن الوقوف
بعرفة يجزئ في كل وقت بحيث يجوز تقديمه ، وأما الإفاضة فإنها الدفع بعد تمام الوقوف ، وقد علموا أن وقت الدفع هو آخر يوم عرفة ، فإذا أمروا بالإفاضة منها علم أنه يجب أن يقفوا بها إلى وقت الإفاضة ، وأنها غاية السير الذي ينتهي إليه الحاج ، فلا تتجاوز ولا يقصر عنها ; لأن المقصر والمجاوز لا يفيضان منها .
[ ص: 575 ] وأما السنة فما روى
سفيان nindex.php?page=showalam&ids=16102وشعبة عن
بكير بن عطاء الليثي ، عن
عبد الرحمن بن يعمر الديلي : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015785أن ناسا من أهل نجد أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو واقف بعرفة ، فسألوه ، فأمر مناديا فنادى : الحج عرفة ، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج ، أيام منى ثلاثة ، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه ، وأردف رجلا خلفه ينادي بهن " رواه الخمسة ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة : هذا أجود حديث رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري .
وفي رواية
لسعيد :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015786 " من جاء ليلة جمع قبل صلاة الصبح فقد تم حجه " .
وفي رواية له :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015787 " فمن أدرك ليلة جمع قبل صلاة الصبح فقد تم حجه " .
وعن
عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائي قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015788 " أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة ، فقلت : يا رسول الله ، إني جئت [ ص: 576 ] من جبل طيئ أكللت راحلتي وأتعبت نفسي ، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه ، فهل لي من حج ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع ، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه ، وقضى تفثه " رواه الخمسة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : حديث حسن صحيح ، وفي رواية
لأحمد صحيحة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015789 " من شهد صلاتنا هذه ووقف بعرفات " ، وفي رواية صحيحة
لسعيد :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015790 " من وقف معنا هذا الموقف وشهد معنا هذه الصلاة - يعني : صلاة الفجر - أفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهارا - فقد تم حجه ، وقضى تفثه " .
وفي رواية له :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015791 " أفرح روعك ، من أدرك إفاضتنا هذه فقد أدرك الحج " .
وأما الإجماع . . .
[ ص: 572 ]
[ بَابُ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ]
مَسْأَلَةٌ : ( أَرْكَانُ الْحَجِّ : الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ ، وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ ) .
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28230أَرْكَانَ الْحَجِّ هِيَ أَبْعَاضُهُ وَأَجْزَاؤُهُ الَّتِي لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهَا ، فَمَنْ أَخَلَّ بِبَعْضِهَا لَمْ يَصِحَّ حَجُّهُ ، سَوَاءٌ تَرَكَهَا لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِ عُذْرٍ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهَا ، بِخِلَافِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ ، فَإِنَّهَا تَجِبُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَتَسْقُطُ مَعَ الْعَجْزِ ، وَسَبَبُ الْفَرْقِ : أَنَّهُ مَتَى عَجَزَ عَنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ أَمْكَنَهُ الِاسْتِنَابَةُ فِيمَا عَجَزَ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَإِنَّهُ لَا نِيَابَةَ فِيهَا .
وَفِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ فُصُولٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33031الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ لَا يَتِمُّ الْحَجُّ إِلَّا بِهِ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ ، أَمَّا الْكِتَابُ : فَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ) وَكَلِمَةُ " إِذَا " لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الْأَفْعَالِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا كَقَوْلِهِمْ : إِذَا احْمَرَّ الْبُسْرُ فَأْتِنِي ، وَلَا يُقَالُ : إِنِ احْمَرَّ الْبُسْرُ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ ظَرْفٌ لِمَا يَسْتَقْبِلْ مِنَ الْأَفْعَالِ ، وَتَتَضَمَّنُ الشَّرْطَ فِي الْغَالِبِ ، فَإِذَا جُوزِئَ بِهَا كَانَ مَعْنَاهُ إِيقَاعَ الْجَزَاءِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ الْفِعْلُ ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مَوْجُودًا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ ، وَإِلَّا خَرَجَتْ عَنْ أَنْ تَكُونَ ظَرْفًا .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِفَاضَةَ مِنْ عَرَفَاتٍ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ ، فَالْإِخْبَارُ عَنْ وُجُودِهَا يَكُونُ أَمْرًا حَتْمًا بِإِيجَادِهَا نَحْوَ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضُ النَّاسِ وَكُلُّهُمُ الْإِفَاضَةَ ، وَصَارَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ : إِذَا صَلَّيْتَ الظُّهْرَ فَافْعَلْ كَذَا .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=199ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ) الْآيَةَ ، قَالَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015781كَانَتْ [ ص: 573 ] قُرَيْشٌ وَمَنْ دَانَ دِينَهَا يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ ، وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ الْحُمْسَ ، وَكَانَ سَائِرُ الْعَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ فَيَقِفَ بِهَا ، ثُمَّ يُفِيضُ مِنْهَا ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : " ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=199ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ) " وَفِي لَفْظٍ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015782قَالَتْ : الْحُمْسُ هُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=199ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ) قَالَتْ : كَانَ النَّاسُ يُفِيضُونَ مِنْ عَرَفَاتٍ ، وَكَانَ الْحُمْسُ يُفِيضُونَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ ، يَقُولُونَ : لَا نُفِيضُ إِلَّا مِنَ الْحَرَمِ ، فَلَمَّا نَزَلَتْ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=199أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ) رَجَعُوا إِلَى عَرَفَاتٍ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=67جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015783أَضْلَلْتُ بَعِيرًا لِي ، فَذَهَبْتُ أَطْلُبُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقِفًا مَعَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ ، فَقُلْتُ : وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَمِنَ الْحُمْسِ ، فَمَا شَأْنُهُ هَاهُنَا ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُعَدُّ مِنَ الْحُمْسِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ
جَابِرٍ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015784 " كَانَتِ الْعَرَبُ يَدْفَعُ بِهِمْ أَبُو سَيَّارَةَ عَلَى حِمَارٍ عُرْيٍ ، فَلَمَّا أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ لَمْ تَشُكَّ قُرَيْشٌ أَنَّهُ سَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ ، وَيَكُونُ مَنْزِلُهُ ثَمَّ ، فَأَجَازَ وَلَمْ يَعْرِضْ حَتَّى أَتَى عَرَفَاتٍ فَنَزَلَ " رَوَاهُ
مُسْلِمٌ .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ قِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=199ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ) وَالْإِفَاضَةُ مِنْ
[ ص: 574 ] عَرَفَاتٍ بَعْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ) .
قِيلَ : قَدْ قِيلَ : إِنَّهُ لِتَرْتِيبِ الْأَخْبَارِ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3632_19763اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ إِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ أَنْ تَذْكُرُوهُ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ، ثُمَّ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ، وَتَرْتِيبُ الْأَمْرِ لَا يَقْتَضِي تَرْتِيبَ الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِهَذَا بَعْدَ هَذَا لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَمْرٌ لِجَمِيعِ الْحَجِيجِ ، وَالثَّانِي : أَمْرٌ لِلْحُمْسِ خَاصَّةً ، وَيُقَالُ : إِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ ) إِلَى قَوْلِهِ : فَاتَّقُوا . . . (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=199ثُمَّ أَفِيضُوا ) وَيَكُونُ مَعْنَاهُ : فَمَنْ فَرَضَ الْحَجَّ فَلَا يَرْفُثُ وَلَا يَفْسُقُ ، ثُمَّ بَعْدَ فَرْضِ الْحَجِّ يُفِيضُ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ، وَيَكُونُ الْكَلَامُ فِي بَيَانِ الْمَحْظُورَاتِ وَالْمَفْرُوضَاتِ .
فَإِنْ قِيلَ : لِمَ ذَكَرَ لَفْظَ الْإِفَاضَةِ دُونَ الْوُقُوفِ ؟
قِيلَ : لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ : ثُمَّ قِفُوا حَيْثُ وَقَفَ النَّاسُ لَظُنَّ أَنَّ الْوُقُوفَ
بِعَرَفَةَ يُجْزِئُ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِحَيْثُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ ، وَأَمَّا الْإِفَاضَةُ فَإِنَّهَا الدَّفْعُ بَعْدَ تَمَامِ الْوُقُوفِ ، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ وَقْتَ الدَّفْعِ هُوَ آخَرُ يَوْمِ عَرَفَةَ ، فَإِذَا أُمِرُوا بِالْإِفَاضَةِ مِنْهَا عُلِمَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَقِفُوا بِهَا إِلَى وَقْتِ الْإِفَاضَةِ ، وَأَنَّهَا غَايَةُ السَّيْرِ الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ الْحَاجُّ ، فَلَا تُتَجَاوَزُ وَلَا يُقَصَّرُ عَنْهَا ; لِأَنَّ الْمُقَصِّرَ وَالْمُجَاوِزَ لَا يُفِيضَانِ مِنْهَا .
[ ص: 575 ] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رَوَى
سُفْيَانُ nindex.php?page=showalam&ids=16102وَشُعْبَةُ عَنْ
بُكَيْرِ بْنِ عَطَاءٍ اللَّيْثِيِّ ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ الدِّيلِيِّ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015785أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ ، فَسَأَلُوهُ ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى : الْحَجُّ عَرَفَةُ ، مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ ، أَيَّامَ مِنًى ثَلَاثَةً ، فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ، وَأَرْدَفَ رَجُلًا خَلْفَهُ يُنَادِي بِهِنَّ " رَوَاهُ الْخَمْسَةُ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابْنُ عُيَيْنَةَ : هَذَا أَجْوَدُ حَدِيثٍ رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثَّوْرِيُّ .
وَفِي رِوَايَةٍ
لِسَعِيدٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015786 " مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ " .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015787 " فَمَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ " .
وَعَنْ
عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسِ بْنِ أَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَامٍ الطَّائِيِّ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015788 " أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُزْدَلِفَةِ حِينَ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي جِئْتُ [ ص: 576 ] مِنْ جَبَلِ طَيِّئٍ أَكْلَلْتُ رَاحِلَتِي وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي ، وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ جَبَلٍ إِلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ ، فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ ، وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ ، وَقَضَى تَفَثَهُ " رَوَاهُ الْخَمْسَةُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَفِي رِوَايَةٍ
لِأَحْمَدَ صَحِيحَةٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015789 " مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ وَوَقَفَ بِعَرَفَاتٍ " ، وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ
لِسَعِيدٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015790 " مَنْ وَقَفَ مَعَنَا هَذَا الْمَوْقِفَ وَشَهِدَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ - يَعْنِي : صَلَاةَ الْفَجْرِ - أَفَاضَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَرَفَاتٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا - فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ ، وَقَضَى تَفَثَهُ " .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015791 " أَفْرِحْ رَوْعَكَ ، مَنْ أَدْرَكَ إِفَاضَتَنَا هَذِهِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ " .
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ . . .