قال ( ووقف المشاع جائز عند أبي يوسف ) [ ص: 211 ] لأن القسمة من تمام القبض والقبض عنده ليس بشرط فكذا تتمته . وقال محمد : لا يجوز لأن أصل القبض عنده شرط فكذا ما يتم به ، وهذا فيما يحتمل القسمة ، وأما فيما لا يحتمل القسمة فيجوز مع الشيوع عند محمد أيضا لأنه يعتبر بالهبة والصدقة المنفذة إلا في المسجد والمقبرة ، فإنه لا يتم مع الشيوع فيما لا يحتمل القسمة أيضا عند أبي يوسف ، لأن بقاء الشركة يمنع الخلوص لله تعالى ، ولأن المهايأة فيهما في غاية القبح بأن يقبر فيه الموتى سنة ، ويزرع سنة ويصلى فيه في وقت ويتخذ إصطبلا في وقت ، بخلاف الوقف لإمكان الاستغلال وقسمة الغلة .
[ ص: 212 ] ولو وقفه الكل ثم استحق جزء منه بطل في الباقي عند محمد لأن الشيوع مقارن كما في الهبة ، بخلاف ما إذا رجع الواهب في البعض أو رجع الوارث في الثلثين بعد موت المريض وقد وهبه أو أوقفه في مرضه وفي المال ضيق ، لأن الشيوع في ذلك طارئ .
ولو استحق جزء مميز بعينه لم يبطل في الباقي لعدم الشيوع ولهذا جاز في الابتداء ، وعلى هذا الهبة والصدقة المملوكة . [ ص: 213 ] قال : ولا يتم الوقف عند أبي حنيفة ومحمد حتى يجعل آخره بجهة لا تنقطع أبدا . وقال أبو يوسف : إذا سمى فيه جهة تنقطع جاز وصار بعدها للفقراء وإن لم يسمهم . لهما أن موجب الوقف زوال الملك بدون التمليك وأنه يتأبد كالعتق ، فإذا كانت الجهة يتوهم انقطاعها لا يتوفر عليه مقتضاه ، فلهذا كان التوقيت مبطلا له كالتوقيت في البيع . ولأبي يوسف أن المقصود هو التقرب إلى الله تعالى وهو موفر عليه ، لأن التقرب تارة يكون في الصرف [ ص: 214 ] إلى جهة تنقطع ومرة بالصرف إلى جهة تتأبد فيصح في الوجهين وقيل إن التأبيد شرط بالإجماع ، إلا أن عند أبي يوسف لا يشترط ذكر التأبيد لأن لفظة الوقف والصدقة منبئة عنه لما بينا أنه إزالة الملك بدون التمليك كالعتق ، ولهذا قال في الكتاب في بيان قوله وصار بعدها للفقراء وإن لم يسمهم ، وهذا هو الصحيح ، وعند محمد ذكر التأبيد شرط لأن هذا صدقة بالمنفعة أو بالغلة ، وذلك قد يكون مؤقتا وقد يكون مؤبدا فمطلقه لا ينصرف إلى التأبيد فلا بد من التنصيص .


