الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 406 ] قال ( وبيع أم الولد والمدبر والمكاتب فاسد ) ومعناه باطل لأن استحقاق العتق قد ثبت لأم الولد لقوله عليه الصلاة والسلام { أعتقها ولدها } وسبب الحرية انعقد في المدبر في الحال لبطلان الأهلية بعد الموت ، [ ص: 407 ] والمكاتب استحق يدا على نفسه لازمة في حق المولى ، ولو ثبت الملك بالبيع لبطل ذلك كله فلا يجوز ، ولو رضي المكاتب بالبيع ففيه روايتان ، والأظهر الجواز ، والمراد المدبر المطلق دون المقيد ، وفي المطلق خلاف الشافعي رحمه الله ، وقد ذكرناه في العتاق .

التالي السابق


( قوله وبيع أم الولد والمدبر والمكاتب فاسد ) هذا لفظ القدوري . قال المصنف ( ومعناه باطل ; لأن استحقاق الحرية بالعتق ثابت لكل منهم ) بجهة لازمة على المولى بقوله صلى الله عليه وسلم في أم الولد { أعتقها ولدها } وأقل ما يقتضيه هذا اللفظ ثبوت استحقاقها العتق على وجه اللزوم وبتصحيح التدبير شرعا ، وتصحيحه يوجب انعقاد التدبير سببا للعتق في الحال لانتفاء أهلية الإعتاق عن السيد بعد موته والإجماع على عتقه بعده بذلك اللفظ فكان ذلك اللفظ سببا في الحال [ ص: 407 ] والمكاتب استحق يدا على نفسه لازمة في حق المولى ) حتى لا يملك فسخ الكتابة ( فلو ثبت الملك ) للمشتري ( بالبيع بطل ذلك كله فلا يجوز ) البيع وما لا يفيد الملك من البيع فهو باطل ، وذكر في الأصل حديث سعيد بن المسيب قال { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعتق أمهات الأولاد من غير الثلث وقال : لا يبعن في دين } وحديث { أعتقها ولدها } تقدم في باب الاستيلاد ، وإذا كان أقل ما يوجبه هذا اللفظ ثبوت استحقاق الحرية على وجه لازم فالمجاز مراد منه بالإجماع ( ولو رضي المكاتب ففيه روايتان ، والأظهر جواز بيعه ) وتنفسخ الكتابة في ضمنه ; لأن اللزوم كان لحقه وقد رضي بإسقاطه ( والمراد ) بالمدبر ( المدبر المطلق ) وتقدم خلاف الشافعي رحمه الله في جواز بيعه في كتاب العتاق ، أما المقيد فجواز بيعه اتفاق . واستشكل حكم المصنف بأن بيع المدبر وأخويه باطل فإنه يوجب كونهم كالحر ، ولو كانوا كالحر لبطل بيع القن إذا جمع مع مدبر أو أم ولد أو مكاتب كما إذا ضم إلى حر وهو منتف ، بل يصح بيع القن ويلزم مشتريهما حصته من الثمن المسمى . وأجيب بأن المراد من قوله باطل أنهم لا يملكون بالقبض كما لا يملك الحر فكانوا مثله . فلو قال فاسد ظن أنهم يملكون . وأما تملك القن المضموم إليهم فلدخولهم في البيع لصلاحيتهم لذلك بدليل جواز بيع المدبر من نفسه ، ولذا لو قضى قاض بجواز بيعه نفذ ، وكذا أم الولد عند أبي حنيفة وأبي يوسف في أصح الروايتين . وهذا الجواب ربما يوهم أنه بيع فاسد ، ولكنه خص حكم الفاسد بعدم الملك بالقبض . والحق أن لا حاجة إلى الحكم بتخصيص فهو باطل وحكمه [ ص: 408 ] حكمه ، وجاز أن يختلف إفراد نوع شرعي في الحكم الشرعي لخصوصية . فإن قيل : التخصيص لازم على كل حال ، فإنه إن كان فاسدا فلا يملك بالقبض فهو تخصيص ، وإن كان باطلا فهو يدخل في البيع حتى ملك القن المضموم إليه . وهذا تخصيص للباطل فليكن فاسدا مخصوصا من حكم الفاسد فلا حاجة إلى تأويله بالباطل . قلنا نحن لم نعط حكم الباطل أنه لا يدخل في العقد بوجه ليلزم تخصيصه ويتحد اللازم على تقدير تأويل الفاسد بالباطل وعدمه ، إنما قلنا حكمه أن لا يملك بالقبض . غاية الأمر أنه اتفق أن بعض ما هو مبيع باطل يدخل في العقد كالمدبر وبعضه لا يدخل كالحر ، وأصل السؤال فاسد ; لأنه مغالطة ; لأن قوله في الكبرى لو كان كالحر لم يملك القن المضموم إليه ممنوع ، وإنما يلزم لو كان مثله من كل الوجوه وهو منتف . فصار حاصل الصورة : لو كان باطلا كان كالحر في بعض الوجوه ، ولو كان مثله في بعض الوجوه لم يملك القن المضموم وحينئذ فعدم الاستلزام ظاهر




الخدمات العلمية