( وواجب ما شرب بالمطر ) أو ماء انصب إليه من نهر أو عين أو ساقية حفرت من النهر وإن احتاجت لمؤنة ( أو عروقه لقربه من الماء ) وهو البعل ( من ثمر وزرع العشر و ) واجب ( ما سقي ) منهما ( بنضح ) من نحو نهر بحيوان ، ويسمى الذكر ناضحا والأنثى ناضحة ، ويسمى هذا الحيوان أيضا سانية بسين مهملة ونون ومثناة من تحت ( أو دولاب ) بضم أوله وفتحه ، وهو ما يديره الحيوان ، أو دالية وهي المنجنون وهو ما يديره الحيوان ، وقيل البكرة أو ناعورة [ ص: 76 ] أو ما يديره الماء بنفسه ( أو بما اشتراه ) أو وهب له لعظم المنة فيه أو غصبه لوجوب ضمانه ( نصفه ) أي العشر وذلك لخبر البخاري { فيما سقت السماء والعيون ، أو كان عثريا العشر ، وفيما سقي بالنضح نصف العشر } فشمل ما لو قصد عند ابتداء الزرع السقي بأحد الماءين ، ثم حصل السقي بالآخر وهو الأصح ، ولخبر مسلم { فيما سقت الأنهار والغيم العشر ، وفيما سقي بالسانية نصف العشر } وفي رواية لأبي داود { في البعل العشر } والمعنى في ذلك كثرة المؤنة وخفتها كما في السائمة والمعلوفة بالنظر للوجوب وعدمه ، ولا فرق في وجوب العشر أو نصفه بين الأرض المستأجرة وذات الخراج وغيرهما لعموم الإخبار وخبر { لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم } ضعيف ، وتكون الأرض خراجية إذا فتحها الإمام عنوة ، ثم تعوضها من الغانمين ووقفها علينا ، وضرب عليها خراجا أو فتحها صلحا على أن تكون لنا ويسكنها الكفار بخراج معلوم فهو أجرة لا يسقط بإسلامهم ، فإن سكنوها به ولم تشترط هي لنا كان جزية تسقط بإسلامهم ، والأراضي التي يؤخذ منها ولا يعرف أصله يحكم بجواز أخذه ; لأن الظاهر أنه بحق ، ويحكم بملك أهلها لها فلهم التصرف فيها لأن الظاهر في اليد الملك ، ولا يجب في المعشرات زكاة لغير السنة الأولى بخلاف غيرها مما مر ; لأنها إنما تتكرر في الأموال النامية وهذه منقطعة النماء معرضة للفساد .
قال الإسنوي : والأصوب قراءة ما في قوله بما اشتراه مقصورة على أنها موصولة لا ممدودة اسما للماء المعروف ، فإنها على التقدير الأول تعم الثلج والبرد والماء النجس بخلاف الممدود ا هـ .
ويجاب بأن البرد والثلج قبل ذوبهما كما لا يسميان ماء لا يمكن السقي بهما ، والماء النجس لا يصح بيعه فلم يشمله كلامه ( والقنوات ) وكذا السواقي المحفورة في نحو نهر ( كالمطر على الصحيح ) ففي المسقى بماء يجري فيها منه العشر ، ولا عبرة بمؤنة تصرف عليها [ ص: 77 ] لأنها لعمارة الضيعة لا لنفس الزرع ، فإذا تهيأت وصل الماء بنفسه ، بخلاف النضح ونحوه فإن المؤنة للزرع نفسه .
والثاني يجب فيها نصف العشر لكثرة المؤنة فيها والأول يمنع ذلك ( و ) واجب ( ما سقي بهما ) أي بالنوعين كمطر ونضح ( سواء ) أو جهل حاله كما يأتي ( ثلاثة أرباعه ) أي العشر رعاية للجانبين ( فإن غلب أحدهما ففي قول يعتبر هو ) فإن غلب المطر فالعشر أو النضح فنصفه ترجيحا لجانب الغلبة ( والأظهر يقسط ) لأنه القياس ، فإن كان ثلثاه بماء السماء وثلثه بالدولاب وجب خمسة أسداس العشر ثلث العشر للثلثين وثلث نصف العشر للثلث وفي عكسه ثلثا العشر ، وإنما يقسط الواجب ( باعتبار عيش الزرع ) أو الثمر ( ونمائه ) لا بأكثرهما ولا بعدد السقيات ، فلو كانت المدة من وقت الزرع إلى وقت الإدراك ثمانية أشهر واحتاج في أربعة منها إلى سقية فسقي بالمطر وفي الأربعة الأخرى إلى سقيتين فسقي بالنضح وجب ثلاثة أرباع العشر ، وكذا لو جهلنا المقدارين من نفع كل منهما باعتبار المدة أخذ بالاستواء أو احتاج في ستة منها إلى سقيتين فسقي بماء السماء ، وفي شهرين إلى ثلاث سقيات فسقي بالنضح وجب ثلاثة أرباع العشر وربع نصف العشر .
ولو اختلف المالك والساعي في أنه سقى بماذا صدق المالك إذ الأصل عدم وجوب الزيادة عليه فإن اتهمه الساعي حلفه ندبا ، ولو كان له زرع أو ثمر مسقى بمطر وآخر مسقى بنضح ولم يبلغ واحد منهما نصابا ضم أحدهما إلى الآخر لتمام النصاب ، وإن اختلف قدر الواجب وهو العشر في الأول ونصفه في الثاني ، ولو علمنا أن أحدهما أكثر وجهلنا عينه فالواجب ينقص عن العشر ، ويزيد على نصف العشر فيؤخذ اليقين إلى أن يعلم الحال ، قاله الماوردي وهو ظاهر ( وقيل بعدد السقيات ) المفيدة دون ما لا يفيد ; لأن المؤنة تكثر بكثرة السقيات ( وتجب ) الزكاة فيما ذكر ( ببدو صلاح الثمر ) ; لأنه حينئذ ثمرة كاملة وقبله بلح [ ص: 78 ] وحصرم ، ( و ) ببدو ( اشتداد الحب ) لأنه حينئذ طعام وهو قبل ذلك بقل ، ولا يشترط إتمام الصلاح والاشتداد ولا بدو صلاح الجميع واشتداده بل يكفي في البعض كما يعلم بيان بدو صلاح الثمر من باب الأصول والثمار ، وليس المراد بوجوب الزكاة بما ذكر وجوب إخراجها في الحال بل انعقاد سبب وجوبه ، ولو أخرج في الحال الرطب والعنب مما يتتمر ويتزبب غير رديء لم يجزه ، ولو أخذه الساعي لم يقع الموقع ، وإن جففه ولم ينقص لفساد القبض كما جزم به ابن المقري واختاره في الروضة ، وهو المعتمد وإن نقل عن العراقيين خلافه ، ويرده حتما إن كان باقيا ، ومثله إن كان تالفا كما في الروضة في باب الغصب .
وصحح في المجموع واقتضاه كلام الروضة في موضعين ضمانه بالقيمة ، قاله الإسنوي وهو الأصح المفتى به ونص عليه الشافعي والأكثرون ، وجزم به ابن المقري هنا ، والقائل بالأول حمل النص على فقد المثل ، وانتصر الناشري للثاني نقلا عن والده بأنه إنما وجبت القيمة هنا لئلا يفوت على المستحقين ما يستحقونه من بقاء الثمرة على رءوس الشجر إلى وقت الجذاذ ، وفي الغصب إنما غصب ما على الأرض وأتلفه ، فلو أتلفه على رءوس الشجر تعين ضمانه بالقيمة ، واستشهد لكلام والده بما لو أتلف رجل على آخر زرعا أول خروجه من الأرض في الحال الذي لا قيمة له .
قال إسماعيل الحضرمي فيه : لعل الجواب إن كان في أرض مغصوبة فلا شيء عليه ، أو في مملوكة أو مستأجرة وجبت قيمته عند من يبقيه ، كما ذكروا ذلك في إتلاف أحد خفين يساويان عشرة غصبهما فعادت قيمة الباقي درهمين فيضمن ثمانية على المذهب [ ص: 79 ] ومحل ما تقرر في غير الأرز والعلس أما هما فيؤخذ واجبهما في قشرهما كما مر ، ومؤنة الجفاف والتصفية والجذاذ والدياس والحمل وغيرها مما يحتاج إلى مؤنة على المالك لا من مال الزكاة ، ولو اشترى نخيلا وثمرتها بشرط الخيار فبدا الصلاح في مدته فالزكاة على من له الملك فيها ، وهو البائع إن كان الخيار له والمشتري إن كان له ثم إن لم يبق الملك له ، وأخذ الساعي الزكاة من الثمرة رجع عليه من انتقلت إليه ، وإن كان الخيار لهما وقفت الزكاة فمن ثبت الملك له وجبت عليه ، وإن اشترى النخيل بثمرتها أو ثمرتها فقط مكاتب أو كافر فبدا الصلاح لم تجب زكاتها على أحد أما المشتري فلعدم أهليته لوجوبها ، وأما البائع فلانتفاء كونها في ملكه حال الوجوب ، أو اشتراها مسلم فبدا الصلاح في ملكه ، ثم وجد بها عيبا لم يردها على البائع قهرا لتعلق الزكاة بها فهو كعيب حدث بيده ، فلو أخرج الزكاة من الثمرة لم يرد وله الأرش ، أو من غيرها فله الرد ، أما لو ردها عليه برضاه كان جائزا لإسقاط البائع حقه .
وإن اشترى الثمرة وحدها بشرط القطع فبدا الصلاح حرم القطع لتعلق حق المستحقين بها ، فإن لم يرض البائع بالإبقاء فله الفسخ لتضرره بمص الثمرة ورطوبة الشجرة ، ولو رضي به وأبى المشتري إلا القطع امتنع على المشتري الفسخ ; لأن البائع قد رضي بإسقاط حقه وللبائع الرجوع في الرضا بالإبقاء ; لأن رضاه إعارة ، وإذا فسخ البيع لم تسقط الزكاة عن المشتري ; لأن بدو الصلاح كان في ملكه فإذا أخذها الساعي من الثمرة رجع البائع على المشتري ، ولو بدا الصلاح قبل القبض كان عيبا حادثا بيد البائع ، فينبغي كما قاله الزركشي ثبوت الخيار للمشتري ، وما قاله من أن محل ذلك إذا كان البدو بعد اللزوم وإلا فهي ثمرة استحق بقاؤها في زمن الخيار فصار كالمشروط في زمنه فينبغي أن ينفسخ العقد إن قلنا الشرط في زمن الخيار يلحق العقد مردود ، والأرجح عدم انفساخ العقد بما ذكر ، والفرق بينهما أن [ ص: 80 ] الشرط في المقيس عليه لما أوجده العاقدان في حريم العقد صار بمثابة الموجود في العقد ، بخلاف المقيس إذ يغتفر في الشرعي ما لا يغتفر في الشرطي بدليل صحة بيع العين المؤجرة مع استثناء منافعها شرعا وبطلان بيع العين مع استثناء منافعها شرطا


