الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            وإذا صح في ملكه فقط ( فيتخير المشتري ) فورا كما في المطلب لكونه خيار نقص ( إن جهل ) ذلك لضرره بتفريق الصفقة عليه مع كونه معذورا لجهله فهو كعيب ظهر فلو كان عالما فلا خيار له لتقصيره ( فإن أجاز ) العقد أو كان عالما بالحرام عنده ( فبحصته ) أي المملوك ( من المسمى باعتبار قيمتهما ) لإيقاعهما الثمن في مقابلتهما جميعا فلم يجب في أحدهما إلا بقسطه ، فلو كان قيمتهما ثلثمائة والمسمى مائة وخمسين وقيمة المملوك مائة فحصته من المسمى خمسون ومحل التقسيط إذا كان الحرام مقصودا وإلا كالدم فيظهر كما أفاده الشيخ تبعا للإسنوي أن الصحة بكل الثمن كما يقتضيه كلامهم في النكاح والخلع ، وهو مأخوذ من قولهم يوزع الثمن عليهما باعتبار قيمتهما ويقدر الحر قنا والميتة مذكاة والخمر خلا لا عصيرا والخنزير عنزا بقدره كبرا وصغرا لا بقرة لكن قالا في الصداق : إنه يقدر [ ص: 482 ] الخمر بالعصير ، ثم قالا : وينبغي أن يجيء فيه وجه أنه يقدر خلا ، هذا حاصل ما في المهمات من الاختلاف ، وقد تمحل بعضهم لمنع التناقض وأجرى ما في كل باب على ما فيه بما حاصله إنما لم يرجع هنا للتقويم عند من يرى له قيمة ; لأن الكافر غير مقبول خبره : أي والبيع من شأنه أن يكون بين مسلمين يجهلون قيمة الخمر عند أهلها من الكفار ، ورجع إليه في الوصية لصحتها بالنجس فلم يحتج إليها لبيان القسمة على عدد الرءوس فهي تابعة ، وفي الصداق لعلمهما بها إذ هما كافران ( وفي قول بجميعه ) ; لأن العقد لم يقع إلا على ما لا يحل بيعه فكان الآخر كالمعدوم ( ولا خيار للبائع ) ولو جاهلا بالحال لتقصيره ببيعه ما لا يملكه وعذره بالجهل نادر .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : إن جهل ذلك ) ويصدق المشتري في دعواه ذلك ; لأنه لا يعلم إلا منه ; ولأن الأصل عدم الإقدام على ما علم فيه الفساد ( قوله : فإن أجاز العقد ) أي أو قصر بعد علمه ( قوله : عنده ) أي العقد ( قوله : باعتبار قيمتهما ) وينبغي أن لا يكتفى في التقويم إلا برجلين لا برجل وامرأتين ولا بأربع نسوة ; لأن التقويم كالولاية وهي لا يكتفى فيها بالنساء ( قوله : جميعا معا ) أي في صفقة واحدة بلا تفصيل ( قوله : أن الصحة بكل الثمن ) معتمد ( قوله : كما يقتضيه كلامهم إلخ ) والأوجه ثبوت الخيار للمشتري حيث كان جاهلا ا هـ .

                                                                                                                            مؤلف . ونقله سم على حج عنه وفي حاشية شيخنا الزيادي ما نصه : نعم إن كان الحرام غير مقصود فالظاهر أنه لا خيار له ; لأنه غير مقابل بشيء من الثمن كما ذكره الشارح في الشرح الكبير له على البهجة ا هـ . ونظر فيه سم رحمه الله حيث قال : وفي عدم ثبوت الخيار نظر للحوق الضرر للمشتري ، وعبارة الشارح في شرحه على البهجة عند قول المصنف وخيروا إلخ : نعم إن كان الحرام غير مقصود اتجه عدم الخيار ; لأنه غير مقابل بشيء من الثمن كما مر ا هـ . أقول : ويوجه ثبوت الخيار بلحوق الضرر للمشتري ثم رأيته في سم ( قوله : وهو مأخوذ من قولهم يوزع إلخ ) قد يمنع الأخذ من ذلك بأنه لو قيل بالصحة لوزع عليهما بعد فرض غير المقصود مالا كفرض الدم مغرة مثلا كما فرض الخنزير شاة ( قوله : والخمر خلا ) قال في شرح الإرشاد : ولا ينافيه ما في نكاح المشرك من تقويمه عند من يرى له قيمة لظهور الفرق فإنهما ثم في حالة العقد كانا يريان له قيمة فعوملا باعتقادهما بخلافه هنا . فإن قلت : قضيته أن العاقدين هنا لو كانا ذميين قوم عند من يرى له قيمة . قلت : يمكن أن يلتزم ذلك ويمكن أن يجاب بأن البيع يحتاط له لكونه يفسد بفساد العوض أكثر مما يحتاط للصداق إذ لا يفسد بفساده .

                                                                                                                            [ فرع ] سئل العلامة حج رحمه الله تعالى عما لو وكله ببيع كتاب فباعه مع كتاب آخر للوكيل في عقد واحد هل يصح ؟ فأجاب بقوله يبطل في الجميع ولا يدخله تفريق الصفقة ; لأنه غير مأذون فيه ، ذكره في التبيان ، لكن قضية كلامهم صحة بيعه لكتابه وأن تفريق الصفقة يدخله وهو ظاهر ا هـ . بحروفه . أقول : القياس ما في التبيان من البطلان كما لو باعه عبده وعبد غيره بإذنه فبيع الوكيل لكتابه كبيع عبد نفسه ولكتاب الموكل كبيع عبد غيره [ ص: 482 ] بإذنه مع عبده ، وقد علمت بطلان بيع العبدين فكذا بيع الكتابين في السؤال المذكور ( قوله : من الاختلاف ) المتبادر مما ذكر أن المراد من الاختلاف هو تقدير الخمر خلا هنا وعصيرا في الصداق ، وهو خلاف ما يفهم من دفع التناقض الذي ذكره ( قوله : ورجع إليه ) أي التقويم ( قوله : لتقصيره ببيعه ) انظر لو كان البائع مغرورا كأن ظنهما ملكه ، وقد يقال هو مقصر ا هـ سم على منهج .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : باعتبار قيمتهما ) أي في متقومين ، بخلاف مثليين بطل البيع في أحدهما كما سيأتي التنبيه عليه في كلام الشارح [ ص: 482 ] قوله : جميعا معا ) لا حاجة للجمع بينهما ( قوله : ورجع إليه في الوصية ) لم يتقدم للوصية ذكر في تقرير التناقض ( قوله : فلم يحتج إليها ) يعني القيمة المفهومة من التقويم ( قوله : لعلمهما بها ) أي القيمة كما هو ظاهر لكن الذي مر في كلامه في تقرير التناقض أن الشيخين اعتبرا الخمر في الصداق عصيرا ولا ذكر للقيمة فيه . واعلم أن الشهاب حج أشار في التحفة إلى أنه وقع في المسألة تناقض للشيخين ، وذكر أنه بينه في شرح الإرشاد ولم يبينه في التحفة اكتفاء بما في شرح الإرشاد ، ثم ذكر ما تحمله بعضهم الذي ذكره الشارح ففهم الشارح أن التناقض الذي بينه الشهاب حج في شرحه للإرشاد هو التناقض الذي في المهمات فنسبه إليها ، ثم ذكر بعده هذا التمحل فلم يوافقه على أن ما ذكره الشارح من أن ما ذكره هو حاصل ما في المهمات ممنوع ، بل حاصل ما فيها أن الرافعي ذكر في باب الوصية أنه إذا خلف كلابا وأوصى بأحدها ففي كيفية اعتباره من الثلث ثلاثة أوجه ، أصحها أنه ينظر إلى عدد الرءوس وتنفذ في واحد ، والثاني ينظر إلى القيمة ، والثالث تقوم منافعها فلو لم يخلف إلا كلبا وطبل لهو وزق خمر تعين اعتبار القيمة .

                                                                                                                            وذكر في نكاح المشركات في الكلام على ما تستحقه المرأة إذا أصدقها زوجها المشرك صداقا فاسدا فقبضت بعضه ثم أسلما أنهما إن سميا جنسا واحدا متعددا كخنزير فهل يعتبر عددهما أو قيمتهما ؟ وجهان أصحهما الثاني ، إن سميا جنسين فأكثر وقبضت أحد الأجناس فهل ينظر إلى الأجناس فكل جنس فيما لو سميا ثلاثة أجناس ثلث أم إلى الأعداد أم إلى القيمة ؟ ثلاثة أوجه أصحها الثالث ، وإذا قلنا به ففيه أوجه أصحها أنه تعتبر قيمتها عند أهلها ، والثاني يقدر الخمر خلا إلى آخر ما ذكره . وقال في أوائل الصداق : ولو أصدقها خمرا أو خنزيرا [ ص: 483 ] أو ميتة ، فقولان أصحهما وجوب مهر المثل ، والثاني يرجع إلى بدل المسمى ، فعلى هذا تقدر الميتة مذكاة ، إلى أن قال : وأما الخمر فيقدر عصيرا ، ثم قال : وقد حكينا في نكاح المشركات وجها أنه يقدر خلا ولم يذكروا هناك اختيار العصير والوجه التسوية ا هـ المقصود من المهمات . وبه يعلم ما في تلخيص الشارح له وما في قوله لكن قالا في الصداق أنه يقدر الخمر بالعصير ، فإن الرافعي لم يذكر هذا إلا تفريعا على الضعيف كما عرفت




                                                                                                                            الخدمات العلمية