الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ولو نفر من منى ولم يطف الوداع جبر بالدم لتركه نسكا واجبا ، فعلم أنه لو أراد الرجوع إلى بلده من منى لزمه طواف الوداع وإن كان قد طافه قبل عوده من مكة إلى منى كما صرح به في المجموع ( ولا يمكث بعده ) مما يتعلق به من ركعتيه والدعاء المحبوب عقبه عند الملتزم وإتيان زمزم والشرب من مائها لخبر مسلم السابق ، فإن مكث لغير حاجة أو حاجة لا تتعلق بالسفر كالزيارة والعيادة وقضاء الدين فعليه إعادته ، لا إن اشتغل بركعتي الطواف أو بأسباب الخروج كشراء الزاد وأوعيته وشد الرحل أو أقيمت الصلاة فصلاها معهم كما في زيادة الروضة ، قال في المهمات : وتقدم في الاعتكاف أن عيادة المريض إذا لم يعرج لها لا تقطع الولاء بل يغتفر صرف قدرها في سائر الأغراض ، وكذا صلاة الجنازة فيجري ذلك هنا بالأولى ، وقد نص عليه الشافعي في الإملاء ، ولو مكث مكرها بأن ضبط أو هدد بما يكون إكراها فهل الحكم كما لو مكث مختارا فيبطل الوداع أو نقول الإكراه يسقط إثر هذا اللبث ، فإذا أطلق وانصرف في الحال جاز ولا تلزمه الإعادة ، ومثله لو أغمي عليه عقب الوداع أو جن لا بفعله المأثوم به ، والأوجه لزوم الإعادة في جميع ذلك إن تمكن منها وإلا فلا ، والمعتمد أنه ليس من مناسك الحج ولا العمرة كما قالاه بل هو عبادة مستقلة خلافا لأكثر المتأخرين ، وتظهر فائدة الخلاف في أنه هل يفتقر إلى نية أو لا وفي أنه هل يلزم الأجير فعله أو لا ، ولا يدخل تحت غيره من الأطوفة بل لا بد من طواف يخصه ، حتى لو أخر طواف الإفاضة وفعله بعد أيام وأراد الخروج عقبه لم يكف كما ذكره الرافعي في أثناء تعليل ( وهو واجب ) لخبر { أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه قد خفف عن المرأة الحائض } ( يجبر تركه بدم ) وجوبا كسائر الواجبات ( وفي قول سنة لا يجبر ) بدم كطواف القدوم ، وفرق الأول بأن طواف القدوم تحية البقعة فليس مقصودا في نفسه ولذلك يدخل تحت غيره ، وفي الشرح وغيره نفي الخلاف في الجبر ، وإنما الخلاف في كونه واجبا أو مندوبا خلافا لما توهمه عبارة الكتاب ( فإن أوجبناه فخرج ) من مكة أو منى ( بلا وداع ) عامدا أو ناسيا أو جاهلا بوجوبه ( وعاد ) بعد خروجه ( قبل مسافة القصر ) من مكة أو منى وطاف للوداع ( سقط الدم ) ; لأنه في حكم المقيم وكما لو جاوز الميقات غير محرم ثم عاد إليه ، ولا ينافي التعليل بأنه في حكم المقيم بتسويتهم السفر الطويل والقصير في وجوب الوداع إذ سفره هنا لم يتم [ ص: 317 ] لعوده بخلافه هناك ، أما لو عاد ليطوف فمات قبل الطواف لم يسقط الدم ( أو ) عاد ( بعدها ) وطاف ( فلا ) يسقط ( على الصحيح ) لاستقراره بالسفر الطويل ، ولا يجب العود على من وصل مسافة القصر للمشقة ، بخلاف من لم يصلها يجب عليه العود ، وإن خرج ناسيا أو جاهلا لطواف الوداع وقد علم أن بلوغها كمجاوزتها وقد صرح به في المجموع ، ومقابل الصحيح يسقط كالحالة الأولى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 316 ] قوله : ولو نفر من منى ) أي بأن أراد التوجه إلى منزله ( قوله : نسكا واجبا ) أي عبادة واجبة ، ولا ينافي ما يأتي من أنه ليس من مناسك الحج ; لأنه لا يلزم من كونه ليس منها إلا أن لا يكون نسكا مستقلا ( قوله : لخبر مسلم السابق ) أي في قوله لا ينصرف أحد ( قوله : أن عيادة المريض ) ظاهره وإن تعذر وتقدم مثله في تعدد صلاة الجنازة في الاعتكاف ( قوله : لا يفعله المأثوم به ) أي الذي لحقه به إثم ( قوله : والأوجه لزوم الإعادة في جميع ذلك ) اسم الإشارة راجع لقوله ولو مكث مكرها إلخ ( قوله : والمعتمد أنه ) أي طواف الوداع ( قوله : ولا يدخل تحت غيره ) [ ص: 317 ] أي وفي أنه لا يدخل تحت إلخ ( قوله ولا يجب العود ) يشعر بجوازه وبتقديره فلا فائدة له لعدم سقوط الدم بالعود نعم تظهر فائدته على مقابل الصحيح



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : لخبر مسلم السابق ) دليل لما في المتن ( قوله : لا إن اشتغل بركعتي الطواف ) هذا علم مما مر ( قوله : قال في المهمات إلخ ) الظاهر أنه لا يرتضي ما في المهمات بدليل اقتصاره على مجرد نقله عنها بعد جزمه بأن العبادة ونحوها تضر فليراجع ( قوله وفي أنه يلزم الأجير فعله ) أي عن المستأجر بحيث إذا تركه يرجع عليه بقسط من الأجرة وإلا فهو واجب مطلقا كما علم [ ص: 317 ] مما مر




                                                                                                                            الخدمات العلمية