الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( كبيع [ ص: 464 ] حاضر لباد ) ذكرهما للغالب ، والحاضرة المدن والقرى والريف وهو أرض فيها زرع وخصب ، والبادية ما عدا ذلك ( بأن يقدم غريب ) أو غيره فهو مثال ، والمراد كل جالب .

                                                                                                                            قال بعضهم : وقد يكون احترز به عن الداخل إلى وطنه ( بمتاع ) وإن لم يكن مأكولا ( تعم الحاجة إليه ) أي حاجة أهل البلد مثلا بأن يكون من شأنه ذلك وإن لم يظهر ببيعه سعة بالبلد لقلته أو عموم وجوده ورخص السعر أو كبر البلد ( ليبيعه بسعر يومه فيقول ) له ( بلدي ) مثلا ( اتركه عندي لأبيعه ) أو ليبيعه فلان معي لك ( على التدريج ) أي شيئا فشيئا ( بأغلى ) من بيعه حالا لخبر [ ص: 465 ] الصحيحين { لا يبع حاضر لباد } زاد مسلم { دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض } والمعنى في التحريم التضييق على الناس ، فإن التمسه البادي منه بأن قال له ابتداء أتركه عندك لتبيعه بالتدريج أو انتفى عموم الحاجة إليه بأن لم يحتج إليه أصلا أو إلا نادرا أو عمت وقصد البدوي بيعه بالتدريج فسأله الحضري أن يفوضه إليه أو قصد بيعه بسعر يومه فقال له اتركه عندي لأبيعه كذلك لم يحرم ; لأنه لم يضر بالناس ، ولا سبيل إلى منع المالك منه لما فيه من الإضرار به ، ولهذا اختص الإثم بالحضري كما نقله في زيادة الروضة عن القفال وأقره ، وإنما حرم على المرأة الحلال تمكين المحرم من الوطء مع أنه إعانة على معصية فكان القياس أن يكون هنا مثله ; لأن المعصية إنما هي في الإرشاد إلى التأخير فقط وقد انقضت ، لا الإرشاد مع البيع الذي هو الإيجاب الصادر منه ، وأما المبيع فلا تضييق فيه لا سيما إذا صمم المالك على ما أشار به حتى لو لم يباشره المشير عليه باشره غيره ، بخلاف تمكين المرأة الحلال المحرم من الوطء فإن المعصية بنفس الوطء ولو استشاره البدوي فيما فيه حظه وجب عليه إرشاده لما فيه من النصيحة على أوجه الوجهين وقال الأذرعي : إنه الأشبه وكلام أصل الروضة يميل إليه .

                                                                                                                            وثانيهما لا توسيعا على الناس ومعناه أنه يسكت لا أنه يخبر بخلاف نصيحته .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : كبيع حاضر ) في تسمية [ ص: 464 ] ما ذكر بيعا تجوز فإن المنهي عنه الإرشاد لا البيع ، لكنه سماه بيعا لكونه سببا له فهو مجاز بإطلاق اسم المسبب على السبب ( قوله : وهو ) أي الريف ( قوله : وخصب ) بكسر الخاء ، وعبارة المصباح : الخصب وزان حمل النماء والبركة وهو خلاف الجدب ، وهو اسم من أخصب المكان بالألف فهو مخصب . وفي لغة خصب يخصب من باب تعب فهو خصيب ، وأخصب الله الموضع إذا أنبت به العشب والكلأ ( قوله : ما عدا ذلك ) أي المذكور ، وهو المدن والقرى والريف ( قوله : والمراد كل جالب ) ويظهر أن بعض أهل البلد لو كان عنده متاع مخزون فأخرجه ليبيعه بسعر يومه فتعرض له من يفوضه له ليبيعه له تدريجا بأغلى حرم أيضا للعلة الآتية انتهى حج .

                                                                                                                            وقد يفيد ذلك مفهوم قول الشارح . قال بعضهم : وقد يكون إلخ ، لكن كتب شيخنا العلامة الشوبري بهامش حج المعتمد عند شيخنا عدم الحرمة ; لأن النفوس لها تشوف لما يقدم به بخلاف الحاضر ( قوله : احترز به ) أي الغريب ( قوله : تعم الحاجة إليه ) أي تكثر ، وقد يشمل النقد خلافا لقول حج إن النقد مما لا تعم الحاجة إليه ا هـ حلبي وينبغي أن يلحق بذلك الاختصاصات فيما يظهر لوجود العلة المذكورة فيها ، وأن مثل البيع الإجارة ، فلو أراد شخص أن يؤجر محلا حالا فأرشده شخص إلى تأخير الإجارة لوقت كذا كزمن النيل مثلا حرم ذلك لما فيه من إيذاء المستأجر ( قوله : حاجة أهل البلد ) قد يفهم منه أنه لو احتاجت إليه طائفة من البلد لاعتيادهم الانتفاع به دون غيرهم كان الحكم فيهم مثله في احتياج عامة أهل البلد ، وهو ظاهر لما فيه من التضييق عليهم ، ثم لا فرق في ذلك بين كون الطائفة من المسلمين أو غيرهم ، ومفهومه أيضا أنه إذا لم يحتج إليه أهل البلد وإنما يحتاجه غيرهم كالودع ، المعروف عدم الحرمة ( قوله مثلا ) نبه به على أن البلد ليست بقيد ، وأن جميع أهل البلد ليس بقيد أيضا وسواء احتاجوه لأنفسهم أو دوابهم حالا أو مآلا .

                                                                                                                            ( قوله : بسعر يومه ) يظهر أنه تصوير ، فلو قدم ليبيعه بسعر ثلاثة أيام مثلا فقال له اتركه لأبيعه لك بسعر أربعة أيام مثلا حرم عليه ذلك للمعنى الآتي فيه ، ويحتمل التقييد بما دل عليه ظاهر كلامهم أن يريد بيعه بسعر الوقت الحاضر فسأله تأخيره عنه ، ويوجه بأنه لا يتحقق التضييق إلا حينئذ ; لأن النفوس إنما تتشوف للشيء في أول أمره ا هـ حج . والأقرب الأول لظهور العلة فيه ( قوله : أو ليبيعه فلان معي ) أي أو بنظري فيما يظهر ويحتمل خلافه ا هـ حج . والظاهر أن التعبير بهما جرى على الغالب حتى لو قال اتركه ليبيعه لك فلان فقط كان الحكم كذلك ( قوله : لك ) أي لأجلك ( قوله : شيئا فشيئا ) أي فهو كالصاعد في درج شيخنا ا هـ سم على منهج ( قوله : بأغلى ) لم يتعرض حج ولا شيخ الإسلام لكونه قيدا معتبرا أم لا ، والظاهر الأول كما يصرح به قول الشارح بعد [ ص: 465 ] أو قصد بيعه بسعر يومه فقال له إلخ ، وذلك ; لأنه إذا سأله الحضري أن يفوض له بيعه بسعر يومه على التدريج لم يحمله ذلك على موافقته فلا يكون سببا للتضييق ، بخلاف ما إذا سأله أن يبيعه بأغلى فالزيادة ربما حملته على الموافقة فيؤدي إلى التضييق . وكتب سم على حج قوله بأغلى قضية العلة ما حاصله أنه تصوير والأقرب ما قلناه ( قوله لا يبع حاضر ) يصح عربية قراءته بالرفع والجزم ، لكن قال بعضهم : إن الرواية بالجزم ويوافقه الرسم .

                                                                                                                            ( قوله : زاد مسلم ) وزاد بعضهم في غفلاتهم . قال النووي : ولم تر في كتب الحديث ( قوله : يرزق ) هو بالرفع على الاستئناف ويمنع الكسر فساد المعنى ; لأن التقدير عليه إن تدعوا يرزق الله إلخ ، ومفهومه إن لم تدعوا لا يرزق ، وكل غير صحيح : لأن رزق الله الناس غير متوقف على أمر ، وهذا كله حيث لم تعلم الرواية ، وأما إذا علمت فتتعين ويكون معناها على الجزم إن تدعوهم يرزقهم الله من تلك الجهة وإن منعتموهم جاز أن يرزقهم الله من تلك الجهة وأن يرزقهم من غيرها ( قوله إلا نادرا ) انظر ما معنى الندرة هل هو باعتبار أفراد الناس أو باعتبار الأوقات كأن تعم الحاجة إليه في وقت دون وقت أو غير ذلك ؟ ولعل الأقرب الثاني ، فإنه لو كان في البلد طائفة يحتاجون إليه في أكثر الأوقات وأكثر أهلها في غنية عنه كان مما تعم الحاجة إليه ( قوله : كذلك ) أي بسعر يومه ولو على التدريج ( قوله : لم يضر ) بضم الياء من أضر ( قوله : بالحضري ) أي دون صاحب المتاع ( قوله بنفس الوطء ) قد يقال قياس ذلك أنه لو تبايع شافعي ومالكي بالمعاطاة أثم المالكي لإعانته الشافعي على المعصية ; لأن المعاطاة عند الشافعي عقد فاسد فهو حرام ، لكن نقل عن المالكية عدم إثم المالكي فليراجع ا هـ سم على حج ( قوله : وجب عليه إرشاده ) معتمد ( قوله : وثانيهما لا ) أي لا يجب وقضيته الإباحة ، وقد يفهم من كلام عميرة حيث قال وقال ابن الوكيل : لا يرشده توسيعا على الناس امتناعه وهو الظاهر ( قوله : ومعناه ) أي الثاني .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وقد يكون احترز به عن الداخل إلى وطنه ) انظر ما معناه مع بقية كلام المصنف من قوله ليبيعه إلخ ( قوله : بأن يقدم غريب إلخ ) صريح هذا التفسير أن هذا حقيقة بيع الحاضر البادي شرعا وإن لم يقع بيع بالفعل ، وما في حاشية الشيخ من جعله مجازا من إطلاق اسم المسبب على السبب نظر فيه إلى حقيقة اللغة [ ص: 465 ] قوله مع أنه إعانة على معصية ) لعله سقط قبله لفظ دون هذا أو نحو ذلك ، وإلا فالمعية المذكورة لا تناسب [ ص: 466 ] الحرمة




                                                                                                                            الخدمات العلمية