الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وهي ) أي فطرة الواحد ( صاع ) لخبر ابن عمر المار ( وهو ستمائة درهم وثلاثة وتسعون ) درهما ( وثلث ) درهم لأنه أربعة أمداد والمد رطل وثلث بالبغدادي والرطل مائة وثلاثون درهما ( قلت : الأصح ستمائة وخمسة وثمانون درهما وخمسة أسباع درهم لما سبق في زكاة النبات ) من كون الرطل مائة وثمانية وعشرين درهما وأربعة أسباع درهم ( والله أعلم ) كما مر في زكاة النبات إيضاحه والأصل في ذلك الكيل ، وإنما قدروه بالوزن استظهارا على أن التقدير بالوزن يختلف باختلاف الحبوب كالذرة والحمص ، والعبرة في الكيل بالصاع النبوي وعياره موجود [ ص: 121 ] وهو قدحان بالكيل المصري ويزادان شيئا يسيرا لاحتمال اشتمالهما على طين أو تبن ، فإن فقد ما يعاير به أخرج قدرا يتيقن أنه لا ينقص عن الصاع ، وإذا كان المعتبر الكيل فالوزن تقريب ، ويجب تقييد هذا بما من شأنه الكيل ، أما ما لا يكال أصلا كالأقط والجبن إذا كان قطعا كبارا فمعياره الوزن لا غير كما في الربا ، قيل ومن ذلك اللبن ، وفيه نظر ، بل الكيل له دخل فيه كما قالوه في الربا . قال في الروضة : وقال جماعة : الصاع أربع حفنات بكفي رجل معتدلهما .

                                                                                                                            قال القفال : والحكمة في إيجاب الصاع أن الناس غالبا يمتنعون من التكسب في يوم العيد وثلاثة أيام بعده ، ولا يجد الفقير من يستعمله فيها لأنها أيام سرور وراحة عقب الصوم ، والذي يتحصل من الصاع عند جعله خبزا ثمانية أرطال فإن الصاع خمسة أرطال وثلث كما مر ، ويضاف إليه من الماء نحو الثالث فيأتي من ذلك ما قلناه وهو كفاية الفقير في أربعة أيام في كل يوم رطلان ( وجنسه ) أي الصاع الواجب ( القوت المعشر ) أي الذي يجب فيه العشر أو نصفه لأن النص ورد في بعض المعشرات كالبر والشعير والتمر والزبيب وقيس الباقي عليه بجامع الاقتيات ( وكذا الأقط في الأظهر ) لثبوته في الأخبار السابقة وهو لين يابس لم ينزع زبده ، وفي معنى ذلك لبن وجبن لم ينزع زبدهما فيجزيان ولا يجزي من اللبن إلا القدر الذي يتأتى منه صاع من الأقط لأنه فرع عن الأقط فلا يجوز أن ينقص عن أصله ، قاله العمراني في البيان وهو ظاهر . وقد علل ابن الرفعة إجزاء الأقط بأنه مقتات متولد مما تجب فيه الزكاة ويكال فكان كالحب ، وهو يقتضي أن المتخذ من لبن الظبية والضبع والآدمية إذا جوزنا شربه لا يجزي قطعا ، ويتجه بناؤه على أن الصورة النادرة هل تدخل في العموم أو لا ، والأصح الدخول ثم محل إجزاء ما ذكر لمن هو قوته سواء أكان من أهل البادية أو الحاضرة ، أما منزوع الزبد فلا يجزي وكذا الكشك والمخيض والمصل والسمن واللحم وما ملح من أقط أفسد كثرة الملح جوهره ، بخلاف ما ظهر ملحه [ ص: 122 ] فيجزي غير أنه لا يحسب الملح بل يخرج قدرا يكون محض الأقط منه صاعا .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وثلث درهم ) الأولى من درهم لئلا يغير إعراب المتن .

                                                                                                                            ( قوله : والأصل في ذلك الكيل ) هو كذلك ولكنه لا يتأتى في مثل الجبن بر ا هـ سم على بهجة . أقول : أي فيقيد ذلك بما يتأتى فيه الكيل عادة .

                                                                                                                            ( قوله : على أن التقدير بالوزن إلخ ) اعتراض على جعلهم الوزن استظهارا . وحاصله أن الاستظهار لا يتأتى مع اختلاف الحبوب خفة وثقلا وعدم اختلاف ما يحويه المكيال في القدر ، ومن ثم كتب عليه سم على شرح البهجة [ ص: 121 ] على مثل هذه العبارة : وقوله استظهارا إلخ : أي استظهارا مع شدة تفاوت الحبوب ثقلا وخفة .

                                                                                                                            ( قوله : ويزادان شيئا يسيرا ) المراد أن يزيد المخرج على القدحين ما ذكر وينبغي أن ذلك مندوب فقط .

                                                                                                                            ( قوله : في كل يوم رطلان ) قال سم على منهج بعد ما ذكر : انظر هذه الحكمة كيف تأتي على مذهب الشافعي من وجوب دفع الفطرة لسبعة أصناف ا هـ . أقول : هذه حكمة للمشروعية وهي لا يلزم اطرادها .

                                                                                                                            ( قوله : العشر أو نصفه ) عبارة المحلي : وكذا نصفه ا هـ . أقول : وما ذكره المحلي أولى مما ذكر مر كحج ، لأن أو تدل على أن الواجب هو الأحد الدائر بين العشر ونصفه على أن أيهما أخرجه أجزأ ، وليس ذلك مرادا بل المراد أن الواجب تارة العشر وتارة النصف وحكمة الفصل بكذا الإشارة إلى أن الأصل في المعشر أنه الذي يجب فيه العشر .

                                                                                                                            ( قوله : وفي معنى ذلك لبن إلخ ) وهل يجزئ اللبن المخلوط بالماء أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب أن يقال : إن كان اللبن يتأتى منه صاع أجزأ وإلا فلا ، ومعلوم أن هذا فيمن يقتاته مخلوطا ، أما إذا كانوا يقتاتونه خالصا فالظاهر عدم إجزائه مطلقا كالمعيب من الحب .

                                                                                                                            ( قوله : وهو يقتضي ) أي قوله وقد علل إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : والأصح الدخول ) أي فيجزئ لبن كل ما ذكر من الظبية إلخ ( قوله : وكذا الكشك إلخ ) هو بفتح الكاف كما في المصباح : أي فلو كانوا لا يقتاتون سوى هذه المذكورات وجب اعتبار أقرب البلاد إليهم أخذا من قوله الآتي ولو كان في بلدة لا يقتاتون ما يجزي فيها أخرج من غالب قوت أقرب البلاد إليه .

                                                                                                                            ( قوله : جوهره ) أي ذاته .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 119 - 121 ] قوله : قال القفال والحكمة في إيجاب الصاع إلخ ) نقضت هذه الحكمة بأنها لا تتأتى على مذهب الشافعي من وجوب دفع الصاع إلى سبعة أصناف وأجاب عنه الشيخ في الحاشية أن هذه حكمة المشروعية ولا يلزم اطرادها ا هـ . وفي هذا الجواب وقفة لأنها لم تشرع لواحد عند الشافعي ( قوله : ويتجه بناؤه ) أي وجوب الزكاة في المذكورات وعدمه




                                                                                                                            الخدمات العلمية