( ثم يذبح من معه هدي ) بإسكان الدال وكسرها مع تخفيف الياء في الأولى وتشديدها في الثانية لغتان فصيحتان ، وهو اسم لما يهدى لمكة تقربا إلى الله تعالى من نعم وغيرها من الأموال نذرا كان أو تطوعا ، لكنه عند الإطلاق اسم للإبل والبقر والغنم ( ثم يحلق ) الذكر ( أو يقصر ) لقوله تعالى { محلقين رءوسكم ومقصرين } وللاتباع في الأول رواه مسلم .
والثاني في معناه ( و ) لكن ( الحلق ) له ( أفضل ) إجماعا ، فإن العرب تبدأ بالأهم والأفضل وروى الشيخان خبر { اللهم ارحم المحلقين ، فقالوا : يا رسول الله والمقصرين ، فقال : اللهم ارحم المحلقين ، قال في الرابعة : والمقصرين } ( وتقصر المرأة ) ولا تؤمر بالحلق والخنثى مثلها .
روى أبو داود بإسناد حسن كما في المجموع { ليس على النساء حلق إنما على النساء التقصير } وكره الحلق ونحوه من إحراق أو إزالة بنورة أو نتف لغير ذكر من أنثى وخنثى ; لأنه لهما مثلة ، ومن ثم لو نذره أحدهما لم ينعقد بخلاف التقصير ، ومراده بالمرأة الأنثى فيشمل الصغيرة ; لأنها إذا أطلقت في مقابلة الرجل كما هنا تناولتها وهو الأوفق لكلامهم ، وإن بحث الإسنوي واعتمده غيره استثناء الصغيرة التي لم تنته إلى زمن يترك فيه شعرها ، ولو منع السيد الأمة منه حرم ، وكذا لو لم يمنع ولم يأذن كما بحثه أيضا ، قيل وهو متجه إن لزم منه فوات تمتع أو نقص قيمة وإلا فالإذن لها في النسك إذن في فعل ما يتوقف عليه التحلل وإن كان مفضولا ، ويرد بأن الإذن المطلق منزل على حالة نفي النهي ، والحلق في حقها منهي عنه ، ويحرم على الحرة المزوجة إن منعها الزوج ، وكان فيه فوات استمتاع أيضا فيما يظهر ، وبحث أيضا أنه يمتنع بمنع الوالد لها وفيه وقفة بل الأوجه خلافه إلا أن يقتضي نهيه مصلحتها ، والأولى كون التقصير بقدر أنملة من جميع الرأس وشمل ما مر المرأة الكافرة إذا أسلمت فلا تحلق رأسها ، وأما خبر { ألق عنك شعر الكفر ثم اغتسل } فمحمول على الذكر ، وينبغي كما قاله بعض المتأخرين استثناء حلق رأس الصغيرة يوم سابع ولادتها للتصدق بزنته فإنه يستحب كما صرحوا به في باب العقيقة ، واستثنى بعضهم من كراهة الحلق للمرأة ما لو كان برأسها أذى لا يمكن زواله إلا بالحلق لمعالجة حب ونحوه ، وما لو حلقت رأسها لتخفي كونها امرأة خوفا على نفسها من الزنا ونحو ذلك ، ولهذا يباح لها لبس الرجال في هذه الحالة ، والخنثى في ذلك كالأنثى ، ويستثنى من كون الحلق أفضل للذكر ما لو اعتمر قبل الحج في وقت لو حلق فيه جاء يوم النحر ولم يسود رأسه من الشعر فالتقصير له أفضل كما نص عليه في الإملاء ، وإطلاق شرح مسلم استحباب الحلق في الحج والتقصير في العمرة ليقع الحلق في أكمل العبادتين محمول على ما إذا لم يسود رأسه قبل الحج ، وإلا حلق في العمرة أيضا أخذا من التفصيل الذي قبله وأخذ الزركشي من النص أن مثله يأتي فيما لو قدم الحج على العمرة ، وكلام شرح مسلم [ ص: 305 ] المذكور ينازع فيه .


