4979  - واحتجوا في ذلك بما حدثنا أحمد بن داود  ، قال : ثنا  إبراهيم بن الحجاج  ، ومحمد بن عون الزيادي  ، قالا : ثنا  حماد بن سلمة  ، قال : أخبرني  إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة  ، عن أبي المنذر مولى أبي ذر  ، عن أبي أمية المخزومي  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلص اعترف اعترافا ولم يوجد معه المتاع . 
 [ ص: 169 ] فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما إخالك سرقت ، قال : بلى يا رسول الله ، فأعادها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين أو ثلاثا . قال : بلى يا رسول الله ، فأمر به فقطع . 
ثم جيء به ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : قل : أستغفر الله وأتوب إليه . قال : أستغفر الله وأتوب إليه ، ثم قال : اللهم تب عليه   . 
ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقطعه بإقراره مرة واحدة حتى أقر ثانية . 
فهذا أولى من الحديث الأول ؛ لأن فيه زيادة على ما في الأول . 
وقد يجوز أن يكون أحدهما قد نسخ الآخر . 
فلما احتمل ذلك رجعنا إلى النظر ، فوجدنا السنة قد قامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المقر بالزنا أنه رده أربعا ، وأنه لم يرجمه بإقراره مرة واحدة وأخرج ذلك من حكم الإقرار بحقوق الآدميين التي يقبل فيها الإقرار مرة واحدة ، ورد حكم الإقرار بذلك إلى حكم الشهادة عليه . 
فكما كانت الشهادة عليه غير مقبولة إلا من أربعة ، فكذلك جعل الإقرار به لا يوجب الجلد إلا بإقراره أربع مرات . 
فثبت بذلك أن حكم الإقرار بالسرقة أيضا لذلك ، يرد إلى حكم الشهادة عليها . 
فكما كانت الشهادة عليه لا يجوز إلا من اثنين ، فكذلك الإقرار بها لا يقبل إلا مرتين . 
وقد رأيناهم جميعا لما رووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المقر بالزنا لما هرب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لولا خليتم سبيله . 
فكان ذلك عندهم على أن رجوعه مقبول ، واستعملوا ذلك في سائر حدود الله عز وجل ، فجعلوا من أقر بها ، ثم رجع قبل رجوعه ، ولم يخصوا الزنا بذلك دون سائر حدود الله . 
فكذلك لما جعل الإقرار في الزنا لا يقبل إلا بعدد ما يقبل عليه من البينة ثبت أنه لا يقبل الإقرار بسائر حدود الله إلا بعدد ما يقبل عليها من البينة . 
فأدخل  محمد بن الحسن  رحمه الله في هذا على  أبي يوسف  رحمه الله ، فقال : ( لو كان لا يقطع في السرقة حتى يقر بها سارقها مرتين لكان إذا أقر أول مرة ، صار ما أقر به عليه دينا ، ولم يجب عليه القطع بعد ذلك إذا كان السارق لا يقطع فيما قد وجب عليه بأخذه إياه دينا ) . 
فكان من حجتنا  لأبي يوسف  رحمة الله عليه في ذلك ، أنه لو لزم ذلك  أبا يوسف  في السرقة للزم محمدا  مثله في الزنا أيضا ، إذ كان الزاني في قولهم لا يحد فيما وجب عليه فيه مهرا ، كما لا يقطع السارق فيما قد وجب عليه دينا . 
 [ ص: 170 ] فلو كانت هذه العلة التي احتج بها  محمد بن الحسن  رحمه الله على  أبي يوسف  ، يجب بها فساد قول  أبي يوسف  رحمه الله في الإقرار بالسرقة للزم محمدا  مثل ذلك في الإقرار بالزنا . 
وذلك أنه لما أقر بالزنا مرة لم يجب عليه حد ، وقد أقر بوطء لا يحد فيه بذلك الإقرار ، فوجب عليه مهر ، فلا ينبغي أن يحد في وطء قد وجب عليه فيه مهر . 
فإذا كان محمد  رحمه الله لم يجب عليه بذلك حجة في الإقرار بالزنا ، فكذلك  أبو يوسف  رحمه الله ، لا يجب عليه بذلك حجة في الإقرار بالسرقة . 
وقد رد  علي بن أبي طالب  رضي الله عنه الذي أقر عنده بالسرقة مرتين . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					