الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        [ ص: 258 ] 5268 - وحدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا أبو داود ، قال : ثنا قيس بن الربيع ، عن عبد الكريم الجزري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، مثله ، غير أنه لم يقل : ( الإسلام يعلو ولا يعلى ) .

                                                        أفيجوز أن تكون النصرانية عنده إذا أسلمت في دار الإسلام وزوجها نصراني ، أنها تبين منه ، ولا ينتظر بها إسلامه إلى أن تخرج من العدة ، وتكون الحربية التي ليست بكتابية ، إذا أسلمت في دار الحرب ثم جاءتنا مسلمة ينتظر بها إلحاق زوجها بها مسلما فيما بينه وبين خروجها من العدة ؟

                                                        هذا محال ؛ لأن إسلامها في دار الإسلام إذا كان يبينها من زوجها النصراني الذمي ، فإسلامها في دار الحرب وخروجها إلى دار الإسلام ، وتركها زوجها المشرك في دار الحرب أن يبينها .

                                                        فثبت بهذا من قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، أنه كان يرى العصمة منقطعة بإسلام المرأة ، لا لخروجها من العدة .

                                                        وإذا ثبت ذلك من قوله استحال أن يكون ترك ما قد كان ثبت عنده من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في رده زينب على أبي العاص على النكاح الأول ، وصار إلى خلافه إلا بعد ثبوت نسخ ذلك عنده .

                                                        فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار .

                                                        وأما النظر في ذلك ، فإنا رأينا المرأة إذا أسلمت وزوجها كافر ، فقد صارت إلى حال لا يجوز أن يستأنف نكاحه عليها ؛ لأنها مسلمة وهو كافر .

                                                        فأردنا أن ننظر إلى ما يطرأ على النكاح ، مما لا يجوز معه الاستقبال للنكاح ، كيف حكمه ؟

                                                        فرأينا الله - عز وجل - قد حرم الأخوات من الرضاعة ، وكان من تزوج امرأة صغيرة لا رضاع بينه وبينها فأرضعتها أمه حرمت عليه بذلك ، وانفسخ النكاح ، فكان الرضاع الطارئ على النكاح في حكم الرضاع المتقدم للنكاح في أشباه لذلك ، يطول الكتاب بذكرها .

                                                        وكانت ثمة أشياء يختلف فيها الحكم إذا كانت متقدمة للنكاح ، أو طرأت على النكاح .

                                                        من ذلك أن الله عز وجل حرم نكاح المرأة في عدتها من زوجها ، وأجمع المسلمون أن العدة من الجماع في النكاح الفاسد يمنع من النكاح كما يمنع إذا كانت بسبب نكاح صحيح .

                                                        وكانت المرأة لو وطئت بشبهة ولها زوج ، فوجبت عليها بذلك عدة ، لم تبن بذلك من زوجها ، ولم يجعل هذه العدة كالعدة المتقدمة للنكاح .

                                                        ففرق في هذا بين حكم المستقبل والمستدبر .

                                                        فأردنا أن ننظر في المرأة إذا أسلمت وزوجها كافر ، هل تبين منه بذلك ، ويكون حكم مستقبل ذلك ومستدبره سواء ، كما كان ذلك في الرضاع الذي ذكرنا ؟ أو لا تبين منه بإسلامها ، فلا يكون حكم إسلامها الحادث كهو ، إذا كان قبل النكاح ، كالعدة التي ذكرنا التي فرق بين حكم المستقبل فيها وحكم المستدبر ؟ فنظرنا في ذلك ، فوجدنا العدة الطارئة على النكاح لا يجب فيها فرقة في حال وجوبها ، ولا بعد ذلك .

                                                        [ ص: 259 ] وكان الرضاع الذي ذكرنا ، يجب به الفرقة في حال كونه ، ولا ينتظر بها شيء بعده ، وكان الإسلام الطارئ على النكاح ، كل قد أجمع أن فرقة تجب به .

                                                        فقال قوم : تجب في وقت إسلام المرأة ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما .

                                                        وقال آخرون : ( لا تجب الفرقة ، حتى تعرض على الزوج الإسلام فيأباه ، فيفرق بينه وبين المرأة أو تختاره ، فتكون امرأته على حالها ) ، وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

                                                        وقال آخرون : ( هي امرأته ما لم يخرجها من أرض الهجرة ) ، وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وسنأتي بأسانيد هذه الروايات في آخر هذا الباب ، إن شاء الله تعالى .

                                                        فلما ثبت أن إسلام الزوجة الطارئ على النكاح ( يوجب الفرقة ) بين المرأة وبين زوجها ، في حال ما ثبت ، أن حكم ذلك بحكم الرضاع ، أشبه منه بحكم العدة .

                                                        فلما كان الرضاع تجب به الفرقة ساعة يكون ، ولا ينتظر به خروج المرأة من عدتها ، كان كذلك الإسلام .

                                                        فهذا وجه النظر في هذا الباب ، أن المرأة تبين من زوجها بإسلامها ، في دار الإسلام كانت ، أو في دار الحرب .

                                                        وقد كان أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد ، رحمهم الله ، يخالفون هذا ، ويقولون في الحربية ، إذا أسلمت في دار الحرب وزوجها كافر ، إنها امرأته ، ما لم تحض ثلاث حيض ، أو تخرج إلى دار الإسلام ، فأي ذلك كانت بانت به من زوجها .

                                                        وقالوا : كان النظر في هذا أن تبين من زوجها بإسلامها ساعة أسلمت .

                                                        وقالوا : إذا أسلمت ، وزوجها في دار الإسلام ، فهي امرأته على حالها ، حتى يعرض القاضي على زوجها الإسلام فيسلم ، فتبقى تحته ، أو يأبى ، فيفرق بينهما .

                                                        وقالوا : كان النظر في ذلك أن تبين منه بإسلامها ، ساعة أسلمت ، ولكنا قلدنا ما روي عن عمر رضي الله عنه .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية