الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        5046 - حدثنا سليمان بن شعيب ، قال : ثنا يحيى بن سلام ، عن محمد بن أبي حميد المدني ، عن محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن البيلماني عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله . والنظر عندنا شاهد لذلك أيضا ، وذلك أنا رأينا الحربي دمه حلال ، وماله حلال ، فإذا صار ذميا حرم دمه وماله كحرمة دم المسلم ومال المسلم .

                                                        ثم رأينا من سرق من مال الذمي ما يجب فيه القطع ، قطع كما يقطع في مال المسلم .

                                                        فلما كانت العقوبات في انتهاك المال الذي قد حرم بالذمة ، كالعقوبات في انتهاك المال الذي حرم بالإسلام كان يجيء في النظر أيضا أن تكون العقوبة في الدم الذي قد حرم بالذمة كالعقوبة في الذي قد حرم بالإسلام .

                                                        فإن قال قائل : فإنا قد رأينا العقوبات الواجبات في انتهاك حرمة الأموال قد فرق بينهما وبين العقوبات الواجبات في انتهاك حرمة الدم ، وذلك أنا رأينا العبد يسرق من مال مولاه فلا يقطع ، ويقتل مولاه فيقتل ، ففرق بين ذلك ، فما تنكرون أيضا أن يكون قد فرق بين ما يجب في انتهاك مال الذمي ودمه ؟

                                                        قيل له : هذا الذي ذكرت قد زاد ما ذهبنا إليه توكيدا ؛ لأنك ذكرت أنهم أجمعوا أن العبد لا يقطع في مال مولاه ، وأنه يقتل بمولاه وبعبيد مولاه .

                                                        فما وصفت من ذلك كما ذكرت فقد خففوا أمر المال ، ووكدوا أمر الدم ، فأوجبوا العقوبة في الدم ، حيث لم يوجبوها بالمال .

                                                        فلما ثبت توكيد أمر الدم وتخفيف أمر المال ، ثم رأينا مال الذمي يجب في انتهاكه على المسلم من العقوبة [ ص: 196 ] كما يجب عليه في انتهاك مال المسلم كان دمه أحرى أن يكون عليه في انتهاك حرمته من العقوبة ما يكون عليه في انتهاك حرمة دم المسلم .

                                                        وقد أجمعوا أن ذميا لو قتل ذميا ، ثم أسلم القاتل ، أنه يقتل بالذمي الذي قتله في حال كفره ، ولا يبطل ذلك إسلامه .

                                                        فلما رأينا الإسلام الطارئ على القتل لا يبطل القتل الذي كان في حال الكفر ، وكانت الحدود تمامها أحدها ، ولا يوجد على حال - لا يجب في البدء مع تلك الحال .

                                                        ألا ترى أن رجلا لو قتل رجلا ، والمقتول مرتد ، أنه لا يجب عليه شيء ، وأنه لو جرحه وهو مسلم ثم ارتد - عياذا بالله - فمات لم يقتل .

                                                        فصارت ردته التي تقدمت الجناية ، والتي طرأت عليها في درء القتل سواء .

                                                        فكان كذلك في النظر أن يكون القاتل قبل جنايته وبعد جنايته سواء .

                                                        ولما كان إسلامه بعد جنايته قبل أن يقتل بها لا يدفع عنه القود كان كذلك إسلامه المتقدم لجنايته : لا يدفع عنه القود .

                                                        وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية