4996 - فإذا
nindex.php?page=showalam&ids=15551أبو بكرة nindex.php?page=showalam&ids=12391وإبراهيم بن مرزوق قد حدثانا ، قالا : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16424عبد الله بن بكر السهمي . ( ح ) .
وحدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12391إبراهيم بن مرزوق ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13748محمد بن عبد الله الأنصاري ، قالا : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15767حميد الطويل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك بن النضر ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=652504nindex.php?page=treesubj&link=24359_31543_33071_9131_9186_9241_9326_9401أن عمته الربيع لطمت جارية فكسرت ثنيتها ، فطلبوا إليهم العفو فأبوا ، والأرش فأبوا إلا القصاص .
[ ص: 177 ] فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص .
فقال أنس بن النضر : يا رسول الله ، أتكسر ثنية الربيع ، لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أنس ، كتاب الله القصاص . فرضي القوم ، فعفوا .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره . يزيد بعضهم على بعض .
فلما كان الحكم الذي حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم على
الربيع للمنزوعة ثنيتها هو القصاص ، ولم يخيرها بين القصاص وأخذ الدية ، وهاج
أنس بن النضر حين أبى ذلك ، فقال : يا
أنس ، كتاب الله القصاص ، فعفا القوم ، فلم يقض لهم بالدية .
ثبت بذلك أن الذي يجب بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله في العمد هو القصاص ؛ لأنه لو كان يجب للمجني عليه الخيار بين القصاص وبين العفو مما يأخذ به الجاني إذا لخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأعلمها ما لها أن تختاره من ذلك .
ألا ترى أن حاكما لو تقدم إليه رجل في شيء ، يجب له فيه أحد شيئين ، فثبت عنده حقه ، أنه لا يحكم له بأحد الشيئين دون الآخر ، وإنما يحكم له بأن يختار ما أحب من كذا ومن كذا ، فإن تعدى ذلك فقد قصر عن فهم الحكم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أحكم الحكماء .
فلما حكم بالقصاص وأخبر أنه كتاب الله عز وجل ثبت بذلك أن الذي في مثل ذلك هو القصاص لا غيره .
فلما ثبت هذا الحديث على ما ذكرنا وجب أن يعطف عليه حديث
أبي شريح nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة رضي الله عنهما .
فيجعل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما : فهو بالخيار بين أن يعفو ، أو بين أن يقتص ، أو يأخذ الدية على الرضاء من الجاني بغرم الدية ، حتى تتفق معاني هذين الحديثين ، ومعنى حديث
أنس رضي الله عنه .
فإن قال قائل : فإن النظر يدل على ما قال أهل المقالة الأولى ، وذلك أن على الناس أن يستحيوا أنفسهم .
فإذا قال الذي له سفك الدم : ( قد رضيت بأخذ الدية ، وترك سفك الدم ) وجب على القاتل استحياء نفسه ، فإذا وجب ذلك عليه أخذ من ماله وإن كره .
فالحجة عليه في ذلك أن على الناس استحياء أنفسهم كما ذكرت بالدية ، وبما جاوز الدية ، وجميع ما يملكون .
وقد رأيناهم أجمعوا أن الولي لو قال للقاتل : ( قد رضيت أن آخذ دارك هذه على أن لا أقتلك ) أن الواجب
[ ص: 178 ] على القاتل فيما بينه وبين الله تسليم ذلك له وحقن دم نفسه ، فإن أبى لم يجبر عليه باتفاقهم على ذلك ، ولم يؤخذ منه ذلك كرها ، فيدفع إلى الولي .
فكذلك الدية إذا طلبها الولي ؛ فإنه يجب على القاتل فيما بينه وبين ربه أن يستحيي نفسه بها ، وإن أبى ذلك لم يجبر عليه ، ولم يؤخذ منه كرها .
ثم رجعنا إلى أهل المقالة الأولى في قولهم : ( إن للولي أن يأخذ الدية وإن كره ذلك الجاني ) .
فنقول لهم : ليس يخلو ذلك من أحد وجوه ثلاثة :
إما أن يكون ذلك ؛ لأن الذي له على القاتل هو القصاص والدية جميعا ، فإذا عفا عن القصاص فأبطله بعفوه ، كان له أخذ الدية .
وإما أن يكون الذي وجب له هو القصاص خاصة ، وله أن يأخذ الدية بدلا من ذلك القصاص .
وإما أن يكون الذي وجب له هو أحد أمرين ، إما القصاص ، وإما الدية ، يختار من ذلك ما شاء ، ليس يخلو ذلك من أحد هذه الثلاثة الوجوه .
فإن قلتم : الذي وجب له هو القصاص والدية جميعا ، فهذا فاسد ؛ لأن الله عز وجل لم يوجب على أحد فعل فعلا أكثر مما فعل ، فقد قال عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=45وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص .
فلم يوجب الله عز وجل على أحد بفعل يفعله أكثر مما فعل ، ولو كان ذلك كذلك لوجب أن يقتل ، ويأخذ الدية .
فلما لم يكن له بعد قتله أخذ الدية دل ذلك على أن الذي كان وجب له خلاف ما قلتم .
وإن قلتم : إن الذي وجب له هو القصاص ، ولكن له أن يأخذ الدية بدلا من ذلك القصاص ، فإنا لا نجد حقا لرجل يكون له أن يأخذ به بدلا بغير رضاء من عليه ذلك الحق ، فبطل هذا المعنى أيضا .
وإن قلتم : إن الذي وجب له أحد أمرين : إما القصاص ، وإما الدية ، يأخذ منهما ما أحب ، ولم يجب له أن يأخذ واحدا منهما دون الآخر .
فإنه ينبغي إذا عفا عن أحدهما بعينه أن لا يجوز عفوه ؛ لأن حقه لم يكن هو المعفو عنه بعينه ، فيكون له إبطاله إنما كان له أن يختاره فيكون هو حقه ، أو يختار غيره فيكون هو حقه ، فإذا عفا عن أحدهما قبل اختياره إياه ، وقبل وجوبه له بعينه فعفوه باطل .
ألا ترى أن رجلا لو جرح أبوه عمدا فعفا عن جارح أبيه ، ثم مات أبوه من تلك الجراحة ، ولا وارث له غيره أن عفوه باطل ؛ لأنه إنما عفا قبل وجوب المعفو عنه له .
فلما كان ما ذكرنا كذلك ، وكان العفو من القاتل قبل اختياره القصاص أو الدية جائزا ثبت بذلك
[ ص: 179 ] أن القصاص قد كان وجب له بعينه قبل عفوه عنه ، ولولا وجوبه له إذا لما كان له إبطاله بعفوه ، كما لم يجز عفو الابن عن دم أبيه قبل وجوبه له .
ففي ثبوت ما ذكرنا وانتفاء هذه الوجوه التي وصفنا ما يدل أن الواجب على القاتل عمدا أو الجارح عمدا هو القصاص لا غير ذلك من دية وغيرها ، إلا أن يصلح هو إن كان حيا ، أو وارثه إن كان ميتا ، والذي وجب ذلك عليه على شيء ، فيكون الصلح جائزا على ما اصطلحا عليه من دية أو غيرها .
وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين .
4996 - فَإِذَا
nindex.php?page=showalam&ids=15551أَبُو بَكْرَةَ nindex.php?page=showalam&ids=12391وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَدْ حَدَّثَانَا ، قَالَا : ثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16424عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ . ( ح ) .
وَحَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12391إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، قَالَ : ثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13748مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ ، قَالَا : ثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15767حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=652504nindex.php?page=treesubj&link=24359_31543_33071_9131_9186_9241_9326_9401أَنَّ عَمَّتَهُ الرُّبَيِّعَ لَطَمَتْ جَارِيَةً فَكَسَرَتْ ثَنِيَّتَهَا ، فَطَلَبُوا إِلَيْهِمُ الْعَفْوَ فَأَبَوْا ، وَالْأَرْشَ فَأَبَوْا إِلَّا الْقِصَاصَ .
[ ص: 177 ] فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِصَاصِ .
فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ ، لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَنَسُ ، كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ . فَرَضِيَ الْقَوْمُ ، فَعَفَوْا .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ . يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ .
فَلَمَّا كَانَ الْحُكْمُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
الرُّبَيِّعِ لِلْمَنْزُوعَةِ ثَنِيَّتُهَا هُوَ الْقِصَاصُ ، وَلَمْ يُخَيِّرْهَا بَيْنَ الْقِصَاصِ وَأَخْذِ الدِّيَةِ ، وَهَاجَ
أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ حِينَ أَبَى ذَلِكَ ، فَقَالَ : يَا
أَنَسُ ، كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ ، فَعَفَا الْقَوْمُ ، فَلَمْ يَقْضِ لَهُمْ بِالدِّيَةِ .
ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَجِبُ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ فِي الْعَمْدِ هُوَ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَجِبُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْخِيَارُ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَبَيْنَ الْعَفْوِ مِمَّا يَأْخُذُ بِهِ الْجَانِي إِذًا لَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَأَعْلَمَهَا مَا لَهَا أَنْ تَخْتَارَهُ مِنْ ذَلِكَ .
أَلَا تَرَى أَنَّ حَاكِمًا لَوْ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فِي شَيْءٍ ، يَجِبُ لَهُ فِيهِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ ، فَثَبَتَ عِنْدَهُ حَقُّهُ ، أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ لَهُ بِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ دُونَ الْآخَرِ ، وَإِنَّمَا يَحْكُمُ لَهُ بِأَنْ يَخْتَارَ مَا أَحَبَّ مِنْ كَذَا وَمِنْ كَذَا ، فَإِنْ تَعَدَّى ذَلِكَ فَقَدْ قَصُرَ عَنْ فَهْمِ الْحُكْمِ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْكَمُ الْحُكَمَاءِ .
فَلَمَّا حَكَمَ بِالْقِصَاصِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِي فِي مِثْلِ ذَلِكَ هُوَ الْقِصَاصُ لَا غَيْرُهُ .
فَلَمَّا ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ يُعْطَفَ عَلَيْهِ حَدِيثُ
أَبِي شُرَيْحٍ nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .
فَيُجْعَلَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمَا : فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَعْفُوَ ، أَوْ بَيْنَ أَنْ يَقْتَصَّ ، أَوْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ عَلَى الرِّضَاءِ مِنَ الْجَانِي بِغُرْمِ الدِّيَةِ ، حَتَّى تَتَّفِقَ مَعَانِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ ، وَمَعْنَى حَدِيثِ
أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَإِنَّ النَّظَرَ يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى ، وَذَلِكَ أَنَّ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَسْتَحْيُوا أَنْفُسَهُمْ .
فَإِذَا قَالَ الَّذِي لَهُ سَفْكُ الدَّمِ : ( قَدْ رَضِيتُ بِأَخْذِ الدِّيَةِ ، وَتَرْكِ سَفْكِ الدَّمِ ) وَجَبَ عَلَى الْقَاتِلِ اسْتِحْيَاءُ نَفْسِهِ ، فَإِذَا وَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ كَرِهَ .
فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَنَّ عَلَى النَّاسِ اسْتِحْيَاءَ أَنْفُسِهِمْ كَمَا ذَكَرْتُ بِالدِّيَةِ ، وَبِمَا جَاوَزَ الدِّيَةَ ، وَجَمِيعَ مَا يَمْلِكُونَ .
وَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ قَالَ لِلْقَاتِلِ : ( قَدْ رَضِيتُ أَنْ آخُذَ دَارَكَ هَذِهِ عَلَى أَنْ لَا أَقْتُلَكَ ) أَنَّ الْوَاجِبَ
[ ص: 178 ] عَلَى الْقَاتِلِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَسْلِيمُ ذَلِكَ لَهُ وَحَقْنُ دَمِ نَفْسِهِ ، فَإِنْ أَبَى لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ ذَلِكَ كُرْهًا ، فَيُدْفَعُ إِلَى الْوَلِيِّ .
فَكَذَلِكَ الدِّيَةُ إِذَا طَلَبَهَا الْوَلِيُّ ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ أَنْ يَسْتَحِييَ نَفْسَهُ بِهَا ، وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ كُرْهًا .
ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى أَهْلِ الْمَقَالَةِ الْأُولَى فِي قَوْلِهِمْ : ( إِنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ الْجَانِي ) .
فَنَقُولُ لَهُمْ : لَيْسَ يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ :
إِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ هُوَ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ جَمِيعًا ، فَإِذَا عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ فَأَبْطَلَهُ بِعَفْوِهِ ، كَانَ لَهُ أَخْذُ الدِّيَةِ .
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي وَجَبَ لَهُ هُوَ الْقِصَاصُ خَاصَّةً ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ الْقِصَاصِ .
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي وَجَبَ لَهُ هُوَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ ، إِمَّا الْقِصَاصُ ، وَإِمَّا الدِّيَةُ ، يَخْتَارُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ ، لَيْسَ يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْوُجُوهِ .
فَإِنْ قُلْتُمُ : الَّذِي وَجَبَ لَهُ هُوَ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ جَمِيعًا ، فَهَذَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُوجِبْ عَلَى أَحَدٍ فَعَلَ فِعْلًا أَكْثَرَ مِمَّا فَعَلَ ، فَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=45وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ .
فَلَمْ يُوجِبِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَحَدٍ بِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ أَكْثَرَ مِمَّا فَعَلَ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يُقْتَلَ ، وَيَأْخُذَ الدِّيَةَ .
فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَ قَتْلِهِ أَخَذُ الدِّيَةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الَّذِي كَانَ وَجَبَ لَهُ خِلَافُ مَا قُلْتُمْ .
وَإِنْ قُلْتُمْ : إِنَّ الَّذِي وَجَبَ لَهُ هُوَ الْقِصَاصُ ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ الْقِصَاصِ ، فَإِنَّا لَا نَجِدُ حَقًّا لِرَجُلٍ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ بَدَلًا بِغَيْرِ رِضَاءِ مَنْ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْحَقُّ ، فَبَطَلَ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا .
وَإِنْ قُلْتُمْ : إِنَّ الَّذِي وَجَبَ لَهُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ : إِمَّا الْقِصَاصُ ، وَإِمَّا الدِّيَةُ ، يَأْخُذُ مِنْهُمَا مَا أَحَبَّ ، وَلَمْ يَجِبْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ وَاحِدًا مِنْهُمَا دُونَ الْآخَرِ .
فَإِنَّهُ يَنْبَغِي إِذَا عَفَا عَنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ أَنْ لَا يَجُوزَ عَفْوُهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمَعْفُوَّ عَنْهُ بِعَيْنِهِ ، فَيَكُونُ لَهُ إِبْطَالُهُ إِنَّمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَهُ فَيَكُونُ هُوَ حَقَّهُ ، أَوْ يَخْتَارُ غَيْرَهُ فَيَكُونُ هُوَ حَقَّهُ ، فَإِذَا عَفَا عَنْ أَحَدِهِمَا قَبْلَ اخْتِيَارِهِ إِيَّاهُ ، وَقَبْلَ وُجُوبِهِ لَهُ بِعَيْنِهِ فَعَفْوُهُ بَاطِلٌ .
أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ جُرِحَ أَبُوهُ عَمْدًا فَعَفَا عَنْ جَارِحِ أَبِيهِ ، ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ ، وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ أَنَّ عَفْوَهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا عَفَا قَبْلَ وُجُوبِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ لَهُ .
فَلَمَّا كَانَ مَا ذَكَرْنَا كَذَلِكَ ، وَكَانَ الْعَفْوُ مِنَ الْقَاتِلِ قَبْلَ اخْتِيَارِهِ الْقِصَاصَ أَوِ الدِّيَةَ جَائِزًا ثَبَتَ بِذَلِكَ
[ ص: 179 ] أَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ كَانَ وَجَبَ لَهُ بِعَيْنِهِ قَبْلَ عَفْوِهِ عَنْهُ ، وَلَوْلَا وُجُوبُهُ لَهُ إِذًا لَمَا كَانَ لَهُ إِبْطَالُهُ بِعَفْوِهِ ، كَمَا لَمْ يَجُزْ عَفْوُ الِابْنِ عَنْ دَمِ أَبِيهِ قَبْلَ وُجُوبِهِ لَهُ .
فَفِي ثُبُوتِ مَا ذَكَرْنَا وَانْتِفَاءِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي وَصَفْنَا مَا يَدُلُّ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْقَاتِلِ عَمْدًا أَوِ الْجَارِحِ عَمْدًا هُوَ الْقِصَاصُ لَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ دِيَةٍ وَغَيْرِهَا ، إِلَّا أَنْ يَصْلُحَ هُوَ إِنْ كَانَ حَيًّا ، أَوْ وَارِثُهُ إِنْ كَانَ مَيْتًا ، وَالَّذِي وَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عَلَى شَيْءٍ ، فَيَكُونُ الصُّلْحُ جَائِزًا عَلَى مَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ دِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا .
وَهَذَا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=14954وَأَبِي يُوسُفَ nindex.php?page=showalam&ids=16908وَمُحَمَّدٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ .