الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
ألف العلماء في معرفة الصحابة كتبا كثيرة منها معرفة الصحابة nindex.php?page=showalam&ids=13053لأبي حاتم بن حبان البستي ، مختصر في مجلدة ، ومنها كتاب معرفة الصحابة nindex.php?page=showalam&ids=13563لأبي عبد الله بن منده ، وهو كتاب كبير جليل ، وقد ذيل عليه nindex.php?page=showalam&ids=12168الحافظ أبو موسى المديني بذيل كبير ، ومنها الصحابة nindex.php?page=showalam&ids=12181لأبي نعيم الأصبهاني كتاب جليل ، ومنها كتاب الاستيعاب nindex.php?page=showalam&ids=13332لابن عبد البر ، وهو كثير الفوائد وذيل عليه ابن فتحون بذيل في مجلدة ومنهامعرفة الصحابة للعسكري وهو على غير ترتيب الحروف ، وصنف معاجم الصحابة جماعة منهم nindex.php?page=showalam&ids=13890أبو القاسم البغوي ، nindex.php?page=showalam&ids=13433وابن قانع ، nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني ، إلا أن من صنف المعاجم لا يورد غالبا إلا من له رواية ، وإن ذكروا من لا رواية له أيضا وقد صنف أبو الحسن علي بن محمد بن الأثير الجزري كتابا كبيرا سماه أسد الغابة جمع فيه بين كتاب nindex.php?page=showalam&ids=13563ابن منده ، وذيل أبي موسى عليه ، وكتاب أبي نعيم ، والاستيعاب ، وزاد من غيرها أسماء ولم يقع له ذيل ابن فتحون ; لكنه يكرر أسماء الصحابة باعتبار أسمائهم وكناهم ، وباعتبار الاختلاف في أسمائهم ، أو كناهم واختصره جماعة منهم الحافظ أبو عبد الله الذهبي ، في مختصر لطيف وقد ذيلت عليه بعدة أسماء لم تقع له وقد اختلف في nindex.php?page=treesubj&link=21490_29176حد الصحابي من هو ؟ على أقوال [ ص: 120 ] أحدها وهو المعروف المشهور بين أهل الحديث أنه من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في حال إسلامه هكذا أطلقه كثير من أهل الحديث ومرادهم بذلك مع زوال المانع من الرؤية ، كالعمى ، وإلا فمن صحبه - صلى الله عليه وسلم - ولم يره لعارض بنظره nindex.php?page=showalam&ids=100كابن أم مكتوم ونحوه معدود في الصحابة بلا خلاف قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل من صحبه سنة ، أو شهرا ، أو يوما ، أو ساعة ، أو رآه ; فهو من الصحابة وقال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه وفي دخول الأعمى الذي جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مسلما ، ولم يصحبه ، ولم يجالسه ; في عبارة nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري نظر ولو قيل في النظم لاقى النبي كان أولى ; ولكن تبعت فيه عبارة nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح فالعبارة السالمة من الاعتراض أن يقال الصحابي من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مسلما ثم مات على الإسلام ; ليخرج من ارتد ومات كافرا ، كابن خطل ، وربيعة بن أمية ، ومقيس بن صبابة ، ونحوهم وفي دخول من لقيه مسلما ثم ارتد ثم أسلم بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحابة نظر كبير ، فإن الردة محبطة للعمل عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، ونص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم ، وإن كان nindex.php?page=showalam&ids=14345الرافعي قد حكى عنه أنها إنما تحبط بشرط اتصالها بالموت ، وحينئذ فالظاهر أنها محبطة للصحبة المتقدمة ، كقرة بن هبيرة ، nindex.php?page=showalam&ids=185وكالأشعث بن قيس أما من رجع إلى الإسلام في حياته ، كعبد الله بن أبي سرح ، فلا مانع من دخوله في الصحبة بدخوله الثاني في الإسلام ، والله أعلم [ ص: 121 ] فقولي رائي ، اسم فاعل من رأى ، والنبي مضاف إليه nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلما حال من اسم الفاعل ، وذو صحبة خبر المبتدأ ، والمراد برؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - ، رؤيته في حال حياته ، وإلا فلو رآه بعد موته قبل الدفن ، أو بعده ، فليس بصحابي على المشهور ، بل إن كان عاصره ففيه الخلاف الآتي ذكره وإن كان ولد بعد موته فليست له صحبة بلا خلاف .واحترزت بقولي مسلما عما لو رآه وهو كافر ثم أسلم بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه ليس بصحابي على المشهور ، كرسول قيصر ، وقد خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في المسند ، وكعبد الله بن صياد ، إن لم يكن هو الدجال وقد عده في الصحابة ، كذلك أبو بكر بن فتحون في ذيله على الاستيعاب وحكي أن nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري ، وغيره ترجم به هكذا وقولهم من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، هل المراد رآه في حال نبوته ، أو أعم من ذلك ؟ حتى يدخل من رآه قبل النبوة ، ومات قبل النبوة على دين الحنيفية كزيد بن عمرو بن نفيل فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - إنه يبعث أمة وحده وقد ذكره في الصحابة nindex.php?page=showalam&ids=13563أبو [ ص: 122 ] عبد الله بن منده وكذلك لو رآه قبل النبوة ثم غاب عنه ، وعاش إلى بعد زمن البعثة ، وأسلم ثم مات ، ولم يره ولم أر من تعرض لذلك ، ويدل على أن المراد من رآه بعد نبوته أنهم ترجموا في الصحابة لمن ولد للنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد النبوة ، كإبراهيم ، وعبد الله ، ولم يترجموا لمن ولد قبل النبوة ومات قبلها كالقاسم وكذلك أيضا ما المراد بقولهم من رآه ؟ هل المراد رؤيته له مع تمييزه ، وعقله ؟ حتى لا يدخل الأطفال الذين حنكهم ولم يروه بعد التمييز ، ولا من رآه وهو لا يعقل ، أو المراد أعم من ذلك ؟ ويدل على اعتبار التمييز مع الرؤية ما قاله شيخنا الحافظ أبو سعيد بن العلائي في كتاب المراسيل في ترجمة nindex.php?page=showalam&ids=16411عبد الله بن الحارث بن نوفل حنكه النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعا له ولا صحبة له بل ولا رؤية أيضا ، وحديثه مرسل قطعا وكذلك قال في ترجمة عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري حنكه ودعا له ، ولا تعرف له رؤية ، بل هو تابعي وحديثه مرسل. والقول الثاني أنه من طالت صحبته له ، وكثرت مجالسته على طريق التبع له والأخذ عنه حكاه nindex.php?page=showalam&ids=11908أبو المظفر السمعاني ، عن الأصوليين ، وقال إن اسم الصحابي يقع على ذلك من حيث اللغة والظاهر ، قال وأصحاب الحديث يطلقون اسم الصحبة على كل من روى عنه حديثا ، أو كلمة ، ويتوسعون حتى يعدون من رآه رؤية من [ ص: 123 ] الصحابة ، قال وهذا لشرف منزلة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أعطوا كل من رآه حكم الصحبة هكذا حكاه nindex.php?page=showalam&ids=11908أبو المظفر السمعاني عن الأصوليين ، وهو قول لبعضهم ، حكاه nindex.php?page=showalam&ids=14552الآمدي nindex.php?page=showalam&ids=12671وابن الحاجب ، وغيرهما وبه جزم ابن الصباغ في العدة فقال الصحابي هو الذي لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأقام عنده ، واتبعه ، فأما من وفد عليه وانصرف عنه من غير مصاحبة ، ومتابعة ، فلا ينصرف إليه هذا الاسم وقال القاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني لا خلاف بين أهل اللغة أن الصحابي مشتق من الصحبة ، وأنه ليس بمشتق من قدر منها مخصوص ، بل هو جار على كل من صحب غيره قليلا كان ، أو كثيرا ، يقال صحبت فلانا حولا ودهرا وسنة وشهرا ويوما وساعة ، قال وذلك يوجب في حكم اللغة إجراءها على من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ساعة من نهار هذا هو الأصل في اشتقاق الاسم ومع ذلك فقد تقرر للأئمة عرف في أنهم لا يستعملون هذه التسمية إلا فيمن كثرت صحبته ، واتصل لقاؤه ولا يجرون ذلك على من لقي المرء ساعة ، ومشى معه خطى وسمع منه حديثا فوجب لذلك ألا يجري هذا الاسم في عرف الاستعمال إلا على من هذه حاله وقال الآمدي الأشبه أن الصحابي من رآه. [ ص: 124 ] وحكاه عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، وأكثر أصحابنا ، واختاره nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب أيضا ; لأن الصحبة تعم القليل والكثير ، نعم في كلام nindex.php?page=showalam&ids=12013أبي زرعة الرازي ، وأبي داود ما يقتضي أن الصحبة أخص من الرؤية ، فإنهما قالا في nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب له رؤية ، وليست له صحبة وكذلك ما رويناه عن nindex.php?page=showalam&ids=16274عاصم الأحول قال قد رأى nindex.php?page=showalam&ids=147عبد الله بن سرجس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير أنه لم تكن له صحبة ، ويدل على ذلك أيضا ما رواه محمد بن سعد في الطبقات عن علي بن محمد عن nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ، عن موسى السيلاني ، قال أتيت nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك ، فقلت أنت آخر من بقي من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال قد بقي قوم من الأعراب ، فأما من أصحابه فأنا آخر من بقي انتهى قال nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح إسناده جيد حدث به nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بحضرة أبي زرعة والجواب عن ذلك أنه أراد إثبات صحبة خاصة ليست لتلك الأعراب ، وكذا أراد أبو زرعة وأبو داود نفي الصحبة الخاصة دون العامة. وقولي ولم يثبت أي وليس هو الثبت الذي عليه العمل عند أهل الحديث والأصول [ ص: 125 ] والقول الثالث وهو ما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب أنه كان لا يعد الصحابي إلا من أقام مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة أو سنتين ، وغزا معه غزوة أو غزوتين ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح وكأن المراد بهذا إن صح عنه راجع إلى المحكي عن الأصوليين ; ولكن في عبارته ضيق يوجب ألا يعد من الصحابة nindex.php?page=showalam&ids=97جرير بن عبد الله البجلي ومن شاركه في فقد ظاهر ما اشترطه فيهم ، ممن لا نعلم خلافا في عده من الصحابة قلت ولا يصح هذا عن nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب ففي الإسناد إليه محمد بن عمر الواقدي ضعيف في الحديث والقول الرابع أنه يشترط مع طول الصحبة الأخذ عنه حكاه nindex.php?page=showalam&ids=14552الآمدي عن عمرو بن يحيى ، فقال ذهب إلى أن هذا الاسم إنما يسمى به من طالت صحبته للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأخذ عنه العلم وحكاه ابن الحاجب أيضا قولا ، ولم يعزه لعمرو بن يحيى ; ولكن أبدل الرواية بالأخذ عنه ، وبينهما فرق وعمرو هذا الظاهر أنه الجاحظ ، فقد ذكر الشيخ أبو إسحاق في اللمع أن أباه اسمه يحيى ، وذلك وهم ، وإنما هو عمرو بن بحر أبو عثمان الجاحظ من أئمة المعتزلة ، قال فيه ثعلب إنه غير ثقة ، ولا مأمون ، [ ص: 126 ] ولم أر هذا القول لغير عمرو هذا وكأن nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب أخذ هذا القول من كلام nindex.php?page=showalam&ids=14552الآمدي ، ولذلك أسقطته من الخلاف في حد الصحابي تبعا لابن الصلاح والقول الخامس أنه من رآه مسلما بالغا عاقلا حكاه nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي عن أهل العلم فقال رأيت أهل العلم يقولون كل من رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد أدرك الحلم ، فأسلم ، وعقل أمر الدين ورضيه فهو عندنا ممن صحب النبي - صلى الله عليه وسلم .- ولو ساعة من نهار ، انتهى والتقييد بالبلوغ شاذ.والقول السادس أنه من أدرك زمنه - صلى الله عليه وسلم - ، وهو nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، وإن لم يره وهوقول يحيى بن عثمان بن صالح المصري فإنه قال وممن دفن ، أي بمصر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن أدركه ولم يسمع منه nindex.php?page=showalam&ids=11954أبو تميم الجيشاني ، واسمه عبد الله بن مالك انتهى وإنما هاجر أبو تميم إلى المدينة في خلافة nindex.php?page=showalam&ids=2عمر باتفاق أهل السير وممن حكى هذا القول من الأصوليين القرافي في شرح التنقيح وكذلك إن كان صغيرا محكوما بإسلامه تبعا لأحد أبويه ، وعلى هذا عمل nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر في الاستيعاب nindex.php?page=showalam&ids=13563وابن منده في معرفة الصحابة ، وقد بين nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر في ترجمة nindex.php?page=showalam&ids=13669الأحنف بن قيس أن ذلك شرطه وقال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر في مقدمة كتابه وبهذا كله يستكمل القرن الذي أشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=51عبد الله بن أبي أوفى صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد بذلك تفسير القرن ، قلت وإنما هو قول nindex.php?page=showalam&ids=15917زرارة بن أوفى من التابعين القرن مائة وعشرون سنة ، وهكذا رواه هو قبل ذلك بأربع ورقات ، كل ذلك في مقدمة الاستيعاب [ ص: 127 ] وقد اختلف أهل اللغة في مدة القرن ، فقال الجوهري هو ثمانون سنة ، قال ويقال ثلاثون وحكى صاحب المحكم فيه ستة أقوال قيل عشر سنين ، وقيل عشرون ، وقيل ثلاثون ، وقيل ستون ، وقيل سبعون ، وقيل أربعون ، قال وهو مقدار أهل التوسط في أعمار أهل الزمان ، فالقرن في كل قوم على مقدار أعمارهم. فعلى هذا يكون ما بين الستين والسبعين ، كما رواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي في الحديث المرفوع nindex.php?page=hadith&LINKID=665843أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين وأما ابتداء قرنه - صلى الله عليه وسلم - فالظاهر أنه من حين البعثة ، أو من حين فشو الإسلام فعلى قول nindex.php?page=showalam&ids=15917زرارة بن أوفى قد استوعب القرن جميع من رآه ، وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=13563ابن منده في الصحابة من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11788عبد الله بن بسر مرفوعا القرن مائة سنة