الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والثاني : إسقاط الجاه والمنزلة وإظهار العبودية والمسكنة والتبري عن الكبرياء ودعوى الاستغناء وإسقاط النفس من أعين الخلق .

قال بعض العارفين لتلميذه أظهر الأخذ على كل حال إن كنت آخذا ؛ فإنك لا تخلو عن أحد رجلين :

رجل تسقط من قلبه إذا فعلت ذلك ، فذلك هو المراد لأنه أسلم لدينك وأقل لآفات نفسك أو رجل تزداد في قلبه بإظهارك الصدق فذلك الذي يريده أخوك ؛ لأنه يزداد ثوابا بزيادة حبه لك وتعظيمه إياك فتؤجر أنت ؛ إذ كنت سبب مزيد ثوابه .

الثالث : هو أن العارف لا نظر له إلا إلى الله عز وجل ، والسر والعلانية في حقه واحد فاختلاف الحال شرك في التوحيد قال بعضهم كنا لا نعبأ بدعاء من يأخذ في السر ويرد في العلانية .

والالتفات إلى الخلق حضروا أم غابوا نقصان في الحال بل ينبغي أن يكون النظر مقصور على الواحد الفرد .

حكي أن بعض الشيوخ كان كثير الميل إلى واحد من جملة المريدين فشق على الآخرين فأراد أن يظهر لهم فضيلة ذلك المريد فأعطى كل واحد منهم دجاجة وقال : لينفرد كل واحد منكم بها وليذبحها حيث لا يراه أحد فانفرد كل واحد وذبح إلا ذلك المريد فإنه رد الدجاجة فسألهم فقالوا : فعلنا ما أمرنا به الشيخ ، فقال الشيخ للمريد : ما لك لم تذبح كما ذبح أصحابك ؟ فقال ذلك المريد : لم أقدر على مكان لا يراني فيه أحد ؛ فإن الله يراني في كل موضع فقال الشيخ لهذا أميل إليه ؛ لأنه لا يلتفت لغير الله عز وجل .

التالي السابق


(والثاني: إسقاط الجاه والمنزلة) عند الناس (وإظهار العبودية) أي: الذل (والمسكنة والتبري عن الكبرياء) والعظمة، (ودعوى الاستغناء) عن الخلق (وإسقاط النفس من أعين الخلق) فإنه إذا رد وزهد لزمته هذه الأوصاف الذميمة من الجاه والمنزلة والتلبيس والرياء والكبر والدعوى والرعونة وغير ذلك، فإذا أخذ سلم من ذلك، وقد قال تعالى: لا تكلف إلا نفسك قالوا: فليس علينا إذا علمنا سلامتنا وحكم حالنا من إسقاط جاهنا بالأخذ علانية ما وراء ذلك من أقوال الناس، يتولى الله عز وجل من ذلك ما به ابتلاء، (قال بعض العارفين لتلميذه) ، ولفظ القوت: قال بعض المريدين: سألت أستاذي، وكان أحد العارفين، عن إظهاري للسبب أفضل أو إخفاؤه؟ فقال: (أظهر الأخذ على كل حال إن كنت آخذا؛ فإنك لا تخلو عن أحد رجلين: رجل تسقط من قلبه إذا فعلت ذلك، فذلك هو المراد) أي: الذي تريد (لأنه أسلم لدينك وأقل لآفات نفسك) ، وينبغي أن تعمل في ذلك، فقد جاءك بلا تكلف، (أو رجل تزداد) وترتفع (في قلبه بإظهارك الصدق) من حالك، (فذلك) هو (الذي يريده أخوك؛ لأنه يزداد ثوابه بزيادة حبه لك وتعظيمه إياك فتؤجر أنت؛ إذ كنت سبب مزيد ثوابه) ، وينبغي أن تعمل في ذلك، (الثالث: هو أن العارف) الكامل (لا نظر له) في الأمور كلها (إلا إلى الله تعالى، والسر والعلانية في حقه واحد) ؛ لأن المعبود فيها واحد، (فاختلاف الحال) في فعل أحدهما (شرك في التوحيد) ، وهذا القول الذي جعله المصنف معنى من المعاني الأربعة نقله صاحب القوت عن بعضهم، (قال بعضهم) أي: بعض العارفين: (كنا لا نعبأ بدعاء من يأخذ في السر ويرد في العلانية) ، نقله صاحب القوت، (والالتفات إلى الخلق حضروا أو غابوا نقصان في الحال) عند السالكين، (بل ينبغي أن يكون النظر مقصورا على الواحد الفرد) جل جلاله، ولا يلتفت إلا إليه، ولا يعبأ بسواه في ذلك، (حكي عن بعض الشيوخ) من أهل الطريق أنه (كان كثير الميل) والمحبة (إلى واحد من جملة المريدين) خاصة، (فشق على الآخرين ذلك) بمقتضى ما جبلوا عليه، ورأى الشيخ ذلك منهم (فأراد أن يظهر لهم فضيلة ذلك المريد) وما خصه الله به من الكمال في المعرفة، فامتحنهم، (فأعطى كل واحد منهم دجاجة) بالفتح ويكسر، طائر معروف، (وقال: لينفرد كل واحد منكم بها ليذبحها حيث لا يراه أحد) ، فأخذوا ذلك، (فانفرد كل واحد منهم وذبح دجاجته إلا ذلك المريد) المحسود، (فإنه رد دجاجته) من غير ذبح، (فسألهم فقالوا: فعلنا ما أمرنا به الشيخ، فقال الشيخ للمريد: ما لك لم تذبح كما ذبح أصحابك؟ فقال ذلك المريد: لم أقدر على مكان لا يراني فيه أحد؛ فإن الله سبحانه وتعالى يراني في كل موضع) ، وفي بعض النسخ: لم أقدر على ذلك؛ فإن الله سبحانه وتعالى كان يراني في كل موضع، (فقال الشيخ) مخاطبا لهم: (لهذا أميل إليه؛ لأنه لا يلتفت إلى غير الله عز وجل) ، فمثل هذا يحب؛ فإنه إذا كان في ابتداء سلوكه قد وصل إلى هذه المعرفة، يرجى له الترقي فوق ذلك، وهكذا كان مشايخ السلف إذا رأوا نجيبا في السلوك أحبوه وقربوه .




الخدمات العلمية