الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
السادس البكاء البكاء مستحب مع القراءة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اتلوا القرآن ، وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا وقال صلى الله عليه وسلم : ليس منا من لم يتغن بالقرآن وقال صالح المري قرأت القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ، فقال لي : يا صالح هذه القراءة فأين البكاء وقال ابن عباس رضي الله عنهما إذا قرأتم سجدة سبحان فلا تعجلوا بالسجود حتى تبكوا فإن لم تبك عين أحدكم فليبك قلبه وإنما طريق تكلف البكاء أن يحضر قلبه الحزن فمن الحزن ينشأ البكاء قال صلى الله عليه وسلم : إن القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فتحازنوا ووجه إحضار الحزن أن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد والمواثيق والعهود ، ثم يتأمل تقصيره في أوامره وزواجره فيحزن لا محالة ، ويبكي فإن لم يحضره حزن وبكاء ، كما يحضر أرباب القلوب الصافية فليبك على فقد الحزن ، والبكاء فإن ذلك أعظم المصائب .

التالي السابق


(السادس البكاء) فهو (مستحب مع القراءة) ، والتباكي لمن لا يقدر عليه، والحزن، والخشوع قال الله تعالى ويخرون للأذقان يبكون .

وفي الصحيحين حديث قراءة ابن مسعود على النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه إذا عيناه تذرفان، (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتلوا القرآن، وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا ) ، قال العراقي: رواه ابن ماجه من حديث سعد بن أبي وقاص بإسناد جيد اهـ .

قلت: رواه عن عبد الله بن أحمد عن الوليد بن مسلم، حدثنا إسماعيل بن رافع، حدثني ابن أبي مليكة، عن عبد الرحمن بن السائب، قال: قدم علينا سعد بن مالك - رضي الله عنه - بعد ما كف بصره فأتيته مسلما، فانتسبت له، فقال: مرحبا يا ابن أخي بلغني أنك حسن الصوت بالقرآن، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، وتغنوا به، فمن لم يتغن فليس منا"، رواه أبو يعلى الموصلي، عن عمرو الناقد، عن الوليد بن مسلم، ورواه محمد بن نصر في قيام الليل، عن الهيثم بن خارجة، عن الوليد بن مسلم، وإسماعيل بن رافع ضعيف، وقد تابعه عبد الرحمن المليكي، وهو مثله في الضعف، عن ابن أبي مليكة، ولكن خالف في اسم ابن السائب أخرجه أبو عوانة، ومحمد بن نصر، وابن أبي داود من طريق المليكي، فقال الأولان: عن عبد الله بن السائب عن سعد، وقال ابن أبي داود في روايته عن عبد الله بن عبد الله بن السائب بن نهيك، وبعض رواته، قال عبيد الله بن أبي نهيك: والاضطراب فيه في اسم التابعي، ونسبه، واختلف عليه أيضا في اسم شيخه فالأكثر أنه سعد بن مالك، وهو ابن أبي وقاص، وقيل عن سعيد بدل سعد، وقيل عن أبي لبابة.

وقيل عن عائشة، والراجح قول من قال عن سعد وله شاهد عند الطبراني قال: حدثنا عبد الرحمن بن معاوية العبسي، حدثنا حبان بن نافع، حدثنا صخر، حدثنا سعيد بن سالم القداح، حدثنا صخر بن الحسن، حدثنا بكر بن خنيس، حدثنا أبو شيبة عن عبد الملك بن عمير، عن جرير - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني قارئ عليكم من آخر سورة الزمر فمن بكى منكم، وجبت له الجنة، فقرأ من عند قوله وما قدروا الله حق قدره إلخ فمنا من بكى، ومنا لم يبك، فقال: الذين لم يبكوا قد جهدنا يا رسول الله أن نبكي فلم نبك فقال: إني سأقرؤها عليكم فمن لم يبك فليتباك أبو شيبة اسمه عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي.

وقد روى بعض هذا المتن هشام، عن أبي شيبة، وهو أوثق من بكر بن خنيس فأرسله، قال أبو عبيد: حدثنا هشام عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن عبد الملك بن عمير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني قارئ عليكم سورة من بكى فله الجنة، فقرأ فلم يبكوا حتى أعاد الثانية، فقال: ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا، (وقال صلى الله عليه وسلم: ليس منا من لم يتغن بالقرآن) ، قال العراقي: رواه البخاري من حديث أبي هريرة اهـ .

قلت وأخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان ، والحاكم من رواية عمرو بن دينار، والليث بن سعد كلاهما، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص، وأخرجه أبو داود أيضا، عن أبي لبابة بن عبد المنذر والحاكم أيضا، عن ابن عباس وعائشة.

وقد ذكر الاختلاف فيه قريبا في الحديث الذي قبله إذ هذا الحديث عند بعضهم بعض الحديث المتقدم، وسيأتي تحقيق معناه في الأدب العاشر قريبا، (وقال صالح المري) من زهاد البصرة تقدمت ترجمته في كتاب العلم: (قرأت القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: يا صالح هذه القراءة فأين البكاء) ؟ ولفظ القوت، وقال ثابت البناني: رأيت في النوم كأني أقرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن فلما فرغت قال هذه القراءة فأين البكاء؟ (وقال ابن عباس) رضي الله عنهما (إذا قرأتم سجدة سبحان فلا تعجلوا بالسجود حتى تبكوا فإن لم تبك عين أحدكم فليبك قلبه) ، نقله صاحب القوت، وزاد فبكاء القلب حزنه، وخشيته أي فإن لم تبكوا بكاء العلماء، عن الفهم فلتحزن قلوبكم على فقد البكاء، وليخش كيف لم يوجد فيكم؟ وصف أهل العلم .

وقد روينا في غرائب التفسير من معنى قوله تعالى: وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار ، قال: هي العين الكثيرة البكاء، وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء ، قال: هي العين [ ص: 480 ] القليلة البكاء، وإن منها لما يهبط من خشية الله قال: هو بكاء القلب من غير دموع عين، (وإنما طريق تكلف البكاء أن يحضر قلبه الحزن فمن الحزن ينشأ البكاء قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فتحازنوا) ، قال العراقي: رواه أبو يعلى وأبو نعيم في الحلية من حديث ابن عمر بسند ضعيف اهـ .

قلت: تقدم قريبا أن أبا يعلى رواه من حديث سعد بن مالك بلفظ: إن هذا القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا، وتقدم الاختلاف فيه .

وقال أبو بكر الآجري في فوائده حدثنا جعفر الفريابي، حدثنا إسماعيل بن سيف بن عطاء الرياحي، حدثنا عدن بن عمر، وحدثنا سعيد الجريري، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه رفعه: اقرءوا القرآن بالحزن فإنه نزل بالحزن، وأخرجه أبو يعلى، عن إسماعيل بن سيف على الموافقة، وعند الطبراني في الكبير، عن ابن عباس رفعه: أحسن الناس قراءة من إذا قرأ القرآن يتحزن به، (ووجه إحضار الحزن أن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد والزجر والوثائق والعهود، ثم يتأمل القارئ تقصيره في أوامره وزواجره فيحزن لذلك لا محالة، ويبكي فإن لم يحضره حزن وبكاء، كما يحضر أرباب القلوب الصافية) من الأكدار (فليبك على فقد الحزن، والبكاء فإن ذلك أعظم المصائب) ، وتقدم هذا عن صاحب القوت .

وقال النووي في شرح المهذب مثل ذلك قال: وطريقه في تحصيل البكاء أن يتأمل ما يقرأ من التهديد والوعيد الشديد، والمواثيق، والعهود، ثم يفكر في تقصيره فيها فإن لم يحضره عند ذلك حزن وبكاء فليبك على فقد ذلك، فإنه من المصائب .




الخدمات العلمية