الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإن قلت : فبم تعرف هذه الصفات ؟ قلنا أما الفقر والمسكنة فيقول الآخذ ولا يطالب ببينة ولا يحلف بل يجوز اعتماد قوله إذا لم يعلم كذبه .

وأما الغزو والسفر فهو أمر مستقبل فيعطى بقوله : إني غاز فإن لم يف به استرد وأما بقية الأصناف فلا بد فيها من البينة فهذه شروط الاستحقاق وأما مقدار ما يصرف إلى كل واحد فسيأتي .

التالي السابق


ثم أشار المصنف إلى كيفية الصرف إلى المستحقين، وفيما يعول عليه في صفاتهم بالاختصار في صورة سؤال وجواب، فقال: ( (فإن قلت : فبم تعرف هذه الصفات؟ قلنا) قال الأصحاب: من طلب الزكاة وعلم الإمام أنه ليس مستحقا لم يجز الصرف إليه، وإن علم استحقاقه جاز، ولم يخرجوه عن القضاء بعلمه، وإن لم يعرف حاله فالصفات قسمان: خفية وجلية، وقد أشار إلى القسم الأول بقوله: (أما الفقر والمسكنة فيقول الآخذ ولا يطالب) مدعيهما (ببينة) لعسرها؛ لأنهما من الصفات الخفية لكن إن عرف له مال فادعى هلاكه طولب بالبينة لسهولتها، ولم يفرقوا بين دعواه الهلاك بسبب خفي كالسرقة أو ظاهر كالحريق، وإن قال: لي عيال لا يفي كسبي بكفايتهم. طولب بالبينة على العيال على الأصح، ولو قال: لا كسب لي. وحاله يشهد بصدقه، فإن كان شيخا كبيرا أو زمنا أعطي بلا نية (ولا يحلف) ، وإن كان قويا جلدا (بل يجوز اعتماد قوله إذا لم يعلم كذبه) بشهادة الحال، أو قال: لا مال لي، واتهمه الإمام، فهل يحلف؟ وجهان؛ أصحهما: لا، فإن حلفناه فهل هو واجب أو مستحب؟ وجهان؛ فإن نكل وقلنا: اليمين واجبة لم يعط، وإن قلنا: مستحبة، أعطي، فهذا ما يتعلق بالصفات الخفية، وأما الصفة الجلية فضربان: أحدهما: يتعلق الاستحقاق فيه بمعنى في المستقبل. وإليه أشار المصنف بقوله: (وأما الغزو والسفر فهو أمر مستقبل فيعطى) الغازي (بقوله: إني غاز) ، وابن السبيل بقوله: إني مسافر، بلا بينة ولا يمين، (فإن لم يف) الغازي ولم يحقق الموعود (به) بأن لم يخرج للغزو (استرد) منه، وكذا ابن السبيل، وجمعهما المصنف في ضمير واحد؛ لاتحاد الحكم مع جامعية السفر، فإن الغزو أيضا سفر، ولم يتعرض الجمهور لبيان القدر الذي يحتمل تأخير الخروج فيه، وقدره السرخسي في أماليه بثلاثة أيام، فإن انقضت ولم يخرج استرد منه، ويشبه أن يكون هذا على التقريب، وأن يعتبر ترصده وكون التأخير لانتظار الرفقة وتحصيل الأهبة وغيرهما. الضرب الثاني: يتعلق الاستحقاق فيه بمعنى في الحال، ويدخل فيه بقية الأصناف، وإليه أشار المصنف بقوله: (وأما بقية الأصناف فلابد فيها من البينة) فإذا ادعى العامل العمل طولب بالبينة لسهولتها، ويطالب بها المكاتب والغارم، فلو صدقهما المولى وصاحب الدين كفى [ ص: 154 ] على الأصح، ولو كذبه المقر له لغي الإقرار، وأما المؤلف قلبه فإن قال: نيتي في الإسلام ضعيفة، قبل قوله؛ لأن كلامه يصدقه، وإن قال: أنا شريف مطاع في قومي، طولب بالبينة، كذا فصله جمهور الأصحاب، ومنهم من أطلق أنه يطالب بالبينة، ويقوم مقام البينة الاستفاضة بإشهار الحال بين الناس لحصول العلم أو غلبة الظن، ويشهد لما ذكرنا من اعتبار غلبة الظن ثلاثة أمور: أحدها: لو أخبر عن الحال واحد يعتمد قوله كفى. قاله بعض الأصحاب، الثاني: قال الإمام: رأيت للأصحاب رمزا إلى تردد في أنه لو حصل الوثوق بقول من يدعي الغرم وغلب على الظن صدقه هل يجوز اعتماده؟ الثالث: لا يعتبر في البينة في هذه المواضع سماع القاضي، والدعوى والإنكار والإشهاد، بل المراد اختبار عدلين. حكاه بعض المتأخرين، واعلم أن كلام المصنف في الوسيط يوهم أن إلحاق الاستفاضة بالبينة يختص بالمكاتب، فالغارم، ولكن الوجه تعميم ذلك في كل مطالب بالبينة من الأصناف، والله أعلم .

(فهذه شروط الاستحقاق) وأما قدر ما يعطون فقد أشار إليه المصنف بقوله: (فأما مقدار ما يصرف إلى كل واحد) من هذه الأصناف (فسيأتي) قريبا، ونتكلم عليه هناك إن شاء الله تعالى .




الخدمات العلمية