الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما الوقوف بعرفة فاذكر بما ترى من ازدحام الخلق وارتفاع الأصوات وباختلاف اللغات واتباع الفرق أئمتهم في الترددات على المشاعر اقتفاء لهم وسيرا بسيرهم عرصات القيامة ، واجتماع الأمم مع الأنبياء والأئمة واقتفاء كل أمة نبيها وطمعهم في شفاعتهم وتحيرهم في ذلك الصعيد الواحد بين الرد والقبول وإذا تذكرت ذلك فألزم قلبك ، الضراعة والابتهال إلى الله عز وجل فتحشر في زمرة الفائزين المرحومين وحقق رجاءك ، بالإجابة فالموقف شريف والرحمة إنما تصل من حضرة الجلال إلى كافة الخلق بواسطة القلوب العزيزة من أوتاد الأرض .

ولا ينفك الموقف عن طبقة من الأبدال والأوتاد وطبقة من الصالحين ، وأرباب القلوب فإذا اجتمعت هممهم وتجردت للضراعة والابتهال قلوبهم وارتفعت إلى الله سبحانه أيديهم ، وامتدت إلى أعناقهم ، وشخصت نحو السماء أبصارهم مجتمعين بهمة واحدة على طلب الرحمة فلا تظنن أنه يخيب أملهم ويضيع سعيهم ويدخر عنهم رحمة تغمرهم ولذلك قيل : إن من أعظم الذنوب أن يحضر عرفات ويظن أن الله تعالى لم يغفر له وكأن اجتماع الهمم والاستظهار بمجاورة الأبدال والأوتاد المجتمعين من أقطار البلاد هو سر الحج ، وغاية مقصوده فلا طريق إلى استدرار رحمة الله سبحانه مثل اجتماع الهمم ، وتعاون القلوب في وقت واحد .

التالي السابق


(وأما الوقوف بعرفة فليذكر ما يرى من ازدحام الخلق) ، واجتماعهم، (وارتفاع الأصوات) من كل جهة، (واختلاف اللغات) ، وتباينها، (واتباع الفرق) من الناس (أئمتهم) الذين يتبعونهم (في الترددات على المشاعر) ، أي: المعالم، (اقتفاء لهم) واتباعا (سيرا بسيرهم في عرصات القيامة، واجتماع الأمم مع الأنبياء والأئمة) الهادين المقتدى بهم في الدنيا .

(واقتفاء كل أمة نبيها وطمعهم في شفاعتهم) لهم، (وتحيرهم في ذلك الصعيد الواحد) الأفيح (بين الرد والقبول، فإذا تذكر ذلك فليلزم قلبه الضراعة والابتهال إلى الله تعالى) مع خلوص القلب، (فعساه يحشره في زمرة الفائزين) المقبولين (المرحومين، وليتحقق رجاءه بالإجابة فالموقف شريف) ، والهمم فيه مجتمعة، (والرحمة) العامة، (إنما تصل من حضرة الجلال إلى كافة الخلق بواسطة القلوب العزيزة من أوتاد الأرض) ، وعمدها وأركانها وأنجابها، (ولا ينفك الموقف عن طبقة من الأبدال والأوتاد) والأنجاب 7 والطنائر، (وطبقات من الصالحين، وأرباب القلوب) .

وما [ ص: 453 ] دعاهم الله إلى هذا الموقف للوقوف بين يديه إلا تذكرة لقيام الناس يوم القيامة لرب العالمين، ويتميز الفرق بعضهم من بعض بسيماهم، وإن إتيان الله لهم في هذا الموقف إتيان بمغفرة ورحمة وفضل وإنعام ينال ذلك الفضل الإلهي في هذا اليوم من هو أهله يعني المحرمين بالحج، ومن ليس من أهله ممن شاركهم في الوقوف والحضور في ذلك اليوم وليس بحاج كالجليس مع القوم الذين لا يشقى جليسهم فتعمهم مغفرة الله، ورضوانه (فإذا اجتمعت هممهم وتجردت للضراعة والابتهال قلوبهم) بإخلاصها وتمحيضها، (وارتفعت إلى الله سبحانه أيديهم، وامتدت إليه أعناقهم، وشخصت نحو السماء) الذي هو قبلة الدعاء، (أبصارهم) فرآهم في شئونهم سكارى هائمين نشاوى سارحين (مجتمعين بهمة واحدة على طلب الرحمة) والعفو والغفران (فلا تظنن أنه) سبحانه (يخيب أملهم) الذي أملوه، (ويضيع سعيهم) الذي اعتوروه (ويدخر عنهم رحمة) واسعة (تغمرهم) ، أي: تعمهم .

(ولذلك قيل: إن من أعظم الذنوب أن يحضر عرفات ويظن أن الله لم يغفر له ) ، كما روي ذلك من طريق أهل البيت، وتقدم الكلام عليه آنفا، (وكان اجتماع الهمم) المختلفة، (والاستظهار بمجاورة الأبدال والأوتاد) ، وأرباب القلوب الصالحين، (والمجتمعين من أقطار البلاد) الشاسعة (هو سر الحج، وغاية مقصوده) ، وفي بعض النسخ: وغايته ومقصوده، (فلا طريق إلى استدرار رحمة الله سبحانه) أي: استجلابها، (مثل اجتماع الهمم، وتعاون القلوب في وقت واحد على صعيد واحد) .

ومن هنا قال العارفون: إذا قرئت سورة يس في جوف الليل الذي هو الثلث الأخير لأي حاجة قضيت مع الإخلاص; لأنه اجتمعت فيه ثلاثة قلوب قلب الداعي، وقلب القرآن، وقلب الليل، فإذا كان هذا في قلوب ثلاثة، فما بال آلاف من القلوب مع شرف الموقف، وهو سر جليل .




الخدمات العلمية