الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإذا كان هذا سر الصوم عند أرباب الألباب وأصحاب القلوب فأي جدوى لتأخير أكلة وجمع أكلتين عند العشاء مع الانهماك في الشهوات الأخر طول النهار ولو كان لمثله جدوى فأي معنى لقوله صلى الله عليه وسلم " كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش ولهذا " قال أبو الدرداء يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم كيف لا يعيبون صوم الحمقى وسهرهم ولذرة من ذوي يقين وتقوى أفضل وأرجح من أمثال الجبال عبادة من المغترين ولذلك قال بعض العلماء كم من صائم مفطر وكم من مفطر صائم .

والمفطر الصائم هو الذي يحفظ جوارحه عن الآثام ويأكل ويشرب والصائم المفطر هو الذي يجوع ويعطش ويطلق جوارحه .

ومن فهم معنى الصوم وسره علم أن مثل من كف عن الأكل والجماع وأفطر بمخالطة الآثام كمن مسح على عضو من أعضائه في الوضوء ثلاث مرات فقد وافق في الظاهر العدد إلا أنه ترك المهم وهو الغسل فصلاته مردودة عليه بجهله ومثل من أفطر بالأكل وصام بجوارحه عن المكاره كمن غسل أعضاءه مرة مرة فصلاته متقبلة إن شاء الله لإحكامه الأصل وإن ترك الفضل .

ومثل من جمع بينهما كمن غسل كل عضو ثلاث مرات فجمع بين الأصل والفضل وهو الكمال وقد قال صلى الله عليه وسلم " إن الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته " ولما تلا قوله عز وجل : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وضع يده على سمعه وبصره فقال : " السمع أمانة والبصر أمانة " ولولا أنه من أمانات الصوم لما قال صلى الله عليه وسلم فليقل : إني صائم أي : إني أودعت لساني لأحفظه فكيف أطلقه بجوابك فإذن قد ظهر أن لكل عبادة ظاهرا وباطنا وقشرا ولبا ولقشرها درجات ولكل درجة طبقات فإليك الخيرة الآن في أن تقنع بالقشر عن اللباب أو تتحيز إلى غمار أرباب الألباب .

التالي السابق


(وإذا كان هذا سر الصوم عند أرباب الألباب وأصحاب القلوب فأي جدوى) أي : فائدة (لتأخير أكله) في ضحوة النهار (وجمع أكلتين عند العشاء مع الانهماك في الشهوات الأخر طول النهار فلو كان لذلك جدوى فأي معنى لقوله صلى الله عليه وسلم) الذي تقدم تخريجه : ("كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش ") وكذا قوله -صلى الله عليه وسلم- : "من لم يدع قول الزور والعمل به ليس لله تعالى حاجة بأن يترك طعامه وشرابه " (ولذا قال أبو الدرداء) عويمر بن عامر -رضي الله عنه- (يا حبذا نوم الأكياس) أي : العقلاء (وفطرهم كيف يغبنون صوم الحمقى وسهرهم ولذرة من ذي يقين وتقوى أفضل وأرجح من أمثال الجبال عبادة من المغترين) هكذا أورده صاحب القوت وصاحب العوارف إلا أن صاحب العوارف قال : كيف يغبنون قيام الحمقى وصيامهم ؟ وقال من أمثال الجبال من أعمال المغترين والباقي سواء وفي نص القوت : كيف يبغون قيام الحمقى وصومهم وفي بعض نسخ الكتاب كيف يعيبون ؟ (ولذلك قال بعض العلماء) بالله (كم من صائم مفطر وكم من مفطر صائم والمفطر الصائم هو الذي يحفظ جوارحه عن الآثام و) هو مع ذلك (يأكل ويشرب والصائم المفطر هو الذي يجوع ويعطش ويطلق جوارحه) في الآثام (فمن فهم معنى الصوم وسره علم أن مثل من كف عن الأكل والجماع) أي : صام بجارحتين (وأفطر بمقارفة الآثام) بهذه الجوارح الست أو ببعضها فما ضيع أكثر مما حفظ فهذا مفطر عند العلماء صائم عند نفسه وهو (كمن مسح على عضو من أعضائه في الوضوء ثلاث مرات) ولفظ القوت كل عضو ثلاث مرات (فقد وافق في الظاهر) ولفظ القوت فقد وافق الفضل في العدد (إلا أنه ترك المهم وهو الغسل) ولفظ القوت إلا أنه ترك الفرض من الغسل وصلى (فصلاته مردودة عليه لجهله ومثل من أفطر بالأكل) والجماع (وصام بجوارحه عن المكاره) والمناهي [ ص: 253 ] (كمن غسل أعضاءه مرة مرة) وصلى (فصلاته متقبلة لإحكامه الأصل) وتكميله الفرض وإحسانه في العمل (وإن ترك الفضل) في العدد وهو مفطر للسعة صائم في الفضل (و) مثل (من جمع بينهما) أي : صام عن الأكل والجماع وصام بجوارحه عن الآثام (كمن غسل كل عضو ثلاث مرات فجمع بين الأصل والفضل وهو الكمال) حيث أكمل الأمر والندب ، وهو من المحسنين وعند العلماء من الصائمين وهذا صوم الموصوفين في الكتاب الممدوحين بالذكرى والألباب .

(وقد قال -صلى الله عليه وسلم- : "إنما الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته " ) رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث ابن مسعود في حديث : "والأمانة في الصوم " وإسناده حسن قاله العراقي (ولما تلا) -صلى الله عليه وسلم- (قوله عز وجل : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وضع يده على سمعه وبصره فقال : "السمع أمانة والبصر أمانة ") رواه أبو داود من حديث أبي هريرة دون قوله : السمع أمانة قاله العراقي (ولولا أنه من أمانات الصوم لما قال صلى الله عليه وسلم) فيما تقدم من حديث أبي هريرة في المتفق عليه : فإن امرؤ قاتله أو شاتمه (فليقل : إني صائم أي : إني أودعت لساني) أي جعل عندي وديعة وأمانة (لأحفظه) من مثل هذا (فكيف أطلقه لجوابك) بالشتم وغيره ، وقد تقدم اختلاف العلماء في معنى هذا القول قريبا (فإذا قد ظهر لك أن لكل عبادة ظاهرا وباطنا وقشرا ولبا) هو كالتفسير لما قلته (ولقشورها درجات ولكل درجة طبقات) وفي كل طبقة منازل عاليات وسافلات (فإليك) أيها المتأمل (الخيرة الآن في أن تقنع بالقشر عن اللباب أو تتحيز) أي : تفيء (إلى غمار) أي : جماعة (أرباب الألباب) .




الخدمات العلمية