الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثاني : النية ولا بد لكل ليلة من نية مبيتة معينة جازمة فلو نوى أن يصوم شهر رمضان دفعة واحدة لم يكفه

التالي السابق


(الثاني : النية) وهي ركن ، وعبر عنه النووي بالشرط في المنهاج ، فقال : النية شرط للصوم أي : لقوله -صلى الله عليه وسلم- : "إنما الأعمال بالنيات " وقال في الروضة : "ولا يصح الصوم إلا بالنية ، ومحلها القلب ، ولا يكفي باللسان قطعا ، ولا يشترط التلفظ بها قطعا " ، وظاهر كلامه أن النية شرط للصوم أنه لو تسحر ليتقوى على الصوم لم يكن ذلك نية ، وبه صرح في العدة ، والمعتمد أنه لو تسحر ليصوم أو شرب لدفع العطش نهارا أو امتنع من الأكل أو الشرب أو الجماع خوف طلوع الفجر كان ذلك نية إن خطر بباله الصوم بالصفات التي يشترط التعرض لها لتضمن كل منها قصد الصوم كذا في شرح المنهاج (ولا بد لكل ليلة) وقال في الوجيز : لكل يوم (من نية مبيتة) أي : واقعة ليلا (معينة جازمة) أي : يشترط في نية الصوم أن تكون : كل ليلة ، والتبييت ، والتعيين ، والجزم ، فهي أربعة والصبي المميز حكمه كالبالغ واعتمده في المجموع تبعا للروياني قال : وليس على أصلنا صوم نفل يشترط فيه التبييت إلا هذا (فلو نوى أن يصوم شهر رمضان دفعة واحدة لم يكفه) خلافا لمالك فإنه قال : يجزئه نية واحدة ما لم ينقضها وأبو حنيفة في هذه مع الشافعي وعن أحمد روايتان : أظهرهما أنه يفتقر كل ليلة والأخرى كمذهب مالك (وهو الذي عنينا) أي : قصدنا (بقولنا كل ليلة) فلو نوى صوم الشهر كله فهل يصح صوم اليوم الأول بهذه النية ؟ المذهب أنه يصح وبه قطع ابن عبدان وتردد فيه الشيخ أبو محمد (ولو نوى بالنهار) أي : بعد أن أصبح (لم يجزه صوم رمضان ولا صوم الفرض) كالقضاء والنذر (إلا) صوم (التطوع) فإنه يصح بنية قبل الزوال وقال المزني وأبو يحيى البلخي : لا يصح إلا من الليل ، وهو قول مالك وهل يصح بعد الزوال ؟ قولان : أظهرهما : لا يصح ، وهو المنصوص في معظم كتبهم وفي حرملة أنه يصح ، قال النووي : وعلى نصه في حرملة أنه يصح في جميع ساعات النهار والله أعلم .

ثم إذا نوى قبل الزوال أو بعده وصححناه فهل هو صائم من أول النهار حتى ينال ثواب جميعه أم من وقت النية ؟ وجهان : أصحهما عند الأكثرين : أنه صائم من أول النهار كمدرك الإمام في الركوع ، وإذا قلنا بهذا اشترط جميع شروط الصوم من أول النهار وإذا قلنا يثاب من حين النية ففي اشتراط خلو الأول عن الأكل والجماع وجهان : الصحيح الاشتراط ، والثاني : لا ، وينسب إلى ابن سريج وابن زيد ومحمد بن جرير الطبري .




الخدمات العلمية