الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ولو نوى ليلة الشك أن يصوم غدا إن كان من رمضان لم يجزه فإنها ليست جازمة إلا أن تستند نيته إلى قول شاهد عدل واحتمال غلط العدل أو كذبه يبطل الجزم أو يستند إلى استصحاب حال كالشك في الليلة الأخيرة من رمضان فذلك لا يمنع جزم النية أو يستند إلى اجتهاد كالمحبوس في المطمورة إذا غلب على ظنه دخول رمضان باجتهاده فشكه لا يمنعه من النية .

التالي السابق


ثم شرع المصنف في بيان الشرط الرابع من النية وهو أن تكون جازمة وذكر فيها مسائل بها يتضح حال الجزم فقال (ولو نوى ليلة الشك ) وهي ليلة الثلاثين من شعبان (أن يصوم غدا إن كان من رمضان) [ ص: 205 ] أي : لا يخلو حاله من أن يكون معتقدا كونه من رمضان أو لم يعتقد فإن لم يعتقده نظر إن ردد نيته قال أصوم عن رمضان إن كان منه وإلا فأنا مفطر أو فأنا متطوع (لم يجزه) أي : لم يقع صومه عن رمضان إذا بان اليوم منه (فإنها ليست جازمة) أي : لم يصمه على أنه فرض وإنما صام على الشك وقال أبو حنيفة والمزني يقع عن رمضان إذا بان أنه منه كما لو قال : هذا زكاة مالي الغائب إن كان سالما وإلا فهو تطوع فبان سالما يجزئه ، قال الأصحاب : الفرق أن الأصل هناك سلامة المال فله استصحاب ذلك الأصل وهنا الأصل بقاء شعبان ولو قال : أصوم غدا من رمضان أو تطوعا أو قال أصوم أو لا أفطر لم يصح صومه لا في الأول ولا في الآخر كما إذا قال أصوم أو لا أصوم وإن لم يردد نيته وجزم بالصوم عن رمضان لم يصح أيضا فإنه إذا لم يعتقد كونه من رمضان لم يتأت منه الجزم بالصوم عن رمضان حقيقة وما تعرض حديث نفس لا اعتبار به وعن صاحب التقريب حكاية وجه أنه يصح صومه هذا إذا لم يعتقد كونه من رمضان وإن اعتقد كونه من رمضان نظر إن لم تستند نيته إلى ما يثير ظنا فلا عبرة به وإن استندت وإليه أشار المصنف بقوله : (إلا أن تستند نيته إلى) ما يثير ظنا كما إذا اعتمد على قول من يثق به من حر أو عبد أو امرأة أو صبيان ذوي رشد ونوى صومه عن رمضان أجزأه إذا بان أنه من رمضان لأن غلبة الظن في مثل هذا له حكم اليقين كما في أوقات الصلاة وكما إذا رأى الهلال بنفسه وإن قال في نيته والحالة هذه أصوم عن رمضان فإن لم يكن عن رمضان فهو تطوع فقد قال الإمام : ظاهر النص أنه لا يعتد بصومه إذا بان اليوم من رمضان لمكان التردد قال : وفيه وجه آخر وبه قال المزني أنه لا يصح لاستناده إلى أصل ثم رأى طرد الخلاف فيما إذا جزم أيضا ويدخل في قسم استناد الاعتقاد إلى ما شرطنا بناء الأمر على الحساب حيث جوزناه على التفصيل الذي سبق أو تستند نيته إلى (قول شاهد عدل) واحد وحكم القاضي بشهادته إذا جوزناه أو بشهادة عدلين وجب الصوم (واحتمال غلط العدل أو كذبه لا يبطل الجزم) أي : لم يقدح ما عساه يبقى من التردد والارتياب (أو تستند) نيته (إلى استصحاب حال) وهو نظير مسألة الزكاة المتقدمة (كالشك في ليلة من رمضان) بأن ينوي صوم الغد إن كان من رمضان وإلا فهو مفطر (فذلك لا يمنع جزم النية) لأن الأصل بقاء رمضان فيستصحب ذلك بخلاف ما إذا نوى ليلة الثلاثين من رمضان كما تقدم (أو تستند) نيته (إلى اجتهاد كالمحبوس في المطمورة) وهي حفرة تحفر تحت الأرض ، من طمرت الشيء سترته ، قال ابن دريد : وبنى فلان مطمورة إذا بنى بيتا في الأرض والجمع المطامير (إذا) اشتبه عليه شهر رمضان فاجتهد و (غلب على ظنه دخول رمضان) فصام شهرا (باجتهاده) كما يجتهد للصلاة في القبلة والوقت (فشكه لا يمنعه من النية) ولا يغنيه أن يصوم شهرا من غير اجتهاد وإن وافق رمضان ثم إذا اجتهد وصام شهرا نظر إن وافق رمضان فذاك وإن غلط بالتأخير أجزأه ذلك ولم يلزمه القضاء ولا يضر كونه مأتيا به على نية الأداء .

وهل يكون الصوم المأتي به قضاء أم أداء ؟

فيه وجهان : أظهرهما : أنه قضاء لوقوعه بعد الوقت .

والثاني : أنه أداء لمكان العذر والعذر قد يجعل غير الوقت وقتا كما في الجمع بين الصلاتين ويتفرع على الوجهين ما لو كان ذلك الشهر ناقصا وكان رمضان تاما إن قلنا أنه قضاء لزمه يوم آخر وإن قلنا إنه أداء فلا كما لو كان رمضان ناقصا وإن كان الأمر بالعكس فإن قلنا إنه قضاء فله إفطار اليوم الأخير إذا عرف الحال وإن قلنا إنه أداء فلا وإن وافق صومه شوالا فالصحيح منه تسعة وعشرون إن كان كاملا وثمانية وعشرون إن كان ناقصا فإن جعلناه قضاء وكان رمضان ناقصا فلا شيء عليه على التقدير الأول ويقضي يوما على التقدير الثاني وإن جعلناه أداء فعليه قضاء يوم بكل حال وإن وافق ذا الحجة فالصحيح منه ستة وعشرون إن كان كاملا أو خمسة وعشرون إن كان ناقصا فإن جعلناه قضاء وكان رمضان ناقصا قضى ثلاثة أيام على التقدير الأول ويومين على التقدير الثاني وإن كان كاملا قضى أربعة أيام على التقدير الأول وثلاثة على التقدير الثاني وإن جعلناه أداء قضى أربعة أيام بكل حال وهذا مبني على ظاهر المذهب في أن صوم أيام التشريق غير صحيح بكل حال فإن [ ص: 206 ] صححناه بناء أن للمتمتع أن يصومها وأن من له سبب في صومها بمنزلة المتمتع فذو الحجة كشوال ذكر هذا المستدرك ابن عبدان وإن غلط بالتقديم على رمضان نظر إن أدرك رمضان عند تبين الحال له فعليه أن يصومه بلا خلاف وإن لم يتبين له الحال إلا بعد مضي رمضان فقولان القديم أنه لا يقضي والجديد وبه قال أبو حنيفة ومالك أنه يقضي لأنه أتى بالعبادة قبل الوقت وبنى القفال وآخرون القولين على أنه لو وافق شهرا بعد رمضان كان قضاء إن قلنا بالأول فعليه القضاء لأن القضاء لا يسبق الوقت وإن قلنا بالثاني فلا قضاء لأن ما بعد الوقت إن جاز أن يجعل وقتا للعذر فكذلك ما قبل الوقت يجوز أن يجعل وقتا للعذر وعن أبي يوسف وغيره طريقة أخرى قاطعة بوجوب القضاء وإن تبين الحال بعد مضي بعض رمضان فقد حكى في النهاية طريقين : إحداهما : طرد القولين في إجزاء ما مضى والثاني : القطع بوجوب الاستدراك إن استدرك شيئا من الشهر والأول أظهر .



(فصل)

وقال أصحابنا : إن اشتبه على الأسير المسلم في دار الحرب رمضان تحرى وصام فإن ظهر صومه قبله لم يجز لأن صحة الإسقاط لا تسقط الوجوب وإن ظهر بعده جاز فإن ظهر أنه كان شوالا فعليه قضاء يوم فلو كان ناقصا قضى يومين أو ذا الحجة قضى أربعة أيام لمكان أيام النحر والتشريق فإن اتفق كونه ناقصا من ذلك الرمضان قضى خمسة ثم قالت طائفة من المشايخ : هذا إذا نوى أن يصوم ما عليه من رمضان أما إذا نوى صوم غد أو صيام رمضان فلا يصح إلا أن يوافق رمضان ، ومنهم من أطلق الجواز وهو حسن .




الخدمات العلمية