الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ولا يقطع التلبية يوم عرفة بل الأحب أن يلبي تارة ويكب على الدعاء أخرى .

وينبغي أن لا ينفصل من طرف عرفة إلا بعد الغروب ليجمع في عرفة بين الليل والنهار وإن أمكنه الوقوف يوم الثامن ساعة عند إمكان الغلط في الهلال فهو الحزم وبه الأمن من الفوات .

ومن فاته الوقوف حتى طلع الفجر يوم النحر فقد فاته الحج فعليه أن يتحلل عن إحرامه بأعمال العمرة ثم يريق دما لأجل الفوات ثم يقضي العام الآتي وليكن أهم أشغاله في هذا اليوم الدعاء ففي مثل تلك البقعة ومثل ذلك الجمع ترجى إجابة الدعوات .

التالي السابق


(ولا يقطع التلبية يوم عرفة بل المستحب أن يلبي تارة ويكب على الدعاء أخرى) أخرجه النسائي عن سعيد بن جبير قال : كنت مع ابن عباس بعرفات فقال : ما لي لا أسمع الناس يلبون قلت : يخافون من معاوية فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال : لبيك اللهم لبيك .

وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس قال : لعن الله بني فلان عمدوا إلى أفضل أيام الحج فمحوا زينته وإنما زينة الحج التلبية .

وأخرج أيضا عنه قال : أشهد على عمر أنه أهل وهو واقف بعرفة .

وأخرج أيضا عن عكرمة بن خالد المخزومي وقد ذكر عنده التلبية يوم عرفة أو قال : يوم النحر فقال عكرمة : أوليس قد لبى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة قال : فنظر الناس حوله وهو بالموقف بعرفة فقال : لبيك اللهم لبيك إن الخير خير الآخرة .

وأخرج أبو ذر الهروي عن عبد الله بن سنجرة قال : غدوت مع عبد الله بن مسعود من منى إلى عرفات قال : وكان يلبي قال وكان عبد الله رجلا آدم له ضفيرتان عليه مسحة أهل البادية قال : فاجتمع عليه غوغاء الناس وقالوا : يا أعرابي! إن هذا ليس بيوم التلبية إنما هو تكبير فعند ذلك التفت إلي وقال : أجهل الناس أم نسوا ؟! والذي بعث محمدا بالحق لقد خرجت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما ترك التلبية حتى رمى جمرة العقبة إلا أن يخلطها بتكبير أو تهليل .

وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر قال : غدوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفات منا الملبي ومنا المكبر وعنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عرفة منا المكبر ومنا المهلل وأما نحن فنكبر ، وفي رواية من حديث أنس يهلل المهلل فلا ننكر عليه ويكبر المكبر فلا ننكر عليه (وينبغي أن لا ينفصل من طرف عرفة إلا بعد الغروب ليجمع في عرفة بين الليل والنهار) وهل الجمع بينهما واجب ؟ فيه خلاف وذكر إمام الحرمين أن القولين في وجوب الدم يلزم منهما حصول قولين في لزوم الجمع بين الليل والنهار في الوقوف لأن ما يجب جبره من أعمال الحج لا بد وأن يكون واجبا قال الرافعي : لكن في كلام الأصحاب ما ينازع فيه لأن منهم من وجه عدم الوجوب لأن الجمع ليس بواجب فلا يجب بتركه الدم فقدر عدم وجوب الدم متفق عليه (وإن أمكنه الوقوف) بها (يوم الثامن ساعة عند إمكان الغلط في الهلال فهو الحزم) والاحتياط (وبه الأمن من الفوات ومن فاته الوقوف حتى طلع الفجر يوم النحر فقد فاته الحج فعليه أن يتحلل من إحرامه بأعمال العمرة ثم يريق دما لأجل الفوات ثم يقضي من العام الآتي) قال الرافعي : لو اقتصر على الوقوف ليلا كان أو نهارا كان مدركا للحج على المذهب المشهور ونقل الإمام عن بعض التصانيف فيه قولين واستبعده وعن شيخه أن الخلاف فيه مخصوص بما إذا أنشأ الإحرام ليلة النحر فإذا لحظ ذلك خرج ثلاثة أوجه كما ذكره المصنف في الوسيط أصحها المقتصر على الوقوف ليلا يدرك سواء أنشأ الإحرام قبل ليلة العيد أو فيها وكل منهما جائز والثاني أنه ليس يدرك على التقديرين والثالث أنه مدرك بشرط تقديم الإحرام عليها ولو اقتصر على الوقوف نهارا وأفاض قبل الغروب كان مدركا وإن لم يجمع بين الليل والنهار في الوقوف وقال مالك : لا يكون مدركا وهل يؤمر بإراقة دم ؟ نظر إن عاد قبل الغروب وكان حاضرا بها حتى غربت الشمس فلا وإن لم يعد حتى طلع الفجر فنعم وهل هو مستحب أو واجب ؟ أشار في المختصر والأم إلى وجوبه ونص في الإملاء على الاستحباب وللأصحاب الثلاثة طرق رواها القاضي ابن كج أصحها أن المسألة على قولين أحدهما وبه قال أبو [ ص: 373 ] حنيفة وأحمد وجوب الدم لأنه ترك نسكا والثاني أنه مستحب وهذا أصح القولين قاله المحاملي والروياني وفي التهذيب أنه القول القديم فإن ثبتت المقدمتان فالمسألة مما يفتى فيها على القديم لكن أبا القاسم الكرخي ذكر أن الوجوب هو القديم والطريق عن أبي إسحاق أنه إن أفاض مع الإمام فهو معذور لأنه تابع وإن انفرد بالإفاضة ففيه قولان الثالث نفي الوجوب والجزم بالاستحباب مطلقا وإذا قلنا بالوجوب فلو عاد ليلا فوجهان : أظهرهما لا شيء كما لو عاد قبل الغروب فصبر حتى غربت الشمس والثاني يجب ويحكى هذا عن أبي حنيفة وأحمد لأن النسك هو الجمع بين آخر النهار وأول الليل بعرفة والله أعلم .

(وليكن أهم أشغاله في هذا اليوم الدعاء) والذكر (ففي مثل تلك البقعة) تسكب العبرات (وفي مثل ذلك اليوم) تستقال العثرات (و) في (مثل ذلك الجمع) تجتمع خيار عباد الله ومن لا يشقى بهم جليسهم من أولياء الله و (ترجى إجابة الدعوات) ببركاتهم وأسرارهم والله أعلم .




الخدمات العلمية