الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وليكثر من دعاء الخضر عليه السلام وهو أن يقول : يا من لا يشغله شأن عن شأن ولا سمع عن سمع ولا تشتبه عليه الأصوات يا من لا تغلطه المسائل ولا تختلف عليه اللغات يا من لا يبرمه إلحاح الملحين ولا تضجره مسألة السائلين أذقنا برد عفوك وحلاوة مناجاتك .

وليدع بما بدا له وليستغفر له ولوالديه ولجميع المؤمنين والمؤمنات وليلح في الدعاء وليعظم المسألة فإن الله لا يتعاظمه شيء وقال مطرف بن عبد الله وهو بعرفة اللهم لا ترد الجميع من أجلي .

وقال بكر المزني قال رجل لما نظرت إلى أهل عرفات ظننت أنهم قد غفر لهم لولا أني كنت فيهم .

التالي السابق


(وليكثر من دعاء) سيدنا أبي العباس (الخضر عليه السلام) فيما يقال : أنه علمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه (وهو أن يقول : يا من لا يشغله شان عن شان) وكل يوم هو -جل وعز- في شان (ولا يشغله سمع عن سمع ولا تشتبه عليه الأصوات) مع اختلافها وتباين صنوفها (يا من [ ص: 379 ] لا تغلطه المسائل) أي : لا توقعه في غلط ونسيان (ولا تختلف عليه اللغات) مع تباينها (يا من لا يبرمه) أي لا يضجره (إلحاح الملحين) في مسائلهم (ولا تعجزه مسألة السائلين) مع كثرتهم وكثرة مسائلهم (أذقنا برد عفوك ومغفرتك ورحمتك) هكذا نسب هذا الدعاء إلى الخضر -عليه السلام- صاحب القوت وغيره من العارفين .

وأخرج ابن الجوزي في "مثير العزم " عن علي -رضي الله عنه- قال : يجتمع في كل يوم عرفة بعرفات جبريل وميكائيل وإسرافيل والخضر -عليهم السلام- فيقول جبريل : ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، فيرد عليه ميكائيل : ما شاء الله على كل نعمة من الله ، فيرد عليهما إسرافيل فيقول : ما شاء الله الخير كله بيد الله ، فيرد عليهم الخضر فيقول : ما شاء الله لا يدفع السوء إلا الله ثم يفترقون فلا يجتمعون إلى قابل في مثل ذلك اليوم .

وأخرج أيضا عن ابن عساكر قال : لا أعلمه مرفوعا قال : يلتقي الخضر وإلياس في كل عام في الموسم فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ويفترقان عن هؤلاء الكلمات : "بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله ، بسم الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله ، بسم الله ما شاء الله ما كان من نعمة فمن الله ، بسم الله ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله " ، قال ابن عباس من قالهن حين يصبح ويمسي ثلاث مرات أمنه الله من الحرق والغرق والرق ، قال عطاء : وأحسبه من الشيطان والسلطان والحية والعقرب .

(وليدع بما بدا له) مما يلهمه الله على قلبه ولسانه من الأدعية الجامعة والنافعة وقال ابن دريد : أخبرنا عبد الرحمن بن عمة الأمير قال : سمعت أعرابيا يدعو بعرفات يقول : "اللهم إن ذنوبي لم تبق إلا رجاء عفوك وقد تقدمت إليك فامنن علي بما لا أستأهله وأعطني ما لا أستحقه بطولك وفضلك " (وليستغفر لنفسه ولوالديه ولجميع المؤمنين والمؤمنات ) الإحياء منهم والأموات بأي صيغة اتفقت وأقلها أن يقول : أستغفر الله لذنبي وسبحان الله وبحمد ربي ، (وليلح في الدعاء) مع التضرع والابتهال والبكاء ، ولا يتكلف السجع في الدعاء ، ولا يفرط في الجهر ، (وليعظم المسألة) أي : يسأل الله تعالى أمورا عظاما (فإن الله سبحانه لا يتعاظمه شيء) ومن هنا (قال مطرف بن عبد الله) بن الشخير الحرشي العامري أبو عبد الله البصري (وهو) واقف (بعرفة) في جملة ما دعا به : (اللهم لا ترد الجميع) أي : من الواقفين في ذلك الموقف العظيم (لأجلي) أي : اقبل شفاعتي فيهم ، (وقال بكر) بن عبد الله (المزني) تقدمت ترجمته في كتاب العلم (قال رجل ولما نظرت) بعيني (إلى أهل عرفات ظننت أنهم قد غفر لهم لولا أني كنت فيهم) أخرجه ابن الجوزي في "مثير العزم " عن صالح المري قال : وقف مطرف وبكر بن عبد الله فقال مطرف : اللهم لا تردهم اليوم من أجلي ، وقال بكر : ما أشرفه من موقف وأرجاه لأهله لولا أني فيهم ، وعن الفضيل بن عياض أنه وقف بعرفة والناس يدعون وهو يبكي بكاء ثكلى محترقة فلما كادت الشمس تسقط قبض على لحيته ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : واسوأتاه منك وإن غفرت ، وعن أبي الأديان قال : كنت بالموقف فرأيت شابا مطرقا منذ وقف الناس إلى أن سقط القرص فقلت : يا هذا ابسط يدك للدعاء فقال لي : ثم وجه فقلت له : هذا يوم العفو من الذنوب قال : فبسط يده وفي بسط يده وقع ميتا ، وعن الرياشي قال : رأيت أحمد بن المغول في الموقف في يوم شديد الحر وقد ضحى للشمس فقلت : أبا الفضل لو أخذت بالسعة فأنشأ يقول :


ضحيت له كي أستظل بظله إذ الظل أضحى في القيامة قالصا فوا أسفا إن كان سعيك باطلا
ويا حزنا إن كان حظك ناقصا

أخرج جميع ذلك ابن الجوزي في الكتاب المذكور ومما يناسب من الأدعية في هذا الموقف ما ذكره البوني في اللمعة النورانية وهو أن يقول : "اللهم إني أسألك بالاسم الذي فتحت به باب الوقوف بعرفة وبما أظهرت فيه من تنزيلات الرحمة وبالسر الذي أهبطت فيه ملائكة البيت المعمور فتباهت به أهل السموات والأرض أسألك أن تفيض علي من ألطافك ما سبقت بإفاضته على خواص خدامك بلا مسألة [ ص: 380 ] تقدمت ولا سابقة سؤال سبقت بل أعطيتهم قبل أن تلهمهم وأعنتهم قبل أن تعلمهم إنك على كل شيء قدير " . . أهـ .



ومن ذلك دعاء أهل البيت في خصوص هذا الموقف المذكور في الصحيفة السجادية وهو ما أخبرنا به السيد القطب محيي الدين نور الحق بن عبد الله الحسيني والسيد عمر بن أحمد بن عقيل الحسيني عن محمد طاهر الكوراني عن أبيه إبراهيم بن الحسن الكوراني عن المعمر عبد الله بن سعد المدني عن الشيخ قطب الدين محمد بن أحمد الحنفي عن أبيه عن الإمام الحافظ نور الدين أبي الفتوح أحمد بن عبد الله الطاوسي عن السيد شرف الدين محمد المطلق الحسيني عن قطب الأقطاب السيد جلال الدين الحسيني بن أحمد بن الحسين الحسيني عن أبيه عن جده عن أبيه السيد أبي المؤيد علي عن أبيه أبي الحرث جعفر عن أبيه محمد عن أبيه محمود عن أبيه عبد الله عن أبيه علي الأشقر عن أبيه أبي الحرث جعفر عن أبيه علي التقي عن أبيه محمد التقي عن أبيه علي الرضى عن أبيه موسى الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن أبيه الإمام السجاد ذي النفقات زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم أجمعين- أنه كان يقول في يوم عرفة : الحمد لله رب العالمين ، اللهم لك الحمد بديع السموات والأرض ذو الجلال والإكرام ، رب الأرباب وإله كل مألوه وخالق كل مخلوق ، ووارث كل شيء ليس كمثله شيء ولا يعزب عنه علم شيء وهو بكل شيء محيط وهو على كل شيء رقيب ، أنت الله لا إله إلا أنت الأحد المتوحد الفرد المتفرد وأنت الله لا إله إلا أنت الكريم المتكرم العظيم المتعظم الكبير المتكبر ، وأنت الله لا إله إلا أنت العلي المتعال الشديد المحال ، وأنت الله لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم العليم الحكيم ، وأنت الله لا إله إلا أنت السميع البصير القديم الخبير ، وأنت الله لا إله إلا أنت الكريم الأكرم الدائم الأدوم ، وأنت الله لا إله إلا أنت الأول قبل كل أحد والآخر بعد كل عدد ، وأنت الله لا إله إلا أنت الداني في علوه والعالي في دنوه ، وأنت الله لا إله إلا أنت ذو البهاء والمجد والكبرياء والحمد ، وأنت الله لا إله إلا أنت الذي أنشأت الأشياء من غير شبح وصورت ما صورت من غير مثال وابتدعت المبتدعات بلا اهتداء ، أنت الذي قدرت كل شيء تقديرا ، ويسرت كل شيء تيسيرا ، ودبرت كل ما دونك تدبيرا ، أنت الذي لم يعنك على خلقك ولم يوازرك في أمرك وزير ، ولم يكن لك مشابه ولا نظير ، أنت الذي أردت فكان حتما ما أردت وقضيت فكان عدلا ما قضيت وحكمت فكان سنصفا ما حكمت ، أنت الله الذي لا يحويك مكان ولم يقم لشأنك سلطان ولم يعيك برهان ولا بيان ، أنت الذي أحصيت كل شيء عددا وجعلت وقدرت كل شيء تقديرا ، أنت الذي قصرت الأوهام عن ذاتيتك وعجزت الأوهام عن كيفيتك ولم تدرك الأبصار موضع أينيتك ، أنت الله الذي لا تحد فتكون محدودا ولم تمثل فتكون موحودا ولم تلد فتكون مولودا ، أنت الله الذي لا ضد معك فيعاندك ولا عدل فيكاثرك ولا ند لك فيعارضك ، أنت الذي ابتدأ واخترع واستحدث وابتدع وأحسن صنع ما صنع ، سبحانك ما أجل شأنك وأسنى مكانك وأصدع بالحق فرقانك ، سبحانك من لطيف ما ألطفك ورؤوف ما أرأفك وحكيم ما أتقنك ، سبحانك من مليك ما أمنعك وجواد ما أوسعك ورفيع ما أرفعك ، ذو البهاء والمجد والكبرياء والحمد ، سبحانك بسطت بالخيرات يدك وعرفت الهداية من عندك فمن التمسك لدين أو دنيا وجدك ، سبحانك خضع لك من جرى في علمك وخشع لعظمتك ما دون عرشك وانقاد للتسليم لك كل خلقك ، سبحانك ولا تحس ولا تجس ولا تمس ولا تكاد ولا تماط ولا تنازع ولا تجادل ولا تمارى ولا تخادع ولا تماكر ، سبحانك سبيلك جد وأمرك رشد وأنت حي صمد ، سبحانك قولك حكم وقضاؤك حتم وإرادتك عزم ، سبحانك لا راد لمشيئتك ولا مبدل لكلماتك ، سبحانك باهر الآيات فاطر السموات بارئ السموات لك الحمد حمدا يدوم بدوامك ، ولك الحمد حمدا خالدا بنعمتك ، ولك الحمد حمدا يوازي صنعك ، ولك الحمد حمدا يزيد على رضاك ، ولك الحمد حمدا مع حمد كل حامد وشكرا قصر عنه كل شاكر حمدا لا ينبغي إلا لك ولا يتقرب به إلا إليك ، حمدا يستدام به الأول ويستدعى به دوام الآخر ، حمدا يتضاعف [ ص: 381 ] على كرور الأزمنة ويتزايد أضعافا مترادفة ، حمدا يعجز عن إحصائه الحفظة ، ويزيد على ما أحصته في كتابك الكتبة ، حمدا يوازي عرشك المجيد ويعادل كرسيك الرفيع ، حمدا يكمل لديك ثوابه ويستغرق كل جزاء جزاؤه ، حمدا ظاهره وفق لباطنه وباطنه وفق لصدق النية ، حمدا لم يحمدك خلق مثله ولا يعرف أحد سواك فضله ، حمدا يعان من اجتهد في تعديده ويؤيد من أغرق نوعا في توفيته حمدا يجمع ما خلقت من الحمد وينتظم ما أنت خالقه من بعد حمد الأحمد أقرب إلى قولك منه ولا أحمد ممن يحمدك به ، حمدا يوجب بكرمك المزيد بوفوره وتصله بمزيد بعد مزيد طولا منك ، حمدا يجب لكرم وجهك يقابل عن جلالك ، رب صل على محمد المنتخب المصطفى المكرم المفضل أفضل صلواتك ، وبارك عليه أتم بركاتك ، وترحم عليه أسبغ ترحماتك ، رب صل على محمد وآل محمد صلاة زاكية لا تكون صلاة أزكى منها ، وصل عليه صلاة نامية لا تكون صلاة أنمى منها ، وصل عليه صلاة راضية لا صلاة تكون فوقها ، رب صل على محمد وآله صلاة ترضيه وتزيد على رضاه ، وصل عليه صلاة ترضيك وتزيد على رضاك له ، وصل عليه صلاة لا ترضى له إلا بها ولا ترى غيره أهلا لها ، رب صل على محمد وآله صلاة تجاوز رضوانك ويتصل اتصالها ببقائك لا تنفد كما لا تنفد كمالاتك ، رب صل على محمد وآله صلاة تنتظم صلوات ملائكتك وأحبائك وأنبيائك ورسلك وأهل طاعتك ، وتشتمل على صلوات عبادك من جنك وإنسك وأهل إجابتك ، تشتمل على صلوات كل من ذرات وبرات من أصناف خلقك رب صل على محمد وآله صلاة تحيط بكل صلاة سالفة ومستأنفة ، وصل عليه وعلى آله صلاة لك ولمن دونك وتنشئ مع ذلك صلوات تضاعف معها تلك الصلوات عندها وتزيد على كرور الأيام زيادة في تضاعيف لا يعدها غيرك ، رب صل على أطايب أهل بيته الذين اخترتهم لأمرك وجعلتهم خزنة علمك وحفظة دينك وخلفاءك في أرضك وحججك على عبادك وطهرتهم من الرجس والدنس تطهيرا بإرادتك وجعلتهم الوسيلة إليك والمسلك إلى جنتك ، رب صل على محمد وآله صلاة تجزل لهم بها من نحلك وكرامتك وتكمل لهم بها الأشياء من عطاياك ونوافلك وتوفر عليهم الحظ من عوائدك وفوائدك ، رب صل عليه وعليهم صلاة لا أمد في أولها ولا غاية لأمدها ولا نهاية لآخرها ، رب صل عليهم زنة العرش وما دونه وملء سمواتك وما فوقهن وعدد أرضك وما تحتهن وما بينهن صلاة تقربهم منك زلفى وتكون لك ولهم رضا ومتصلة بنظائرهن أبدا ، اللهم هذا يوم عرفة يوم شرفته وكرمته وعظمته ونشرت فيه رحمتك ومننت فيه بعفوك وأجزلت فيه عطيتك وتفضلت به على عبادك ، اللهم وأنا عبدك الذي أنعمت عليه قبل خلقك له وبعد خلقك إياه فجعلته ممن هديته لدينك ووفقته لحقك وعصمته بحبلك وأدخلته في حزبك وأرشدته لموالاة أوليائك ومعاداة أعدائك ثم أمرته فلم يأتمر وزجرته فلم ينزجر ونهيته عن معصيتك فخالف أمرك إلى نهيك لا معاندة لك ولا استكبارا عليك بل دعاه هواه إلى ما زيلته وإلى ما حذرته وأعان على ذلك عدوك وعدوه وأقدم عليه عارفا بوعيدك راجيا لعفوك واثقا لتجاوزك وكان أحق عبادك مع ما مننت عليه أن لا يفعل وها أنا ذا بين يديك صاغرا ذليلا متواضعا خاشعا خائفا معترفا بعظيم من الذنوب تحملته وجليل من الخطايا اجترمته مستجيرا بصفحك لائذا برحمتك موثقا أنه لا يجيرني منك مجير ولا يمنعني منك مانع فعد علي ما تعود به على من اقترف من تغمدك وجد علي بما تجود به على من ألقى بيده إليك من عفوك وامنن علي بما لا يتعاظمك أن تمن به علي من أملك من غفرانك واجعل لي في هذا اليوم نصيبا أنال به حظا من رضوانك ولا تردني صفرا مما ينقلب به المتعبدون لك من عبادك وإني وإن لم أقدم ما قدموه من الصالحات فقد قدمت توحيدك ونفي الأضداد والأنداد والأشباه عنك وأتيتك من الأبواب التي أمرت أن تؤتى منها ، وتقربت إليك بما لا يقرب أحد منك إلا بالتقرب به ، ثم أتبعت ذلك بالإنابة إليك والتذلل والاستكانة لك وحسن الظن بك والثقة بما عندك وشفعته برجائك الذي قل ما يخيب عليك راجيك ، وسألتك مسألة الحقير الذليل البائس الفقير الخائف المستجير ومع ذلك خيفة وتضرعا وتعوذا وتلوذا لا مستطيلا بتكبر المتكبرين ولا متعاليا بدلالة [ ص: 382 ] المطيعين، ولا مستطيلا بشفاعة الشافعين، وأنا بعد أقل الأقلين، وأذل الأذلين، ومثل الذرة أو دونها، فيا من لا يعاجل المسيئين، ولا يند المترفين، ويا من يمن بإقالة العاثرين، ويتفضل بإنظار الخاطئين .

أنا المسيء المعترف الخاطئ العاثر، أنا الذي أقدم إليك مجترئا، أنا الذي عصاك متعمدا، أنا الذي استخفى من عبادك وبارزك، أنا الذي هاب عبادك وأمنك، أنا الذي لم يرهب سطوتك، ولم يخف بأسك، أنا الجاني على نفسه، أنا المرتهن ببليته، أنا القليل الحياء، أنا الطويل العناء بجاه من انتخبت من خلقك، وبمن اصطفيته لنفسك بحق من اخترت من بريتك، ومن أحببت لشأنك، ووصلت طاعته بطاعتك، ومعصيته بمعصيتك، وقرنت موالاته بموالاتك، ونطت معاداته بمعاداتك، تغمدني في يومي هذا مما تتغمد به من جاز إليك متنصلا، وعاد باستغفارك تائبا، وتولني بما تتولى به أهل طاعتك، والزلفى لديك، والمكانة منك، ولا تؤاخذني بتفريطي في جنتك، وتعدي طوري في حدودك ومجاوزة أحكامك .

ولا تستدرجني بإدلائك إلى استدراج من منعني خير ما عنده ولم يشركك في حلول نقمته بي، ونبهني من رقدة الغافلين وسنة المترفين، ونعمة المخذولين، وخذ بقلبي إلى ما استعملت به القانتين واستعبدت به المتعبدين، واستنقذت به المتهاونين، وأعذني مما يباعدني منك، ويحول بيني وبين حظي منك، ويصدني مما أحاول لديك، وسهل لي مسالك الخيرات إليك والمسابقة إليها من حيث أمرت والمشاحة فيها على ما أردت، ولا تمحقني فيمن تمحق من المستخفين لما أوعدت، ولا تهلكني مع من تهلك من المتعرضين لمقتك .

ولا تتبرني فيمن تتبر من المنحرفين عن سبيلك، ونجني من غمرات الفتنة، وخلصني من لهوات البلوى، وأجرني من أخذ الإملاء، وحل بيني وبين عدو يضلني، وهوى يوبقني ومنقصة ترهقني .

ولا تعرض عني إعراض من لا ترضى عنه بعد غضبك، ولا تؤيسني من الأمل فيك فيغلب علي القنوط من رحمتك، ولا تمتحني بما لا طاقة به فتبهظني بما تحملنيه من فضل محبتك، ولا ترسلني من يدك إرسال من لا خير فيه، ولا حاجة بك إليه ولا إنابة له، ولا ترم بي رمي من سقط من عين رعايتك، ومن اشتمل عليه الخزي من عندك، بل خذ بيدي من سقطة المتردين ووهلة المتعسفين وزلة المغرورين وورطة الهالكين، وعافني مما ابتليت به طبقات عبيدك وإمائك وبلغني مبالغ من عنيت به، وأنعمت عليه، ورضيت عنه، فأعشته حميدا وتوفيته سعيدا وطوقني طوق الإقلاع عما يحبط الحسنات، ويذهب البركات، وأشعر قلبي الازدجار من قبائح السيئات، وفواضح الحوبات، ولا تشغلني بما لا أدركه إلا بك عما لا يرضيك عن غيره .

وأنزع من قلبي حب دنيا دنية تنهى عما عندك وتصد عن ابتغاء الوسيلة إليك، وتذهل عن التقرب منك، وزين لي التفرد بمناجاتك بالليل والنهار، وهب لي عصمة تدنيني من خشيتك، وتقطعني من ركوب محارمك، وتفكني من أسر العظائم، وهب لي التطهير من دنس العصيان، وأذهب عني درن الخطايا، وسربلني بسربال عافيتك، وردني رداء معافاتك، وجللني سوابغ نعمائك وظاهر لدن فضلك وطولك، وأيدني بتوفيقك وتسديدك، وأعني على صالح النية ومرضي القول ومستحسن العمل .

ولا تكلني إلى حولي وقوتي دون حولك وقوتك، ولا تخزني يوم تبعثني للقائك، ولا تفضحني بين يدي أوليائك، ولا تنسني ذكرك، ولا تذهب عني ذكرك، ولا تذهب عني شكرك، بل ألزمنيه في أحوال السهو عند غفلات الجاهلين لآلائك، وأوزعني أن آتي بما أوليتنيه، وأعترف بما أسديته إلي واجعل رغبتي إليك فوق رغبة الراغبين، وحمدي إياك فوق حمد الحامدين، ولا تخذلني عند فاقتي إليك لا تهلكني بما أسديته إليك، ولا تجبهني بما جبهت به المعاندين فإني لك مسلم، أعلم أن الحجة لك، وأنك أولى بالفضل وأعود بالإحسان وأهل التقوى وأهل المغفرة .

وإنك بأن تعفو أولى منك بأن تعاقب، وإنك بأن تستر أقرب منك إلى أن تشهر، فأحيني حياة طيبة تنتظم بما أريد، وتبلغ ما أحب من حيث آتي ما تكره، ولا أرتكب ما نهيت عنه، وأمتني ميتة من يسعى نوره بين يديه وعن يمينه، وذللني بين يديك، وأعزني عند خلقك، وضعني إذا خلوت بك، وارفعني بين عبادك، وأغنني عمن هو غني عني، وزدني إليك فاقة وفقرا، وأعذني من شماتة الأعداء، ومن حلول البلاء، ومن الذل والعناء، وتغمدني فيما اطلعت عليه مني بما يتغمد به [ ص: 383 ] القادر على البطش لولا حلمه، والآخذ على الجريرة لولا أناته .

وإذا أردت بقوم فتنة أو سوءا فنجني منها لواذا بك، وإذا لم تقمني مقام فضيحة في دنياك، فلا تقمني مثله في آخرتك، واشفع لي أوائل منتك بأواخرها، وقديم فوائدك بحوادثها، ولا تمد لي مدا يقسو معه قلبي، ولا تقرعني بقارعة يذهب لها بهائي، ولا تسمني خسيسة يصغر لها قدري، ولا نقيصة يجهل من أجلها مكاني، ولا ترعني روعة أبلس بها ولا خيفة أوجس دونها، اجعل هيبتي في وعيدك، وحذري من إعذارك وإنذارك، ورهبتي عند تلاوة آياتك، وأعمر ليلي بإيقاظي فيه لعبادتك، وتفردي بالتمجيد لك وتجردي بسكوني إليك، وإنزال حوائجي بك ومنازلتي إياك في فكاك رقبتي من نارك، وإجارتي مما فيه أهلها من عذابك، ولا تذرني في طغياني عاميا، ولا في غمرتي ساهيا، حتى حين عظة من اتعظ، ولا نكالا لمن اعتبر، ولا فتنة لمن نظر .

ولا تمكر بي فيمن تمكر به، ولا تستبدل بي غيري ولا تغير لي اسما ولا تبدل لي جسما، ولا تتخذني هزوا لخلقك، ولا سخريا لك ولا تبعا إلا لمرضاتك، ولا ممتهنا إلا بالانتقام لك، وأوجد لي برد عفوك وروحك وريحانك وجنة نعيمك وأذقني طعم الفراغ لما تحب بسعة من سعتك، والاجتهاد فيما يزلف لديك وعندك وأتحفني بتحفة من تحفاتك، واجعل تجارتي رابحة وكرتي غير فاسدة، وأخفي مقامك، وشوقني للقاك، وتب علي توبة نصوحا لا تبق معها ذنوبا صغيرة ولا كبيرة، ولا تذر معها علانية ولا سريرة، وانزع الغل من صدري للمؤمنين، واعطف بقلبي على الخاشعين، وكن لي كما تكون للصالحين، وحلني لديك حلية المتقين، واجعل لي لسان صدق في الغابرين، وذكرا ناميا في الآخرين، وتمم سبوغ نعمتك علي وظاهر كراماتها لدي، واملأ من فوائدك يدي، وسق كرائم مواهبك إلي وجاور بي الأطيبين من أوليائك في الجنات التي زينتها لأصفيائك، وجللني شرائف نحلك في المقامات المعدة لأحبابك، واجعل لي عندك مقيلا آوي إليه مطمئنا، ومثابة أتبوأها وأقر عينا ولا تقايسني بعظيمات الجرائر، ولا تهلكني يوم تبلى السرائر، وأزل عني كل شك وشبهة، واجعل لي في الحق طريقا من كل رحمة، وأجزل لي قسم المواهب من ثوابك، ووفر علي حظوظ الإحسان من أفضالك، واجعل قلبي واثقا بما عندك، وهمي مستفرغا لما هو لك واستعملني بما تستعمل به خاصتك، وأشرب قلبي عند ذهول العقول طاعتك .

واجمع الغنى والعفاف والدعة والمعافاة والصحة والسعة والطمأنينة والعافية، ولا تحبط حسناتي بما يشوبها من معصيتك، ولا تبلني بما يعرض من نزغات فتنتك، وصن وجهي عن الطلب إلى أحد من العالمين، وديني عن التماس ما عند الفاسقين، ولا تجعلني للظالمين ظهيرا، ولا لهم عن محو كتابك يدا ونصيرا، وحطني من حيث لا أعلم حياطة تقيني بها، وافتح لي أبواب قربتك ورحمتك ورأفتك ورزقك الواسع إني إليك من الراغبين، وأتمم لي إنعامك أنت خير المنعمين، واجعل باقي عمري في الحج والعمرة ابتغاء وجهك يا رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين والسلام عليه وعليهم أبد الآبدين. إلى هنا آخر الدعاء .

ومما يناسب لهذا الموقف من الأدعية ما ذكره الشيخ عبد العزيز ابن أحمد الديريني رحمه الله تعالى في آخر كتاب "طهارة القلوب" وهو: اللهم يا حسيب كل غريب، ويا أنيس كل كئيب، أي منقطع إليك لم تكفه بنعمتك، أم أي طالب لم تلقه بوجهك أم أي من هجر فيك الخلق فلم تصله، أم أي محب خلا بذكرك فلم تؤنسه، أم أي داع دعاك فلم تجبه .

ويروى عنك سبحانك أنك قلت: وما غضبت على أحد كغضبي على مذنب أذنب ذنبا فاستعظمه في جنب عفوي، اللهم يا من يغضب على من لا يسأله لا تمنع من قد سألك، إلهي كيف نجترئ على السؤال مع الخطايا والزلات، أم كيف نستغني عن السؤال مع الفقر والفاقات، أم كيف بعبد أبق عن باب مولاه أن يقف على الباب طالبا جزيل عطاياك، إنما ينبغي له طلب المغفرة والتعلق بأذيال المعذرة; لكنك ملك كريم دللت بجودك عليك، وأطلقت الألسنة بالسؤال لديك، وأكرمت الوفود إذا ارتحلوا إليك، من ذا الذي عاملك فلم يفرح، ومن وصل إلى بساط قربك، واشتهى أن يبرح واعجبا لقلوب مالت إلى غيرك، ما الذي أرادت إلى مرضاتك، ولنفوس طلبت الراحة هلا طلبت منك واستفادت، ولعزائم سبقت إلى مرضاتك ما الذي ردها فعادت، هل نقصت أموال [ ص: 384 ] استقرضتها ؟ لا وحقك، بل زادت، سبق اختيارك فبطلت الحيل، وجرت أقدارك فلا يغيرها العمل، وتقدمت محبتك لأقوام قبل في الأزل، وغضبت على قوم فلم ينفع عاملهم العمل، فلا قوة على طاعتك إلا بإعانتك، ولا حول عن معصيتك إلا بمشيئتك، ولا ملجأ إلا عليك ولا خير يرجى إلا في يديك، يا من بيده إصلاح القلوب أصلح قلوبنا، يا من تصاغرت جنب عفوه الذنوب اغفر ذنوبنا .

اللهم إنا قد أتيناك طالبين فلا تردنا خائبين، لم نزل إلى باب جودك مائلين، فأصلح كل قلب قسا فما يلين، واسلك بنا مناهج المتقين، وألبسنا خلع الإيمان واليقين، وحصنا بدروع الصدق فإنهن باقين، لا تجعلنا مما تعاهد على التوبة ويمين، واجعلنا بفضلك من أهل اليمين، إلهي لولا منتك بالفضل ما كان عبدك إلى الذنوب يعود، ولولا محبتك للغفران ما أمهلت من يبارزك بالعصيان، وأسبلت سترك على من أسبلت، وقابلت إساءتنا منك بالإحسان .


أستغفر الله مما كان من زللي * ومن ذنوبي وتفريطي وإصراري


يا رب هب لي ذنوبي يا كريم فقد أمسكت حبل الرجا يا خير غفار

إلهي ما أمرتنا بالاستغفار إلا وأنت تريد المغفرة، ولولا كرمك ما ألهمتنا المعذرة، أنت المبدئ بالنوال قبل السؤال، والمعطي من الأفضال فوق الآمال، أنا لا أرجو إلا غفرانك، ولا أطلب إلا إحسانك، وإن عصيتك فرجعت إليك أذنبت ذنبا عظيما وأنت أعظم منه، ضيعت حقي بجهل، ولم أصنه فصنه، إن لم أكن مستحقا للعفو منك فكنه، اللهم إني أسألك برحمتك التي ابتدأت بها الطائعين حتى قاموا بطاعتهم أن تمن بها على العاصين بعد معصيتهم فإنك المحسن باديا عاديا يا كريم .


أجل ذنوبي عند عفوك سيدي حقير وإن كانت ذنوبي عظائما
فما زلت غفارا وما زلت راحما وما زلت ستارا على الحر دائما
لئن كنت قد تابعت جهلي في الهوى وقضيت أوطار البطالة هائما
فها أنا قد أقررت مولاي بالذي جنيت وقد أصبحت حيران نادما

إلهي أنت المحسن وأنا المسيء، ومن شأن المحسن إتمام إحسانه، ومن شأن المسيء الاعتراف بعدوانه، يا من أمهل وما أهمل، وستر حتى كأنه غفر، إنك الغني وأنا الفقير، وإنك العزيز وأنا الحقير، اللهم انظر إلينا نظر الرضا، ونحنا من ديوان أهل الجفا، وأثبتنا في ديوان أهل الصفا، وارزقنا ما عهدناك أحسن الوفا إلهي لك بهاء الجلال عن انفراد وحدانيتك، ولك سلطان العز في ديوان ربوبيتك، بعدت على قربك أوهام الباحثين عن بلوغ صفتك، وتحيرت ألباب العارفين في جلالك وعظمتك، إلهي أطمعنا في عفوك وكرمك، وألهمنا شكر نعمتك، وأت بنا إلى بابك، ورغبنا فيما أعددته لأحبابك، هل ذلك كله إلا منة دللتنا عليك ؟ وجئت بنا إليك. إليك جئنا وأنت جئت بنا، إلهي عودتني كريم آلائك، وأطمعتني كثرة أفضالك في جميل إقبالك، إلهي كم سألتك فأعطيتني فوق مناي ؟ وكم رجوتك فحققت حسن رجائي ؟ اللهم جللنا بسترك واعف عنا بكرمك، وعاملنا بلطفك، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين .

اللهم يا حسيب المحتسبين، ويا سرور العابدين، ويا قرة عين العارفين، ويا أنيس المنفردين، ويا حرز اللاجئين، ويا ظهر المنقطعين، ويا من حنت إليه قلوب الصديقين، اجعلنا من أوليائك المتقين وحزبك المفلحين .

اللهم إن ذنوبنا وإن كانت فظيعة فإنا لم ترد بها القطيعة .

اللهم إنا لم نبرح عن بابك فلا تعذبنا بأليم حجابك، نحن إن لم نكن كما أمرتنا فأنت ذو غنى عنا، ونحن المساكين فلمن تكلنا، إلى من نلتجئ إن صرفتنا، إلى أين نذهب إن طردتنا، إلى أين نذهب إن رددتنا، بمن نتوسل إن حجبتنا من يقبل علينا إن أعرضت عنا .

اللهم إنا نعبدك طوعا، ونعصيك كرها نخافك لأنك عظيم، ونرجوك لأنك كريم نرجوك لأنك كريم، نرجوك لأنك إله، ونخافك لأنا عبيد فلك حبنا ولك خوفنا، فارحمنا لكرم الربوبية أو لضعف العبودية .

إلهي كيف ترد عنا الذنوب عن سؤالك، وعن الفقر إلى نوالك، ها نحن أنخنا ببابك فتعطف علينا مع أحبابك، رضينا أن نكون لك عبيدا وكفانا شرفا أن تكون لنا ربا .

إلهي أنت لنا [ ص: 385 ] كما تحب، إلهي كل فرح بغيرك زائل، وكل شغل بسواك باطل، السرور بك السرور، والسرور بغيرك هو الغرور .

إلهي جد علينا بكرمك، واغفر لأحيائنا ولأمواتنا ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، يا من يقبل التوبة من عباده، ويعفو عن السيئات .



(تنبيه)

تقدم سابقا قوله: خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل الدعاء يوم عرفة: لا إله إلا الله. ..... إلخ .

قال المحب الطبري: إنما سمي هذا الذكر دعاء لثلاثة أوجه:

أحدها ما تضمنه حديث سالم بن عبد الله بن عمر الذي فيه قصة بكير بن عتيك، ووجهه أنه لما كان الثناء يحصل أفضل ما يحصل الدعاء أطلق عليه لفظ الدعاء لحصول مقصوده .

وروي عن الحسين بن الحسن المروزي قال: سألت سفيان بن عيينة عن أفضل الدعاء ؟ فقال: أما تعرف حديث مالك بن الحارث هو تفسيره ؟ فقلت: حدثنيه أنت. فقال: حدثنا منصور عن مالك بن الحارث. قال: "يقول الله عز وجل: إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين"، قال: وهذا تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال سفيان: أما علمت ما قال أمية بن أبي الصلت حين أتى عبد الله بن جدعان يطلب نائلة، فقلت: لا. فقال: قال أمية:


أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك أن شيمتك الحياء إذا أثنى عليك المرء يوما
كفاه من تعرضه الثناء

ثم قال: يا حسين هذا مخلوق يكفى بالثناء عليه دون مسألة، فكيف بالخالق ؟

الوجه الثاني معناه أفضل ما يستفتح الدعاء على حذف المضاف، ويدل عليه الحديث الآخر فإنه قال: أفضل الدعاء أن أقول: لا إله إلا الله. ...... إلخ .

الثالث: معناه أفضل ما يتبدل به عن الدعاء يوم عرفة لا إله إلا الله. ..... إلخ .

والأول أوجه اهـ. قلت: أخرج البيهقي عن أبي علي الروذباري، أخبرنا الحسين بن الحسن الفسوي، حدثنا يعقوب بن سفيان، حدثنا الحسين بن الحسن المروزي، كان جاور بمكة حتى مات قال: سألت سفيان بن عيينة عن تفسير هذا الحديث كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله، وإنما هي ذكر فقال: أما سمعت حديث منصور عن مالك بن الحارث قال: يقول الله تعالى: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل، فإن ذاك تفسيره .

أما سمعت ما قال أمية بن أبي الصلت لما أتى ابن جدعان يطلب معروفه. قلت: لا. قال: لما أتاه قال: فساق البيتين المذكورين، قال سفيان: فهذا مخلوق نسب للجود، فقيل له: كفانا تعرضك بالثناء عليك حتى تأتي على حاجتنا، فكيف بالخالق سبحانه وتعالى .

قال الحافظ في تخريج الأذكار: وقد وقعت لي القصة من وجه آخر بعلو، أخبرني أبو العباس أحمد بن الحسن الزيني، أنبأنا أبو العباس أحمد بن علي بن أيوب، أنبأنا أبو الفرج بن عبد المنعم، أخبرنا أبو الفرج بن عبد الوهاب، عن أبي طاهر حمزة بن أحمد، أنبأنا إلياس بن مضر التميمي، أنبأنا أبو القاسم الروادي، أنبأنا أبو تراب محمد بن إسحاق، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله بن حيدرة، سمعت الحسين بن الحسن يقول: سألت سفيان بن عيينة فذكر بنحو الأثر المتقدم، وفيه الشعر لكن ليس فيه الحديث: من شغله ذكري، وقال: فيه هذا الدعاء بدل قوله بذكر، وقال في آخره: وهذا مخلوق اكتفى بأن نسبه إلى الجود، فكيف بالخالق ؟ وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد من وجه آخر إلى الحسين بن الحسن بتمامه وزاد فيه .

قال الحسين بن الحسن: ما أعدله ؟ سألت من علماء العراق عن هذا الحديث، فلم يفسره لي أحد كما فسره سفيان بن عيينة.

قال الحافظ: وحديث مالك بن الحارث مقطوع ظاهر، أو هذا في حكم المرسل فإن مالكا تابعي ثقة، ومثله لا يقال من جهة الرأي، وقد أخرجه الخطابي في كتاب "الأدعية" من وجه آخر عن الحسين بن الحسن قال: سألت ابن عيينة فقال: أما بلغك حديث منصور عن مالك بن الحارث، فقلت: حدثني عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري عن منصور، وحدثتني أنت عن منصور فذكر الحديث، والله أعلم .




الخدمات العلمية