الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثامن : أن يرفق بالدابة فلا يحملها ما لا تطيق والمحمل خارج عن حد طاقتها والنوم عليها يؤذيها ، ويثقل عليها كان أهل الورع لا ينامون على الدواب إلا غفوة عن قعود وكانوا لا يقفون عليها الوقوف الطويل قال صلى الله عليه وسلم : لا تتخذوا ظهور دوابكم كراسي ويستحب أن ينزل عن دابته غدوة وعشية يروحها بذلك فهو سنة وفيه آثار عن السلف .

وكان بعض السلف يكتري بشرط أن لا ينزل ويوفي الأجرة ، ثم كان ينزل عنها ليكون بذلك محسنا إلى الدابة فيكون في حسناته ، ويوضع في ميزانه لا في ميزان المكاري .

وكل من آذى بهيمة وحملها ما لا تطيق طولب به يوم القيامة قال أبو الدرداء لبعير له عند الموت : يا أيها البعير لا تخاصمني إلى ربك فإني لم أكن أحملك فوق طاقتك .

وعلى الجملة في كل كبد حراء أجر فليراع حق الدابة وحق المكاري جميعا وفي نزوله ساعة ترويح الدابة ، وسرور قلب المكاري .

قال رجل لابن المبارك : احمل لي هذا الكتاب معك لتوصله ، فقال : حتى استأمر الجمال فإني قد اكتريت .

فانظر كيف تورع من استصحاب كتاب لا وزن له وهو ، طريق الحزم في الورع فإنه إذا فتح باب القليل انجر إلى الكثير يسيرا يسيرا .

التالي السابق


(الثامن: أن يرفق) الحاج (بالدابة) التي يركبها سواء كانت ملكا له أو بالكراء (فلا يحملها ما لا تطيق) حمله، (والمحمل) الذي أحدثوه (خارج عن حد طاقتها) لعله عدل أربعة أنفس وزيادة، (والنوم عليها يؤذيها، ويثقل عليها) فليجتنب النوم على ظهورها، فإن النائم يثقل على البعير، وقد (كان أهل الورع لا ينامون على الدواب إلا غفوة) بعد غفوة (عن قعود) عند الغلبة، (وكانوا) أيضا (لا يقفون عليها الوقوف الطويل) ; لأن ذلك يشق عليها، (قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تتخذوا ظهور دوابكم كراسي ) ، رواه أحمد من حديث سهل بن معاذ، عن أبيه بسند ضعيف .

ورواه الحاكم وصححه من رواية معاذ بن أنس، عن أبيه قاله العراقي، قلت: ورواه كذلك ابن حبان (ويستحب أن ينزل عن دابته غدوة وعشية ويروحهما بذلك فهو سنة) ، قال العراقي: روى الطبراني في الأوسط من حديث أنس بإسناد جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر في السفر مشى، ورواه البيهقي في الأدب، وقال: مشى قليلا وناقته تقاد (وفيه آثار عن السلف رضي الله عنهم) أنهم كانوا يمشون، والدواب تقاد بين أيديهم (وكان بعض السلف يكتري بشرط أن لا ينزل) .

ولفظ القوت: وكان بعض الناس يكتري لازما، ويشترط أن لا ينزل (ويوفي الأجرة، ثم كان ينزل عنها ليكون بذلك محسنا إلى الدابة فيكون ذلك في حسناته، ويوضع في ميزانه لا ميزان المكاري) ، ولفظ القوت: ثم إنه ينزل للرواح ليكون ما رقه من الدابة من حسناته محتسبا له في ميزانه، (وكل من آذى بهيمة) بأن نخسها أو ضربها من غير سبب، (وحملها ما لا تطيق طولب به يوم القيامة) ، أي يقتص منه ذلك (قال أبو الدرداء) عويمر بن عامر - رضي الله عنه - (لبعير له عند الموت: يا أيها البعير لا تخاصمني إلى ربك فإني لم أكن أحملك فوق طاقتك) .

نقله صاحب القوت، وقال: وقد يعاقب الله تعالى على الذنب بذنب مثله أو فوقه، (وعلى الجملة في كل كبد حراء أجر) ، كما ثبت في الصحيح (فليراع حق الدابة وحق المكاري جميعا وفي نزوله ساعة) من أي وقت كان، وخاصة في آخر السير قبل النزول في المنزل، أو في موضع كثير الرمل، وما أشبهه (ترويح للدابة، وسرور قلب المكاري) ففيه مراعاة الحقين ولا يحمل على الدابة المكتراة إلا ما قاضى عليه الجمال، وما أذن له فيه (قال رجل لابن المبارك: احمل لي هذا الكتاب معك لتوصله، فقال: حتى استأمر الجمال) أي: أستأذنه (فإني قد اكتريت) ، نقله صاحب القوت (فانظر كيف تورع) ابن المبارك (في استصحاب كتاب لا وزن له، وذلك هو طريق الحزم في الورع فإنه إذا فتح باب القليل انجر إلى الكثير يسيرا يسيرا) فمن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه .




الخدمات العلمية