الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ويدرك الفرق بين حقائق المعاني وظاهر التفسير بمثال وهو إن الله عز وجل قال وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى فظاهره تفسير واضح وحقيقة معناه غامض فإنه إثبات للرمي ونفي له وهما متضادان في الظاهر ، ما لم يفهم أنه رمى من وجه ، ولم يرم من وجه ، ومن الوجه الذي لم يرم رمى الله عز وجل .

وكذلك قال تعالى : قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم فإذا كانوا هم المقاتلين كيف يكون الله سبحانه هو المعذب ؟ وإن كان الله تعالى هو المعذب بتحريك أيديهم فما معنى أمرهم بالقتال فحقيقة هذا يستمد من بحر عظيم من علوم المكاشفات لا يغني عنه ظاهر التفسير وهو أن يعلم وجه ارتباط الأفعال بالقدرة الحادثة ويفهم وجه ارتباط القدرة بقدرة الله عز وجل حتى ينكشف بعد إيضاح أمور كثيرة غامضة صدق قوله عز وجل وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى .

التالي السابق


(ويدرك الفرق بين حقائق المعاني وظاهر التفسير بمثال، وهو أن الله عز وجل قال) في كتابه العزيز ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) خاطب به نبيه صلى الله عليه وسلم (فظاهر تفسيره واضح) حيث نفى الرمي عنه، وأثبت الرمي له جل جلاله إذ كل شيء فتحت حيطة قدرته وأمره، (وحقيقة معناه غامض) إذا تأمله المتأمل (فإنه إثبات للرمي) بقوله: إذ رميت (ونفي له) بقوله: ما رميت، (وهما) أي الإثبات والنفي (متضادان) أي: لا يجتمعان معا (في الظاهر، ما لم يفهم أنه رمى من وجه، ولم يرم من وجه، ومن الوجه الذي لم يرم رمى الله تعالى) فينتفي التضاد حينئذ، (وكذلك قول الله تعالى: قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم فإذا كانوا) أي المؤمنون (هم المقاتلين) أي المأمورين بقتالهم، (كيف يكون الله تعالى هو المعذب؟ وإن كان الله تعالى هو المعذب) ،كما ثبت في ظاهر الآية، ومعنى بأيديهم أي (بتحريك أيديهم فما معنى أمرهم بالقتال) فعند التأمل، فيه التناقض، (فحقيقة هذا يستمد من) التوغل في (بحر عظيم من علوم المكاشفات لا يغني عنه ظاهر التفسير وهو أن يعلم وجه ارتباط الأفعال) كلها أولا (بالقدرة الحادثة) التي اتصف بها العبد، (ويفهم) ثانيا (وجه ارتباط) هذه (القدرة الحادثة بقدرة الله عز وجل) على ما سبق تفصيله في شرح كتاب قواعد العقائد (حتى ينكشف بعد إيضاح علوم كثيرة غامضة) ، عن أفهام أكثر الخلق، وهي من علوم المكاشفة (صدق قوله عز وجل وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) وقد ألم المصنف بهذا المبحث في كتابه المقصد الأسنى، وأطال في تصوير المسألة، ونحن نختصر ذلك ونقتصر منه على القدر الذي يناسب سياق الكتاب .




الخدمات العلمية