ذكر طرف من أخباره  
إنه كان مكتوبا على سرير كسرى   : الدين لا يتم إلا بالملك ، والملك لا يتم إلا بالرجال ، والرجال لا يتمون إلا بالمال ، والمال لا يجيء إلا بعمارة الأرض ، والعمارة لا تتم إلا بالعدل . 
وكان على جانبه مكتوب: عدل السلطان أنفع [ للرعية ] من خصيب الزمان . 
ورفع إلى كسرى  أن عامل الخراج بالأهواز  قد جنى فضل ثمانية آلاف درهم على ما يجب من الخراج ، فوقع برد المال وقال: إن الملك إذا عمر بيوت أمواله بما يأخذ من الرعية كان كمن عمر سطح داره بما يقلعه من قواعد بنائه . 
ومات لكسرى  ولد فلم يجزع عليه ، فقيل له في ذلك فقال: من أعظم الجهل شغل القلب بما لا مرد له . 
وكان يقول: الغم مدهشة للعقل ، مدهشة للطبع ، مقطعة للحيلة ، فإذا ورد على العاقل ما يحتاج فيه إلى الحيلة قمع الحزن ، وفرغ العقل للحيلة . 
وقال: القليل مع قلة الهم أهنأ من الكثير مع عدم الدعة . 
وقال: لما فرغت من [ إصلاح ] الأمور الخاصة والعامة إلى قبول ما لا خير فيه  [ ص: 114 ] إلا بالأكثر ، لكنني آثرت طاعة الله . ونظرنا في سير الروم  والهند  ، فاصطفينا محمودها ، ومن أعظم الضرر على الملوك الأنفة مع العلم . 
أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك  قال: أخبرنا جعفر بن أحمد السراج  قال: أخبرنا عبد العزيز بن الحسين الضراب  قال: حدثنا أبي قال: أخبرنا أحمد بن مروان  قال: أخبرنا إسماعيل بن يونس  قال: أخبرنا الرقاشي  عن  الأصمعي  قال: كان لكسرى  جامان من ذهب يأكل فيهما ، فسرق رجل من أصحابه جاما وكسرى  ينظر إليه ، فلما رفعت الموائد افتقد الطباخ الجام ورجع يطلبه ، فقال له كسرى   : لا تعن ، قد أخذه من لا يرده ، ورآه من لا يفشي عليه . فدخل الرجل إليه بعد ذلك وقد حلى سيفه ومنطقته ذهبا فقال له كسرى  بالفارسية: يا فلان بعني السيف والمنطقة [ من ذاك ] قال: نعم . ولم يفطن بذلك أحد غيرهما وسكت . 
وروى إبراهيم بن عبد الصمد  قال: لما عمل كسرى  القاطول أضر ذلك بأهل الأسافل ، فانقطع عنهم الماء حتى افتقروا وذهبت أموالهم ، فخرج أهل ذلك البلد إلى كسرى  يتظلمون ، فوافوه وقد خرج ، فتعرضوا له وقالوا: جئنا متظلمين . فقال: ممن ؟ قالوا: منك . فثنى رجله ونزل عن دابته وجلس على الأرض ، فأتاه بعض من معه بشيء يقعد عليه فأبى ، وقال: لا أجلس إلا على الأرض إذا أتاني قوم يتظلمون مني ، ثم قال: ما مظلمتكم ؟ قالوا: [ أحدثت ] القاطول فقطع عنا شربنا ، وذهبت معايشنا . قال: فإني آمر بسده . قالوا: لا يحسمك هذا ، ولكن مر من يعمل لنا مجرى ماء من فوق القاطول ، ففعل فعمرت بلادهم .  [ ص: 115 ] 
وكان كسرى  يقول: قد خفت أن يحجب عني المظلوم . فعلق على أقرب البيوت من مجلسه سترا وعلق عليه الأجراس ، ونادى مناديه: من ظلم فليحرك هذا الستر . 
				
						
						
