الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر آباء رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال مؤلف الكتاب أما عبد الله أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أصغر ولد أبيه ، وكان عبد الله ، والزبير ، وأبو طالب : بنو عبد المطلب لأم واحدة: واسمها فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم . هكذا قال ابن إسحاق .

وروى هشام بن محمد عن أبيه قال: عبد الله ، وأبو طالب - واسمه عبد مناف - والزبير ، وعبد الكعبة ، وعاتكة ، وبرة ، وأميمة ، ولد عبد المطلب إخوة لأم ، أمهم فاطمة المذكورة .

وقال ابن إسحاق : كان عبد المطلب قد نذر حين لقي من قريش عند حفر زمزم ما لقي لئن ، ولد له عشرة نفر ثم بلغوا معه حتى يمنعوه ، لينحرن أحدهم لله عند الكعبة ، فلما تموا عشرة عرف أنهم سيمنعونه ، فأخبرهم بنذره ، فأطاعوه ، وقالوا: [ ص: 199 ]

كيف نصنع؟ قال: يأخذ كل رجل منكم قدحا ، ثم ليكتب فيه اسمه ، ثم ائتوني به .

ففعلوا ، ثم أتوه فدخل على هبل وقال - يعني لقيم الصنم - : اضرب بقداح هؤلاء . وكان عبد الله أصغر بني أبيه ، وكان أحبهم إلى عبد المطلب . فلما أخذها ليضرب بها ، قام عبد المطلب عند الكعبة يدعو الله ، ثم ضرب صاحب القداح ، فخرج القدح على عبد الله ، فأخذه عبد المطلب بيده ، وأخذ الشفرة ، ثم أقبل به إلى إساف ونائلة ، فقامت إليه قريش من أنديتها ، وقالوا: ما تريد أن تصنع؟ قال:

أذبحه . قالوا: لا تذبحه أبدا حتى تعذر فيه ، انطلق به فأت [به] عرافة [لها تابع فسلها] . فانطلق ، فقالت [له] : كم الدية فيكم؟ قالوا: عشرة من الإبل . قالت:

فارجعوا ثم قربوا صاحبكم ، وقربوا عشرا من الإبل ، ثم اضربوا عليه وعليها بالقداح ، فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم ، فإن خرجت على الإبل فقد رضي ونجا صاحبكم .

فقربوا عبد الله وعشرا من الإبل فخرجت على عبد الله ، فزادوا عشرا فخرجت على عبد الله ، فلم يزالوا على هذا إلى أن جعلوها مائة ، فخرج القدح على الإبل . [ ص: 200 ]

فقالوا: قد رضي ربك . فقال: لا والله حتى أضرب عليها وعليه ثلاث مرات . ففعل فخرج القدح على الإبل ، فنحرت ، ثم تركت لا يصد عنها إنسان ولا سبع .

ثم انصرف عبد المطلب بابنه فمر على امرأة من بني أسد يقال لها: أم قتال بنت نوفل بن أسد بن عبد العزى وهي أخت ورقة . فقالت: يا عبد الله ، أين تذهب؟ قال: مع أبي ، فقالت : لك عندي مثل الإبل التي نحرت عنك ، وقع علي .

فقال إني مع أبي لا أستطيع فراقه .

فخرج به عبد المطلب حتى أتى وهب بن عبد مناف بن زهرة ، وهو يومئذ سيد بني زهرة نسبا فزوجه آمنة ، وهي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسبا .

فدخل عليها ، فوقع عليها مكانه ، فحملت بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج من عندها حتى أتى المرأة التي كانت عرضت عليه نفسها ، فقال: مالك لا تعرضين علي

[ ص: 201 ]

اليوم ما كنت عرضت علي بالأمس؟ قالت له: فارقك النور الذي كان معك بالأمس ، فليس [اليوم] لي بك حاجة . وقد كانت تسمع من أخيها ورقة بن نوفل ، وكان قد تنصر واتبع الكتب ، فكان فيما ذكر : أنه كائن في هذه الأمة نبي من بني إسماعيل .

قال مؤلف الكتاب : فإن قال قائل قد ذكرت في هذا الحديث أن عبد الله كان أصغر بني أبيه ، وقد صح أن العباس أكبر من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فالجواب: أنه كان أصغر الموجودين يومئذ من ولد عبد المطلب ، ثم ولد العباس بعد ذلك .

أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيويه قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا هشام بن محمد الكلبي ، عن أبي الغياض الخثعمي قال:

مر عبد الله بن عبد المطلب بامرأة من خثعم يقال لها: فاطمة بنت مرة ، وكانت أجمل الناس وأعفهم [وكانت] قد قرأت الكتب ، وكان شباب قريش [ ص: 202 ] يتحدثون إليها ، فرأت نور النبوة في وجه عبد الله بن عبد المطلب ، فقالت: يا فتى ، من أنت؟ فأخبرها . فقالت: هل لك أن تقع علي وأعطيك مائة من الإبل؟ [فنظر إليها] وقال:


أما الحرام فالممات دونه والحل لا حل فأستبينه     فكيف بالأمر الذي تبغينه
يحمي الكريم عرضه ودينه

ثم مضى إلى امرأته آمنة بنت وهب ، فكان معها ، ثم ذكر الخثعمية وجمالها وما عرضت عليه ، فأقبل عليها فلم ير منها من الإقبال عليه [آخرا] كما رآه منها أولا ، فقال: هل لك فيما قلت لي ؟ فقالت: قد كان ذلك مرة فاليوم لا ، فذهبت مثلا . ثم قالت: أي شيء صنعت بعدي؟ قال: وقعت على زوجتي آمنة بنت وهب . فقالت:

إني والله لست بصاحبة ريبة ، ولكني رأيت نور النبوة في وجهك ، فأردت أن يكون ذلك في ، وأبى الله إلا أن يجعله حيث جعله .

وبلغ شباب قريش ما عرضت على عبد الله بن عبد المطلب وتأبيه عليها ، فذكروا ذلك لها ، فأنشأت تقول:


إني رأيت مخيلة عرضت     فتلألأت بحناتم القطر
فلمائها نور يضيء له     ما حوله كإضاءة الفجر
[ ص: 203 ] ورأيته شرفا أبوء به     ما كل قادح زيح زنده يوري
لله ما زهرية سلبت     ثوبيك ما استلبت وما تدري

وقالت أيضا:


بني هاشم قد غادرت من أخيكم     أمينة إذ للباه يعتلجان
كما غادر المصباح بعد خبوه     فتائل قد ميثت له بدهان
وما كل ما يحوي الفتى من تلاده     بحزم ولا ما فاته لتوان
فأجمل إذا طالبت أمرا فإنه     سيكفيكه جدان يصطرعان
[سيكفيكه إما يد مقفعلة     وإما يد مبسوطة ببنان]
ولما قضت منه أمينة ما قضت     نبا بصري عنه وكل لساني



[ ص: 204 ]

وأما عبد المطلب فاسمه: شيبة [الحمد] ، سمي بذلك لأنه ولد وفي رأسه شيبة .

أخبرنا هبة الله بن محمد بن الحصين قال: أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد بن عساكر قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي قال: أخبرنا ابن يونس قال:

أخبرنا يعقوب بن محمد الزهري قال: حدثنا عبد العزيز بن عمران بن عبد الله ، عن جعفر ، عن أبي عون ، عن المسور بن مخرمة ، عن ابن عباس ، عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال: قال أبي عبد المطلب :

خرجت إلى اليمن في رحلة الشتاء والصيف ، فنزلت على رجل من اليهود يقرأ الزبور . فقال: يا عبد المطلب ، ائذن لي فأنظر في بعض جسدك . فقلت : انظر ما لم يكن عورة . فنظر في منخري فقال: أجد في أحد منخريك ملكا وفي الأخرى نبوة ، فهل [لك] من شاعة؟ قلت: وما الشاعة؟ قال: الزوجة . قلت: أما اليوم فلا . قال:

فإذا قدمت مكة فتزوج . فقدم فتزوج هالة ، فولدت له حمزة ، وصفية ، وتزوج عبد الله آمنة ، فولدت له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانت قريش تقول: فلج عبد الله على أبيه .

قال مؤلف الكتاب : يقول العرب: فلج فلان على خصمه ، أي: فاز وغلب . [ ص: 205 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية