[ ص: 108 ] فصل جاء رجلان إلى  أحمد  فقال : لو جئتكم إلى المنزل وحدثتكم لكنتم أهلا لذلك وقال عروة :  ائتوني فتلقوا مني ، وصح عنه أيضا أنه كان يألف الناس على حديثه وقال في رواية حبيش    : جاء زهير  إلى ابن أبي زائدة  برجل فقال : حدثه قال : حتى أسأل عنه فقال له زهير    : متى عهدت الناس يفعلون هذا ؟ فقال له  زائدة :  ومتى عهدت الناس يسبون أبا بكر   وعمر  وقال أيوب  قال : سأل رجل  سعيد بن جبير  عن حديث فمنعه فقال له الرجل تؤجر ، فقال له : ليس كل الأجر نقوى عليه ، وكذا روي عن  أحمد    . وعن  أحمد  قال فيما روي عن أيوب  قال : لا تحدثوا الناس بما لا يعلمون أو لا يعرفون فتضروهم ، وصح عن  مسروق  قال : لا تنشر بزك إلا عند من يبغيه ، رواه  أحمد  في رواية عبد الله  وقال يعني الحديث وقال  شعبة    : أتاني  الأعمش  وأنا أحدث قوما فقال : ويحك تعلق اللؤلؤ في أعناق الخنازير ، وقال مهنا   لأحمد  ما معنى قوله ؟ فقال : معنى قوله لا ينبغي أن يحدث من لا يستأهل . 
وقال عبد الله  حدثني أبي قال : قال سفيان  قال عيسى :  عليه السلام للحكمة أهل فإن وضعتها في غير أهلها ضيعت ، وإن منعتها من أهلها ضيعت ، كن كالطبيب يضع الدواء حيث ينبغي وقال  عبد الملك بن عمير :  كان يقال : إضاعة الحديث أن يحدث به من ليس بأهل ، وعن دغفل  قال   : آفة العلم  أن تخزنه ولا تحدث به ولا تنشره وقال إبراهيم النخعي :  حدث حديثك من تشتهيه ومن لا تشتهيه فإنك تحفظه حتى كأنه أمامك تقرأه . 
روى ذلك  الخلال  وقال  عبد الرزاق  عن  معمر  عن رجل هو عمرو بن عبد الله  عن عكرمة  قال : قال عيسى  عليه السلام لا تطرح اللؤلؤ إلى الخنزير ، فإن  [ ص: 109 ] الخنزير لا يصنع باللؤلؤ شيئا ، ولا تعط الحكمة من لا يريدها ، فإن الحكمة خير من اللؤلؤ ، ومن لا يريدها شر من الخنزير وقال  مالك :  ذلك ذل وإهانة للعلم أن يتكلم به عند من لا يطيعه . 
وقال كثير بن مرة الحضرمي    : لا تحدث بالحكمة عند السفهاء فيكذبوك ، ولا تحدث بالباطل عند الحكماء فيمقتوك ، ولا تمنع العلم أهله فتأثم ، ولا تحدث به غير أهله فتجهل ، إن عليك في علمك حقا كما أن عليك في مالك حقا . 
ذكره  البيهقي  وغيره . 
وروى  الخلال  في الأخلاق أن إبراهيم بن شماس  قال كنا بعبادان  فجرى تشاجر بين طلبة الحديث ، فلم يحدثهم يعني  وكيع بن الجراح  سبعة أيام فقال : إنما أردت أدبهم ، ثم حدثهم . 
وفي الصحيحين قول  ابن عباس   لعمر  رضي الله عنهما إن الموسم يجمع الرعاع والغوغاء فأمهل حتى تقدم المدينة ،  فتخلص بأهل الفقه . فقدمنا المدينة  وذلك أن  عمر  قبل مشورة  ابن عباس ،  فلم يتكلم بذلك حتى قدم المدينة ،  قال ابن الجوزي    : في هذا تنبيه على أن لا يودع العلم عند غير أهله  ولا يحدث القليل الفهم ما لا يحتمله فهمه قال : والرعاع السفلة والغوغاء نحو ذلك ، وأصل الغوغاء صغار الجراد قال  ابن عقيل  قوله تعالى : { ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك     } . 
ذلك مع المعجز  صلى الله عليه وسلم شهد الحق له لولا تخلقه للخلق الجميل لانفضوا عنك ، ولم يقنع بالمعجز في تحصيلهم ، لا تقنع أنت بالعلوم وتظن أنها كافية في حوش الناس إلى الدين ، بل حسن ذلك وجله بالأخلاق الجميلة . 
				
						
						
