[ ص: 151 ] فصل ( في خطر كتمان العلم وفضل التعليم وما قيل في أخذ الأجر عليه    ) . 
قال مثنى    : إنه سأل أبا عبد الله  عن الحديث الذي جاء { من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار    } فرفعه ولم ير إذا سئلت عن شيء إلا أن أجيب علمت ، ولم ير الجلوس في مسجد الجامع لمكان الشهرة ، ولم يكره أن أحدث فيه إذا من أراد ذلك مني وإن كنت متعلما . 
وقال الخلال : سمعت أبا بكر أحمد بن محمد بن صدقة  يقول قال أبو عبد الله :  الأحاديث فيمن كتم علما ألجمه الله بلجام من نار لا يصح منها شيء . 
قال أبو داود    ( باب كراهية منع العلم ) ثنا  موسى بن إسماعيل  ثنا حماد  أنا علي بن الحكم  عن  عطاء  عن  أبي هريرة  قال قال رسول الله :  صلى الله عليه وسلم { من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة    } ورواه  ابن ماجه  والترمذي  وحسنه من حديث علي بن الحكم  له طرق عن علي بن الحكم   ، وعلي  من رجال  البخاري ،  ووثقه ابن سعد  وأبو داود  وغيرهما . 
وقال أبو حاتم  لا بأس به صالح الحديث وقد رواه صدقة بن موسى ،  وهو ضعيف عندهم عن  مالك بن دينار  عن  عطاء  وقال ابن الجوزي  في  قوله تعالى : { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون     } . 
قال : وهذه الآية توجب إظهار علوم الدين منصوصة كانت أو مستنبطة ، وتدل على امتناع جواز أخذ الأجرة على ذلك إذ غير جائز استحقاق الأجر على ما يجب فعله ، كذا قال ابن الجوزي  وقد يستحق  [ ص: 152 ] الأجر على ما يجب فعله كأداء الشهادة  ونحو ذلك على خلاف مشهور فيه . 
ثم ذكر ابن الجوزي  ما في الصحيحين عن  أبي هريرة  أنه قال : إنكم تقولون أكثر  أبو هريرة  عن النبي  صلى الله عليه وسلم والله الموعد وايم الله لولا آية في كتاب الله ما حدثت أحدا بشيء أبدا ثم تلا { إن الذين يكتمون ما أنزلنا     } إلى آخرها . 
وروى  ابن ماجه  عن  أبي هريرة  قال قال : رسول الله  صلى الله عليه وسلم { أفضل الصدقة أن يتعلم المسلم علما ثم يعلمه أخاه المسلم    } . وعن  أبي الدرداء   والحسن البصري  وغيرهما هذا المعنى وقد ذكر الشيخ تقي الدين بن تيمية  رحمه الله ذلك في بعض كلامه وقال : إن كاتم العلم يلعنه الله ويلعنه اللاعنون ، ومراد هؤلاء إذا لم يكن عذر وغرض صحيح في كتمانه والله أعلم وقال  سلمان الفارسي  رضي الله عنه : علم لا يقال به ككنز لا ينفق منه ، وروي مرفوعا ولا يصح 
وقال الضحاك  أول باب من العلم الصمت ثم استماعه ثم العمل به ثم نشره . 
وعن المسيح  من تعلم وعمل فذاك يسمى عظيما في ملكوت السماء ، وعن المسيح  عليه السلام علم مجانا كما علمت مجانا وقال الزهري  إياكم وغلول الكتب وقال  ابن المبارك :  إذا كتم العالم علمه ابتلي إما بموت القلب ، أو ينسى ، أو يتبع السلطان ذكر ذلك  البيهقي  وغيره وسبق هذا المعنى بنحو كراسة في فصل " جاء رجلان " وقبله بنحو كراسة في فصل قال المروذي    : 
ويشترط فهم المتعلم والسائل ويسقط الفرض بذلك ، على هذا يدل كلام إمامنا وأصحابنا ، وهو مذهب  الشافعي  ، واشترط الحنفية حفظه وضبطه أيضا ; لأنه افترض عليه التعليم بقدر ما يحتاج إليه لإقامة فرائضه ولا يتمكن إلا بالحفظ . 
وقال مهنا :  سألت  أحمد  قال قال  يحيى بن سعيد    : ربما جاءني من يستأهل فلا أحدثه ، ويجيء من لا يستأهل أن أحدثه فأحدثه . 
وعن  أحمد  أنه سئل عن شيء بعد ما ضرب قال : هذا زمان حديث ؟ فقال له السائل يا أبا عبد الله    : يحل لك أن تمنعني حقي وتمنع هذا حقه ؟ لرجل آخر  [ ص: 153 ] سأله عن شيء ، فقال : وما حقكم قال : ميراث محمد  قال : فسكت أبو عبد الله    . وعنه أيضا وقال له جماعة نسألك عن مسألة قال : قد قلت اليوم لا أجيب في مسألة ولكن ترجعون فأجيبكم إن شاء الله تعالى . 
وقال  الأثرم    : أتينا أبا عبد الله  في عشر الأضحى فقال قال أبو عوانة :  كنا نأتي  الجريري  في العشر فيقول : هذه أيام شغل وللناس حاجات فابن آدم  إلى الملال ما هو . 
وقال محمد بن يحيى الكحال  قلت لأبي عبد الله  كأني أردت أن أحثه على الحديث قال : ليس لهم إكرام للشيوخ وقال عبد الله    : جاء رجل إلى بابنا فقال لي أبي اخرج إليه فقل له : لست أحدثك ولا أحدث قوما أنت فيهم ، فقلت : ما شأنه يا أبت ؟ قال : رأيته يمجن على باب  عفان    . 
وعن  أحمد  أنه خرج إلى الكتاب ليحدث قال الراوي : فأخرجنا الكتب فاطلع رجل صاحب هيئة ولباس فنظر إليه  أحمد  فأطبق الكتاب وغضب وقام ، فقال الرجل : أنا أذهب فحدث القوم ، فقال : ليس أحدث اليوم . 
وعن مغيرة  قال : كنت أحدث الناس رغبة في الأجر ، فأنا أمنعهم اليوم رغبة في الأجر ، وعن  الميموني  أنه سمع أبا عبد الله  قال : وخرج إلينا فرأى جماعتنا فشكا ذلك إلينا ، وأخبرنا بما يكره من ذلك لمكان السلطان قال : ولولا ذلك لخف علي أن آتيهم في منازلهم قال ابن منصور  قلت  لأحمد :  أيسعك ألا تحدث ؟ قال : لم لا يسعني ؟ ، أنا قد حدثت وقال له محمد بن مسلم بن فارة :  يا أبا عبد الله  لم قطعت الحديث والناس يحتاجون فمن فعل هذا ؟ فسمى رباح بن زيد  وحبان أبو حبيب يعني ابن هلال  حدثا ثم قطعا . 
وقال المروذي  قال أبو عبد الله  سألوني يعني في المسائل التي وردت عليه من قبل الخليفة فلم أجب قلت : فلأي شيء امتنعت أن تجيب ؟ قال خفت أن تكون ذريعة إلى غيرها ; قال : وسمعت أبا عبد الله  وسأله علي بن الجهم  عن شيء فلم يجبه وقال : قد فقدت بعض ذهني  [ ص: 154 ] وسأله عبد الرحمن بن خاقان  عن شيء فلم يجبه وقال : قد فقدت بعض ذهني . 
وقال ابن الجوزي  في أوائل صيد الخاطر : أنا لا أرى ترك التحديث بعلة قول قائلهم : إني أجد في نفسي شهوة للتحديث ; لأنه لا بد من وجود شهوة الرياسة فإنها جبلة في الطباع . وإنما ينبغي مجاهدتها . ولا يترك حق للباطل . 
				
						
						
