فصل ( في كراهة الشكوى من المرض والضير واستحباب حمد الله قبل ذكرهما   ) . 
قال القاضي أبو الحسين  في الطبقات في ترجمة أبي الفضل عبد الرحمن المتطبب ،  وقال أبو العباس محمد بن أحمد بن الصلت :  سمعت عبد الرحمن المتطبب  يعرف بطبيب السنة يقول : دخلت على  أحمد بن حنبل  أعوده فقلت : كيف تجدك ؟ فقال : أنا بعين الله ، ثم دخلت على بشر بن الحارث  فقلت : كيف تجدك ؟ قال أحمد الله إليك ، أجد كذا ، أجد كذا ، فقلت : أما تخشى أن يكون هذا شكوى ؟ فقال : حدثنا  المعافى بن عمران  عن سفيان  عن منصور  عن إبراهيم  عن علقمة  والأسود  قالا : سمعنا  عبد الله بن مسعود  يقول قال رسول الله :  صلى الله عليه وسلم { إذا كان الشكر قبل الشكوى فليس بشاك    } فدخلت على  أحمد بن حنبل  فحدثته فكان إذا سألته قال : أحمد الله إليك ، أجد كذا أجد كذا . 
قال  الخلال  في عبد الرحمن  هذا : كان يأنس به  أحمد  وبشر بن الحارث  ويختلف إليهما ، وأظن أن  أبا الحسين  نقل هذا من كتاب  الخلال  ، وهذا الخبر السابق متفق عليه . 
وقال الشيخ  مجد الدين  في شرح الهداية ولا بأس أن يخبر بما يجده من ألم ووجع لغرض صحيح ، لا لقصد الشكوى . واحتج  أحمد  بقول النبي  صلى الله عليه وسلم  لعائشة  لما قالت : { وارأساه . قال : بل أنا وارأساه    }  [ ص: 183 ] 
واحتج  ابن المبارك  بقول  ابن مسعود  للنبي  صلى الله عليه وسلم { إنك لتوعك وعكا شديدا ، فقال أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم    } متفق عليه وقال  ابن عقيل  في الفنون  قوله تعالى : { لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا     } . 
يدل على جواز الاستراحة إلى نوع من الشكوى عند إمساس البلوى ونظيره { يا أسفى على يوسف     } { مسني الضر     } { ما زالت أكلة خيبر  تعاودني    } انتهى كلام  ابن عقيل    . 
وقال رجل  للإمام أحمد    : كيف تجدك يا أبا عبد الله ؟  قال : بخير في عافية ، فقال : حممت البارحة قال إذا قلت لك : أنا في عافية فحسبك لا تخرجني إلى ما أكره ، قال ابن الجوزي    : إذا كانت المصيبة مما يمكن كتمانها فكتمانها من أعمال الله الخفية . 
وقال ابن الجوزي  في موضع آخر : شكوى المريض مخرجة من التوكل وقد كانوا يكرهون أنين المريض لأنه يترجم عن الشكوى ، وذكر هذا النص عن  أحمد  وقال : فأما وصف المريض للطبيب ما يجده ، فإنه لا يضره انتهى كلامه . 
وقال عبد الله  إن أخت بشر بن الحارث  قالت  للإمام أحمد :  يا أبا عبد الله  أنين المريض شكوى قال : أرجو أنه لا يكون شكوى ولكنه اشتكى إلى الله ، وذكر غير واحد في كراهة الأنين في المرض روايتين ، ورويت الكراهة عن  طاوس  ، وذكر الشيخ تقي الدين بن تيمية  ما ذكر غيره من أن الصبر واجب قال : والصبر لا تنافيه الشكوى وقال في مسألة العبودية : والصبر الجميل صبر بغير شكوى إلى المخلوق . ثم حكي عن  أحمد  تركه الأنين لما حكي له عن  طاوس  كراهته ، ثم قال : وأما الشكوى إلى الخالق فلا تنافي الصبر الجميل وقال ابن الجوزي  في  قوله تعالى { يا أسفى على يوسف     } .  [ ص: 184 ] 
فإن قيل : هذا لفظ الشكوى فأين الصبر ؟ فالجواب من وجهين أحدهما : أنه شكا إلى الله لا منه والثاني : أنه أراد به الدعاء فالمعنى يا رب ارحم أسفي على يوسف وقال : قال  ابن الأنباري :  والحزن ونفور النفوس من المكروه والبلاء لا عيب فيه ، ولا مأثم إذا لم ينطق اللسان بكلام مؤثم ولم يشك من ربه . فلما كان قوله يا أسفى شكوى إلى ربه ، كان غير ملوم . 
				
						
						
