الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 194 ] فصل ومن آداب الأكل أن تجعل بطنك ثلاثا ، ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للنفس ، ولو أكلت كثيرا لم يكن به بأس قال الحسن ليس في الطعام إسراف ، والحديث المرفوع في ذلك ورد بالأكل تأديبا لا تحديدا ذكر ذلك في المستوعب وغيره .

قال أحمد ثنا أبو المغيرة ثنا سليمان بن سليم ثنا يحيى بن جابر الطائي سمعت المقداد بن معدي كرب الكندي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث طعام وثلث شراب وثلث لنفسه } حديث صحيح له طرق رواه النسائي وابن ماجه ، والترمذي وقال حسن وفي نسخة صحيح .

وروى الخلال في جامعه عن أحمد أنه قال وقيل له هؤلاء الذين يأكلون قليلا ويقللون من طعامهم قال ما يعجبني سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول فعل قوم هكذا فقطعهم عن الفرض .

واعلم أنه متى بالغ في تقليل الغذاء أو الشراب فأضر ببدنة أو شيء منه أو قصر عن فعل واجب لحق الله أو لحق آدمي كالتكسب لمن يلزمه مؤنته فإن ذلك محرم وإلا كره ذلك إذا خرج عن الأمر الشرعي .

وقد ذكر الأطباء أنه لا ينبغي التأخير عن تناول ذلك إذا تاقت إليه النفس وإنه إن لم يتناول الغذاء ، ثم لم تطلبه نفسه فينبغي أن لا يتناوله إذا ، بل ينهضها بالرياضة أو بالقيء وغير ذلك . ونقلت من غير الجامع وهو من كتاب الورع .

قال المروذي قلت لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل يؤجر الرجل في ترك الشهوات قال كيف لا يؤجر وابن عمر يقول ما شبعت منذ أربعة أشهر . وقلت لأبي عبد الله يجد الرجل من قلبه رقة [ ص: 195 ] وهو يشبع ؟ قال ما أرى . ، والمراد بهذا النص والله أعلم الشبع الكثير ، والمراد بالنص الأول من يأكل يسيرا يحصل له به أدنى شبع .

وقول الأصحاب رحمهم الله ولو أكلت كثيرا لم يكن به بأس أي زيادة على القدر المذكور لا مطلقا ، فإن أكل المتخوم أو الأكل المفضي إلى تخمة سبب لمرضه وإفساد بدنه وهو تضييع للمال في غير فائدة في مضرة بل وهذا بخلاف الأكل فوق مطلق الشبع فإنه لا يفضي إلى ذلك .

وقد ذكر الأصحاب أن الأكل من الميتة فوق الشبع لا يجوز وظاهره أن الأكل فوق مطلق الشبع في غير هذا الموضع يجوز وإلا لم يكن لتخصيص هذه الصورة فائدة ، وقد قال في الترغيب ولو أكل كثيرا بحيث لا يؤذيه جاز وقال في الغنية وكثرة الأكل من حيث يخاف منه التخمة مكروه .

وذكر صاحب النظم أنه لا بأس بالشبع وإنه يكره الإسراف وفي الصحيحين أو في صحيح البخاري { أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل يقول لأبي هريرة لما جاءه قدح من لبن وأمره أن يدعو له أهل الصفة فسقاهم ، ثم قال لأبي هريرة اشرب فشرب ، ثم أمره ثانيا وثالثا حتى قال والذي بعثك بالحق ما أجد له مساغا } .

وذكر ابن عبد البر وغيره أن عمر رضي الله عنه خطب يوما فقال : إياكم ، والبطنة فإنها مكسلة عن الصلاة مؤذية للجسم ، وعليكم بالقصد في قوتكم فإنه أبعد من الأشر وأصح للبدن وأقوى على العبادة ، وإن امرأ لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه .

وقال علي رضي الله عنه : المعدة حوض البدن ، والعروق واردة عليها وصادرة عنها فإذا صحت صدرت العروق عنها بالصحة ، وإذا سقمت صدرت العروق بالسقم .

وقال الفضيل بن عياض اثنتان يقسيان القلب كثرة الكلام وكثرة الأكل وقال لقمان لابنه يا بني لا تأكل شيئا على شبع فإنك إن تتركه للكلب خير لك من أن تأكله .

وقال ابن هبيرة في حديث أبي هريرة من قبل نفسه وفي معنى ذلك [ ص: 196 ] المآكل التي الغالب فيها الأذى ، والإفراط في الشبع وإدخال الطعام على الطعام ومطاوعة الشره ، والتعريض بالنفس فيما الغالب فيه الأذى ، ومن ذلك أن يستلقي تحت حائط مائل أو ينام على سطح ليس له حجار ، أو يركب البحر عند ارتجاجه أو يتعرض من البلاء ما لا يطيقه كذا قال في النوم على السطح وليست نظير ذلك وسيأتي .

وقال أيضا لا ينبغي أن يتناول فوق حاجته ; لأنه قوته وقوت غيره فالقسمة بينه وبين غيره لم يمكن تقديرها إلا بالإشارة بحسب الاحتياج فإذا أخذ من شيء هو مشاع بينه وبين غيره أكثر من حاجته فقد ظلم غيره بمقدار التفاوت .

وعن سمرة بن جندب أنه قيل له إن ابنك بات البارحة بشما قال أما لو مات لم أصل عليه قال الشيخ تقي الدين يعني أنه أعان على قتل نفسه فيكون كقاتل نفسه وقال في موضع آخر يكره أن يأكل حتى يتخم ، ثم ذكر ما سبق عن سمرة .

واعلم أن كثرة الأكل تنوم وإنه ينبغي النفرة ممن عرف بذلك واشتهر به واتخذه عادة ولهذا روى مسلم عن نافع رأى ابن عمر مسكينا فجعل يضع بين يديه ويضع بين يديه فجعل يأكل كثيرا قال لا تدخلن هذا علي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { المؤمن يأكل في معى واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء } .

وروى أيضا عن عمرو بن دينار قال كان أبو نهيك رجلا أكولا فقال له ابن عمر إن رسول الله قال { إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء قال فأنا أومن بالله ورسوله } ولمسلم من حديث جابر ومن حديث أبي موسى { المؤمن يأكل في معى واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء } .

وعن أبي هريرة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف وهو كافر فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فحلبت له فشرب حلابها حتى شرب حلاب سبع شياه ، ثم إنه أصبح فأسلم فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فشرب حلابها ، ثم أمر له [ ص: 197 ] بأخرى فلم يتمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن يشرب في معى واحد ، والكافر يشرب في سبعة أمعاء } رواه مسلم .

وروى البخاري عن أبي هريرة { أن رجلا كان يأكل أكلا كثيرا فأسلم فكان يأكل أكلا قليلا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إن المؤمن يأكل في معاء واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء } .

قيل ذلك على ظاهره ولهذا احتج به ابن عمر فقيل المؤمن يقصد في أكله وقيل إنه يسمي الله فلا يشاركه فيه الشيطان ، والكافر بالعكس قال الأطباء لكل إنسان سبعة أمعاء المعدة ، ثم ثلاثة متصلة بها رقاق ، ثم ثلاثة غلاظ فالمؤمن لاقتصاده وتسميته يكفيه ملء أحدها ، والكافر بالعكس .

وقيل المراد الجنس فلا يلزم ذلك في كل فرد من مؤمن وكافر وقيل المراد سبع صفات الحرص ، والشره وطول الأمل ، والطمع وسوء الطبع ، والحسد ، والسمن ، وقيل هذا في رجل بعينه قيل له على وجه التمثيل وإنما قال ابن عمر ما قال ; لأنه أشبه الكفار ومن أشبه الكفار كرهت مخالطته لغير حاجة وما يأكله هذا يسد خلة جماعة .

وقال الشيخ تقي الدين في موضع آخر الإسراف في المباحات هو مجاوزة الحد وهو من العدوان المحرم وترك فضولها هو من الزهد المباح وأما الامتناع من فعل المباحات مطلقا كالذي يمتنع من أكل اللحم أو أكل الخبز أو شرب الماء أو من لبس الكتان ، والقطن ولا يلبس إلا الصوف ويمتنع من نكاح النساء ويظن أن هذا من الزهد المستحب ، فهذا جاهل ضال إلى أن ذكر أن الله أمر بالأكل من الطيبات ، والشكر له ، والطيب هو ما ينفع الإنسان ويعينه على الطاعة وحرم الخبائث وهو ما يضره في دينه وأمر بشكره وهو العمل بطاعته بفعل المأمور به وترك المحظور قال فمن أكل من الطيبات ولم يشكر ربه ولم يعمل صالحا كان معاقبا على تركه من فعل الواجبات ولم يحل له الطيبات فإن الله تعالى إنما أحلها لمن يستعين بها على طاعته .

ولم يحلها لمن يستعين بها على معصيته كما قال تعالى : [ ص: 198 ] { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } الآية قال ولهذا لا يجوز أن يعان الإنسان بالمباحات على المعاصي مثل من يعطي اللحم ، والخبز لمن يشرب عليه الخمر ويستعين به على الفواحش قال وقوله تعالى : { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } أي عن الشكر على النعيم فيطالب العبد بأداء شكر الله على النعيم فإن الله تعالى لا يعاقب على ما أباح وإنما يعاقب على ترك مأمور وفعل محذور انتهى كلامه .

وآية المائدة ذكر معنى كلامه فيها بعض المفسرين كما هو ظاهرها . فأما السؤال عن النعيم فقيل يختص بالكفار ويعذبون على ترك الشكر وقيل عام ، ثم النعيم هل هو عام أو خاص ؟ فيه قولان ، ثم في تعيينه نحو عشرة أقوال ، وظاهر اللفظ العموم فيها قال ابن الجوزي وهو الصحيح قال فالكافر يسأل توبيخا له إذا لم يشكر المنعم ولم يوحده ، والمؤمن يسأل عن شكرها كذا قال فظاهره لا يسأل توبيخا وتعذيبا وهو ظاهر كلام بعض المفسرين .

قال ابن الجوزي بعد كلامه المذكور : وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { يقول الله عز وجل ثلاث لا أسأل عبدي عن شكرهن وأسأله عما سوى ذلك بيت يسكنه وما يقيم به صلبه من الطعام وما يواري به عورته من اللباس } ويأتي ما يتعلق بهذا في فصل تقبيل الخبز ، ويوافق كلام الشيخ تقي الدين ما ذكره المهدوي في تفسيره في قوله تعالى { غير محلي الصيد } وسبق في الفصل قوله [ ص: 199 ] { لتسألن يومئذ عن النعيم } قال القاضي أي عن القيام بحق شكره .

وقال أبو زكريا النواوي سؤال تعداد النعم وإعلام بالامتنان بها لا سؤال توبيخ ومحاسبة ، وقول الشيخ تقي الدين إن الامتناع من المباح رأسا جهل كذا قال غيره من العلماء ; لأنه خلاف فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وطريقه فمن اتخذ طريقا إلى الله سبحانه خلاف طريقه فإنما يروم ذلك ويظن أنها أوصل إلى المقصود وأبلغ في حصول المطلوب لا سيما مع شدة طريقه وضيقها ولا يخفى أن هذا من الجهل ، والضلال .

وقد ذكر أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي رحمه الله في كتاب الباعث على إنكار البدع ، والحوادث ما رواه أبو بكر الخلال من أصحابنا رحمهم الله في كتاب الجامع أن رجلا جاء إلى مالك بن أنس رضي الله عنه فقال من أين أحرم قال من الميقات الذي وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحرم فقال الرجل فإني أو فإن أحرمت من أبعد منه قال مالك لا أرى ذلك ، فقال ما تكره من ذلك قال أكره عليك الفتنة قال وأي فتنة في ازدياد الخير قال فإن الله تعالى يقول : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } .

وأي فتنة أكبر من أنك خصصت بفعل لم يخصص به رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية أن رجلا قال لمالك بن أنس من أين أحرم قال من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعاد عليه مرارا قال فإن زدت على ذلك قال فلا تفعل فإني أخاف عليك الفتنة قال وما في هذا من الفتنة إنما هي أميال أزيدها [ ص: 200 ] قال فإن الله تعالى يقول : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } .

قال وأي فتنة في هذا قال مالك وأي فتنة أعظم من أن تري اختيارك لنفسك خيرا من اختيار الله تعالى واختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه { أن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر فقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا آكل اللحم . وقال بعضهم لا أنام على فراش فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال أما بعد ما بال أقوام قالوا كذا ، لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني } . وفي مسلم عن عبد الله بن مسعود أن النبي قال { هلك المتنطعون قالها ثلاثا }

وهم المبالغون في الأمور ، وقد روي عن صفوان بن سليم وهو من التابعين الصلحاء أنه عاهد الله أن لا يضع جنبه إلى الأرض ما بقي في الدنيا وعاش بعد ذلك ثلاثين سنة ووفى بذلك .

وعن داود الطائي أنه كان يسف السويق لئلا يشتغل بمضغ الخبز وغيره عن الذكر ، وعن غيرهما من العباد معنى هذه الأحوال ولعل ذلك لا يصح عن عابد عالم ، وعابد جاهل لا عبرة برأيه فإن صح ذلك فإنه محجوج برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال مالك رضي الله عنه الكلام المشهور : كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر بعض ذلك وغيره عن بعض العباد رحمهم الله قال ولعمري إن هذه خيرات ولكن عليك بالجادة طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم .

أو كما قال ، وأما إن أسرف في تناول ذلك [ ص: 201 ] فقال ابن عقيل وجماعة ظاهر كلام أحمد رحمه الله أن التبذير والإسراف ما أخرجه في الحرام لقوله : لو أن الدنيا لقمة فوضعها في في أخيه لم يكن إسرافا .

وقال القاضي أبو يعلى إن لم يخف الفقر لم يكن مسرفا ، وإلا فهو من السرف المنهي عنه وقال ابن الجوزي في التبذير قولان :

أحدهما أنه إنفاق المال في غير حق قاله ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وقال الزجاج في غير طاعة .

( والثاني ) الإسراف المتلف المال { إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين } .

يوافقونهم فيما يدعونهم إليه ويشاكلونهم في معصية الله { وكان الشيطان لربه كفورا } أي جاحدا لنعمه قال ابن الجوزي : وهذا يتضمن أن المسرف كفور للنعم وذكر غير واحد من أصحابنا أن التبذير أن يصرفه في حرام أو في غير فائدة والمسألة مذكورة في الفقه في باب الحجر ، وسبق كلام الشيخ تقي الدين أن الإسراف في المباحات محرم وقد يحتج لعدم التحريم بعموم القرآن وإطلاقه من غير نظر إلى السبب كقوله تعالى : { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } .

وكقوله : { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } . وبأنه إجماع سابق في البناء والعمارة كما يأتي في كلام ابن حزم فهذا أولى ، ومن قال بخلاف ذلك يحتج بإطلاق قوله تعالى : [ ص: 202 ] { ولا تسرفوا } . ويحمل ما سبق على أن المراد الإباحة في الجملة لا مع السرف ; لأنه أخص وحيث لم يحرم فمعلوم أن تركه أولى ، وهل يكره ؟ ظاهر ما ذكره بعضهم أنه لا يكره ; لأن الأصل عدم الكراهة وعدم دليلها ويأتي كلام ابن عقيل في فصول التكسب : أقسم بالله لو عبس الزمان في وجهك مرة لعبس في وجهك أهلك وجيرانك ثم حث على الإمساك ، وقول أحمد في الكرم والبخل متمثلا :

قليل المال تصلحه فيبقى ولا يبقى الكثير على الفساد

وهذا يدل على الكرامة ، وهذا معلوم في الشاهد والغائب ، افتقر خلق كثير بالإسراف في اللذات والشهوات وظاهر كلام ابن الجوزي الكراهة قال في قوله تعالى : { ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا } .

قال المفسرون المراد بطيباتهم ما كانوا فيه من اللذات مشتغلين بها عن الآخرة معرضين عن شكرها ، ولما وبخهم الله تعالى بذلك آثر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصالحون بعدهم اجتناب نعيم العيش ولذته ليتكامل أجرهم ولئلا يلهيهم عن معادهم .

روى جابر قال رأى عمر لحما معلقا في يدي فقال : ما هذا يا جابر ؟ فقلت : اشتهيت لحما فاشتريته ، فقال أو كلما اشتهيت اشتريت يا جابر ؟ أما تخاف هذه الآية : { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا } .

وعن عمر رضي الله عنه أنه قيل له لو أمرت أن يصنع لك طعام ألين [ ص: 203 ] من هذا فقال : إني سمعت الله عير أقواما فقال : { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا } انتهى كلامه .

الأثر عن جابر في الموطأ وفيه أنه اشترى لحما بدرهم ، وأن عمر قال له : ما يريد أحدكم أن يطوي بطنه عن جاره وابن عمه أين يذهب عنكم قوله تعالى : { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها } .

وما يروى عن السلف وأئمة الخلف المقتدى بهم في العلم والدين ما يدل على خلاف ذلك ولا يتحقق فيه إسراف والكلام فيه .

وقد قال أبو حازم لسهل بن سعد هل أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي ؟ فقال : ما رأى النقي من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله ، فقلت هل كان لكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مناخل ؟ قال : ما رأى منخلا من حيث ابتعثه الله حتى قبضه الله قلت : كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول ؟ قال : كنا نطحنه وننفخه فيطير ما طار وما بقي ثريناه رواه أحمد والبخاري والترمذي وزاد بعد قوله : النقي يعني الحواري ثرينا عجناه

وسيأتي في آداب المساجد حكم إنفاق المال في البناء والعمارة ، وكلام الشيخ تقي الدين وأما إنفاقه في الصدقة فمذكور في الفقه في صدقة التطوع ويأتي في فصول التكسب والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية