وقال في الفنون أيضا
nindex.php?page=treesubj&link=19691_19897_19947من كمال الآداب تلمح النفس وإزالة كل ما يكره منها ويؤذي عند المخالطة وإن أمكن ذاك ، وإلا فإراحة الناس بالانفراد والاعتزال فالثقيل المخالط سقم في الأبدان ومؤنة على القلوب ، وتضييق للأنفاس ، وحصر للحواس والألم يعري الأرواح تفضلا عن الأشباح ، والقذر نقضه المجالس ، والمستعلم عما يستره الناس مكشف لأستار التجمل ، والأرعن مرتعد الطباع المغلوبة بالحكمة ، والأحمق مفسد للقوانين ومحوج إلى سوء أخلاق المعلمين ، ومزر على أهل الدنيا والدين ، والمهازل مسقط لوقار المجالس مذهب لحشمة المنازل وما حط شرفا مثل هزل . وقطع الروائح الكريهة ، والبعد عن مجالس الأنس فكم من أنيس بين جلساء أوحشه مداخلة ثقيل يجهل ثقل نفسه على الناس ، وتقليل الكلام من حسن الإصغاء والإنصات ، والبعد عن العاملين ذوي النشاط إذا اعتراك التثاؤب والنعاس فذلك يكسل العمال ويفتر الصناع ، وانتقاد الألفاظ قبل إخراجها إلى الأسماع فكم من نم أراق دماءكم من حرف جر حنقا وإياك والكلام فيما ليس من مجارك فذاك يحط قدرك ، ويكشف عن محلك وأنت مع سكوتك مخبوء تحت لسانك تترامى ظنون
[ ص: 586 ] الناس فيك بين من يعتقدك بذلك عالما فإذا ظهر مقدارك من لفظك تعجل سقوط قدرك .
لا تواكلن جائعا إلا بالإيثار ، ولا تواكلن غنيا إلا بالأدب ، ولا تواكلن ضيفا إلا بالنهمة والانبساط ولا تلقين أحدا بما يكره وإن كنت ناصحا فإن ذلك ينفره عن القبول لنصحك ولا تدعه من الأسماء إلا بأحبها إليه ، وتغافل عن هفوات الناس فذلك داعية لدوام العشرة ، وسلامة الود ، وخفف مؤنتك بترك الشكوى ، وإذا كرهت من غيرك خلقا فلا تأته ، وإذا حمدته فتخلق به ، ولا تستصغر كبير الذنب فتعرى ، ولا تستكبر صغيرها فتيأس ، وأعط كل ذنب حقه من عقوبته إن قدرت ، ومن اللائمة والهجران إن عن العقوبة عجزت ولا تقتض الناس بجراء إحسانك اقتضاء البائع بثمن سلعته ، ولا تمنن عليهم فالمن استيفاء لمعروفك أو تكدير لبرك فإن قدرت على هذه الخلائق في معاشرتك وإلا فالعزلة خير لك وخير للناس ، فإنك بستر نفسك تستريح من احتقاب الآثام بإسقاط جرم الأنام ، والسلام .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13371ابن عقيل في الفنون بإسناده عن
هشام بن سليمان المخزومي عن أبيه قال أذن
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية للناس إذنا عاما فلما احتفل المجلس قال أنشدوني ثلاثة أبيات لرجل من
العرب كل بيت منها مستقل بمعناه ، فسكتوا فلما سكتوا علم أنهم قد أعيوا إذ طلع
nindex.php?page=showalam&ids=14عبد الله بن الزبير فقيل : مقول
العرب وعلامتها ، فقال
أبا خبيب فقال مهيم قال أنشدني ثلاثة أبيات لرجل من
العرب كل بيت قائم بمعناه قال بستمائة ألف قال وتساوي قال فأنت بالخيار وأنت واف كاف فأنشده
للأفوه الأودي :
[ ص: 587 ] بلوت الناس قرنا بعد قرن فلم أر غير ختال وقال
قال : صدقت هيه قل البيت الثاني ، فقال :
وذقت مرارة الأشياء طرا فما طعم أمر من السؤال
قال : صدقت قل البيت الثالث فقال :
ولم أر في الخطوب أشد وقعا وأصعب من معاداة الرجال
.
وَقَالَ فِي الْفُنُونِ أَيْضًا
nindex.php?page=treesubj&link=19691_19897_19947مِنْ كَمَالِ الْآدَابِ تَلَمُّحُ النَّفْسِ وَإِزَالَةُ كُلِّ مَا يُكْرَهُ مِنْهَا وَيُؤْذِي عِنْدَ الْمُخَالَطَةِ وَإِنْ أَمْكَنَ ذَاكَ ، وَإِلَّا فَإِرَاحَةُ النَّاسِ بِالِانْفِرَادِ وَالِاعْتِزَالِ فَالثَّقِيلُ الْمُخَالِطُ سَقَمٌ فِي الْأَبْدَانِ وَمُؤْنَةٌ عَلَى الْقُلُوبِ ، وَتَضْيِيقٌ لِلْأَنْفَاسِ ، وَحَصْرٌ لِلْحَوَاسِّ وَالْأَلَمُ يُعَرِّي الْأَرْوَاحَ تَفَضُّلًا عَنْ الْأَشْبَاحِ ، وَالْقَذَرُ نَقْضُهُ الْمَجَالِسَ ، وَالْمُسْتَعْلِمُ عَمَّا يَسْتُرُهُ النَّاسُ مُكَشِّفٌ لِأَسْتَارِ التَّجَمُّلِ ، وَالْأَرْعَنُ مُرْتَعِدُ الطِّبَاعِ الْمَغْلُوبَةِ بِالْحِكْمَةِ ، وَالْأَحْمَقُ مُفْسِدٌ لِلْقَوَانِينِ وَمُحْوِجٌ إلَى سُوءِ أَخْلَاقِ الْمُعَلِّمِينَ ، وَمُزْرٍ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ ، وَالْمُهَازِلُ مُسْقِطٌ لِوَقَارِ الْمَجَالِسِ مُذْهِبٌ لِحِشْمَةِ الْمَنَازِلِ وَمَا حَطَّ شَرَفًا مِثْلُ هَزْلٍ . وَقَطْعُ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ ، وَالْبَعْدُ عَنْ مَجَالِسِ الْأُنْسِ فَكَمْ مِنْ أَنِيسٍ بَيْنَ جُلَسَاءَ أَوْحَشَهُ مُدَاخَلَةُ ثَقِيلٍ يَجْهَلُ ثِقَلَ نَفْسِهِ عَلَى النَّاسِ ، وَتَقْلِيلُ الْكَلَامِ مِنْ حُسْنِ الْإِصْغَاءِ وَالْإِنْصَاتِ ، وَالْبُعْدُ عَنْ الْعَامِلِينَ ذَوِي النَّشَاطِ إذَا اعْتَرَاك التَّثَاؤُبُ وَالنُّعَاسُ فَذَلِكَ يُكْسِلُ الْعُمَّالَ وَيُفَتِّرُ الصُّنَّاعَ ، وَانْتِقَادُ الْأَلْفَاظِ قَبْلَ إخْرَاجِهَا إلَى الْأَسْمَاعِ فَكَمْ مِنْ نَمٍّ أَرَاقَ دِمَاءَكُمْ مِنْ حَرْفٍ جَرَّ حَنَقًا وَإِيَّاكَ وَالْكَلَامَ فِيمَا لَيْسَ مِنْ مَجَارِكَ فَذَاكَ يَحُطُّ قَدْرَك ، وَيَكْشِفُ عَنْ مَحَلِّك وَأَنْتَ مَعَ سُكُوتِك مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِك تَتَرَامَى ظُنُونُ
[ ص: 586 ] النَّاسِ فِيك بَيْنَ مَنْ يَعْتَقِدُكَ بِذَلِكَ عَالِمًا فَإِذَا ظَهَرَ مِقْدَارُك مِنْ لَفْظِك تَعَجَّلَ سُقُوطُ قَدْرِك .
لَا تُوَاكِلَنَّ جَائِعًا إلَّا بِالْإِيثَارِ ، وَلَا تُوَاكِلَنَّ غَنِيًّا إلَّا بِالْأَدَبِ ، وَلَا تُوَاكِلَنَّ ضَيْفًا إلَّا بِالنَّهْمَةِ وَالِانْبِسَاطِ وَلَا تَلْقَيَنَّ أَحَدًا بِمَا يَكْرَهُ وَإِنْ كُنْت نَاصِحًا فَإِنَّ ذَلِكَ يُنَفِّرُهُ عَنْ الْقَبُولِ لِنُصْحِك وَلَا تَدْعُهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ إلَّا بِأَحَبِّهَا إلَيْهِ ، وَتَغَافَلْ عَنْ هَفَوَاتِ النَّاسِ فَذَلِكَ دَاعِيَةٌ لِدَوَامِ الْعِشْرَةِ ، وَسَلَامَةِ الْوُدِّ ، وَخَفِّفْ مُؤْنَتَك بِتَرْكِ الشَّكْوَى ، وَإِذَا كَرِهْت مِنْ غَيْرِك خُلُقًا فَلَا تَأْتِهِ ، وَإِذَا حَمِدْتَهُ فَتَخَلَّقْ بِهِ ، وَلَا تَسْتَصْغِرْ كَبِيرَ الذَّنْبِ فَتَعْرَى ، وَلَا تَسْتَكْبِرْ صَغِيرَهَا فَتَيْأَسْ ، وَأَعْطِ كُلَّ ذَنْبٍ حَقَّهُ مِنْ عُقُوبَتِهِ إنْ قَدَرْت ، وَمِنْ اللَّائِمَةِ وَالْهِجْرَانِ إنْ عَنْ الْعُقُوبَةِ عَجَزْت وَلَا تَقْتَضِ النَّاسَ بِجَرَّاءِ إحْسَانِكَ اقْتِضَاءَ الْبَائِعِ بِثَمَنِ سِلْعَتِهِ ، وَلَا تَمْنُنْ عَلَيْهِمْ فَالْمَنُّ اسْتِيفَاءٌ لِمَعْرُوفِك أَوْ تَكْدِيرٌ لِبِرِّك فَإِنْ قَدَرْت عَلَى هَذِهِ الْخَلَائِقِ فِي مُعَاشَرَتِك وَإِلَّا فَالْعُزْلَةُ خَيْرٌ لَك وَخَيْرٌ لِلنَّاسِ ، فَإِنَّك بِسَتْرِ نَفْسِك تَسْتَرِيحُ مِنْ احْتِقَابِ الْآثَامِ بِإِسْقَاطِ جُرْمِ الْأَنَامِ ، وَالسَّلَامُ .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=13371ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ
هِشَامِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَذِنَ
nindex.php?page=showalam&ids=33مُعَاوِيَةُ لِلنَّاسِ إذْنًا عَامًّا فَلَمَّا احْتَفَلَ الْمَجْلِسُ قَالَ أَنْشِدُونِي ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ لِرَجُلٍ مِنْ
الْعَرَبِ كُلُّ بَيْتٍ مِنْهَا مُسْتَقِلٌّ بِمَعْنَاهُ ، فَسَكَتُوا فَلَمَّا سَكَتُوا عَلِمَ أَنَّهُمْ قَدْ أُعْيُوا إذْ طَلَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=14عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَقِيلَ : مِقْوَلُ
الْعَرَبِ وَعَلَّامَتُهَا ، فَقَالَ
أَبَا خُبَيْبٍ فَقَالَ مَهْيَمْ قَالَ أَنْشِدْنِي ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ لِرَجُلٍ مِنْ
الْعَرَبِ كُلُّ بَيْتٍ قَائِمٌ بِمَعْنَاهُ قَالَ بِسِتِّمِائَةِ أَلْفٍ قَالَ وَتُسَاوِي قَالَ فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ وَأَنْتَ وَافٍ كَافٍ فَأَنْشَدَهُ
لِلْأَفْوَهِ الْأَوْدِيِّ :
[ ص: 587 ] بَلَوْتُ النَّاسَ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ فَلَمْ أَرَ غَيْرَ خَتَّالٍ وَقَالٍ
قَالَ : صَدَقْت هِيهِ قُلْ الْبَيْتَ الثَّانِيَ ، فَقَالَ :
وَذُقْت مَرَارَةَ الْأَشْيَاءِ طُرًّا فَمَا طَعْمٌ أَمَرُّ مِنْ السُّؤَالِ
قَالَ : صَدَقْت قُلْ الْبَيْتَ الثَّالِثَ فَقَالَ :
وَلَمْ أَرَ فِي الْخُطُوبِ أَشَدَّ وَقْعًا وَأَصْعَبَ مِنْ مُعَادَاةِ الرِّجَالِ
.