الولاية السادسة :
nindex.php?page=treesubj&link=7797ولاية الكشف عن التظالم ، قال
الماوردي :
nindex.php?page=treesubj&link=7799يشترط في متوليها جلالة القدر ، ونفوذ الأمر ، وعظيم الهيبة ، والعفة والورع ، لأنه يحتاج في منصبه إلى سطوة الحماة وتثبت الأمر ، وتثبت القضاة ، فلا بد من صفة الفريقين له ، فيمزج قوة السلطنة بنصف القضاة ، وأول من أفرد للظلامات يوما
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان وكان يرد مشكلاتها إدريس الأول ذي لهيبة الناس من
عبد الملك ، ثم تفاقمت المظالم ، وكذلك ينبغي أن يكون لها يوم معلوم ليقصده الناس ، وليكن الناظر في المظالم سهل الحجاب ، ونوه الأصحاب ، ويحتاج لخمسة في مجلسه لا بد له منهم ، الحماة لجنف القوي العسوف ، والقضاة ليعلموه ما يثبت عندهم من الحقوق ، والفقهاء ليراجعوه فيما أشكل من الوقائع ، والكتاب ليثبتوا ما جرى بين الخصوم ، والشهود ليشهدوا على ما تحرر من حق وحكم به .
[ ص: 39 ] nindex.php?page=treesubj&link=7800والفرق بين نظر المظالم والقضاة من عشرة أوجه ، له من القوة والهيبة ما ليس لهم ، وهو أفسح مجالا منهم ، ويستعمل فيه من الإرهاب وكشف الأشياء بالأمارات الدالة وشواهد الأحوال اللائحة مما يؤدي إلى ظهور الحق بخلافهم ، ويقاتل من ظهر ظلمه بالتأديب بخلافهم ، ويتأنى في ترداد الخصوم عند اللبس له ، ليمعن في الكشف بخلافهم إذا سألهم أحد الخصمين فصل الحكم لا يؤخره ، وله رد الخصوم إذا أعضلوا إلى وساطة الأمناء ليفعلوا بينهم صلحا عن تراض ، وليس القصاص برضا الخصمين ، وله أن يفسح في ملازمة الخصمين إذا وضحت أمارات التجاحد ، ويأذن في إلزام الكفالة فيما يسوغ فيه التكفل لينقاد الخصوم إلى التناصف ويتركوا التجاحد ، بخلافهم ، ويسمع المسترين بخلافهم ، ويحلف الشهود إن ارتاب فيهم بخلاف القضاة ، ويبتدئ باستدعاء الشهود ويسرهم عما عندهم في القضية بخلافهم لا يسمعون البينة حتى يريد المدعي إحضارهم : أو مسألته لها .
فرع
قال
الماوردي من الشافعية . إذا ظهر كتاب فيه شهود معدلون حاضرون فله الإنكار على الجاحد بحسب شواهد أحواله ، وإن لم يكونوا معدلين أو أحضرهم وسبر أحوالهم ، فإن وجدهم من أهل الصيانات قبلهم ، أو أراد أن لا يعول عليهم ، ولكن يولي الإرهاب عن الخصم ويسأله ما سبب وضع يده ؟ أو متوسطين ، فله إحلافهم قبل الشهادة وبعدها ، فإن كان في الكتاب شهود موتي يعدلون ، والكتاب موثوق بصحته ، فيرهب على المدعى عليه حتى يضطره للصدق ويسأله عن دخول يده لعل في جوابه ما يوضح الحق بكشف من الجيران ، فإن لم يتضح مع هذا كله رده إلى وساطة رئيس مطاع له بهما معرفة وبما يتنازعاه ليضطرهما بكثرة التردد إلى الصدق والصلح ، فإن تعسر أمرهما ، ثبت بما يوجه حكم القضاة ،
nindex.php?page=treesubj&link=15312وإن كان مع المدعي خط [ ص: 40 ] المدعى عليه ، سأل المدعى عليه ، فإذا اعترف بخطه ، سأله عن صحة مضمونه ، فإن اعترف ألزمه بإقراره ، وإن لم يعترف بصحة مضمونه فقيل : يحكم عليه بخطه لأنه - ظاهر حال ، والمحققون قالوا : بل يسأله فإن قال : هو فرض وما قبضته فيقوي الإرهاب ، ثم يرد لواسطة ، فإن انفصلا وإلا فحكم القضاة ، فإن أنكر الخط أمر بمن يختبر الخط بخطوطه التي كتبها وتكفلها من كثرة الكتابة ، ويمنع من التصنع فيها ، فإن تشابهت بخطه حكم به عليه على قول من يجعل
nindex.php?page=treesubj&link=15312الخط اعترافا ، ولا من يرى ذلك يرى كثرة الإرهاب عليه ، فإن كان خطه منافيا ، رجع الإرهاب على المدعي ، ثم يردان إلى الواسطة على ما تقدم ، فإن أتى بحساب يتضمن الدعوى ، وهو حساب الطالب ، وهو منتظم لا شبهة فيه ، فيرهب بحسب شواهد الحال ، ثم يردان للواسطة ، وإن كان غير منتظم طرحه ، أو حساب المدعى عليه وهو منسوب إلى خطه ، يسأل : أهو خطك ؟ فإن اعترف سئل عن صحة مضمونه فإن اعترف ألزمه بإقراره ، وإن لم يذكر صحته ، واعترف أنه خطه : فقيل : يحكم عليه كما تقدم في الخط ، بل الثقة به أقوى من الخط المرسل ، لأن الحساب لا يثبت فيه قبض ما لم يقبض بخلاف ، وقال الجمهور : لا يحكم عليه بالخط ولا بالحساب ، بل الإرهاب والرد إلى الواسطة إلى حكم القضاة ،
nindex.php?page=treesubj&link=15312وإن كان الحساب منسوبا إلى خط كاتبه سئل عنه المدعي عليه قبل كاتبه ، فإن أنكر سئل كاتبه وأرهب ، فإن أنكر ضعفت الشبهة ، وإن أقر صار شاهدا على المدعى عليه . هذا كله فيما يقوي الدعوى ، فإن اقترن بالدعوى ما يضعفها وهو إما كتاب يعارضها شهوده ، وحضور معدلون ، فيرهب المدعي بحسب حاله ، وإن لم يقترن بالدعوى ما يقويها ولا ما يضعفها ، لكن حصلت غلبة ظن ، صدق المدعي مع خلوه عن حجته بأن يكون مستعلانا قليل ، والمدعي ذا بأس وقدرة ، وقد ادعى عليه غضب عقار ، ومثله لا
[ ص: 41 ] يغصب مثل هذا ، أو يكون المدعي مشهورا بالصدق ، وخصمه بخلافه ، أو يستويان في الأحوال ، غير أنه للمدعى عليه من غير حكم ، ويسأله عن سبب دخول يده ، فإن غلب على الظن صدق المدعى عليه بالأمارات المتقدمة ، فلا تسمع الدعوى إلا بعد ذكر السبب ، كما قاله
مالك في القضاء ، ويبالغ في الكشف حتى يظهر الحق ، فإن استوت الحالان في الظنون سوى بينهما في الغلظ والإرهاب والكشف ، فإن لم يظهر الحق رد إلى الواسطة ، فإن انفصلا وإلا فحكم القضاة .
فرع
قال :
nindex.php?page=treesubj&link=15306إذا رفعت الجرائم كالسرقة والزنى ونحوهما لقاض لم يسمع لا يحبس المتهم بكشف استبراء ، ولا يأخذه بأسباب الإقرار إجبارا ، ولا يسمع الدعوى إلا محررة بشروطها وإلا فيروي الأحاديث ، امتاز على القضاة بتسعة أوجه : فيسمع قذف المتهم على أعوان الإمارة من غير تحقيق الدعوى المفسرة ، ويرجع إلى قولهم : هل هم من أهل هذه التهمة أم لا ، فإن نزهوه أطلقه ، أو قذفوه بالغ في الكشف ، بخلاف القضاء ) . . . ) شواهد الحال بأن يكون المتهم بالزنا متصنعا للنساء ، أو بالسرقة من أهل الزعارة ، وليس ذلك للقضاة ، يعجل
nindex.php?page=treesubj&link=25710حبس المتهم شهرا للكشف ، أو يحبس ما يراه بخلاف القضاة ، ويجوز له مع قوة التهمة
nindex.php?page=treesubj&link=27897ضرب المتهم ضرب تعزير لا ضرب حد ليصدق ، فإن أقر وهو مضروب : اختبرت حاله فإن ضرب ليقر فلا يعتبر إقراره تحت الضرب ، أو ليصدق وأعاد إقراره بعد الضرب أخذ بالإقرار الثاني ، ويجوز العمل بالإقرار الأول مع كراهة ، وليس كذلك القضاة ، وله فيمن
nindex.php?page=treesubj&link=25670تكررت منه الجرائم ولم ينزجر بالحدود استدامة حبسه إذا أضر الناس بجرائمه حتى يموت ،
[ ص: 42 ] ويقوته ويكسوه من بيت المال ، بخلاف القضاة ، وله إحلاف المتهم لاختبار حاله ، ويملك عليه الكشف عن أمره ، ويحلفه بالطلاق والصدقة والعتاق كأيمان بيعة السلطان ، ولا يحلف قاض أحدا في غير حق ، ولا يحلف إلا باليمين بالله ، وله أخذ المحكوم بالتوبة قهرا ، ويظهر له من الوعيد ما يقوده إليها طوعا ، ويتوعده بالقتل فيما لا يجب فيه القتل ؛ لأنه إرهاب لا تحقيق ، ويجوز أن يحقق وعيده بالأدب دون القتل ، بخلاف القضاة ، وله سماع شهادات أهل المهن ومن لا يسمعه القاضي إذا كثر عددهم ، وله النظر في المواثبات ، وإن توجب غربا ولا حدا ، فإن لم يكن بواحد منهم أثر ، سمع قول من سبق بالدعوى ، أو به أثر : فقيل : يسمع أولا ولا يرعى السبق ، والأكثرون على سماع السابق أولا ، والمبتدئ بالمواثبة أعظم جرما وتأديبا ، ويختلف تأديبهما باختلافهما في الجرم ، وباختلافهما في الهيئة والتصون ، وإن رأى المصلحة في قمع السفلة إشهارها بجرائمها فعل ، فهذه الوجوه التسعة يقع بها الفرق بين الأمراء والقضاة قبل ثبوت الجرائم ، ويستوون بعد ثبوتها في إقامة الحدود .
قاعدة :
nindex.php?page=treesubj&link=7685يقدم في كل ولاية من هو أقوم بصلاحها ، فيقدم في الحروب من هو أعلم بسياسة الجيوش ومكائد الحروب ، وفي القضاء من هو أعلم بالأحكام ووجوه الحجاج ، وفي الأيتام من هو أعلم بقيمة المال واستصلاح الأطفال ، وفي إقامة الصلوات من هو أعلم بأحكام الصلاة وأقرب للشفاعة بدينه وورعه ، وقد يكون المقدم في باب مؤخرا في باب كالنساء مقدمات في الحضانة ، ومؤخرات في الجهاد والصلاة ، لأن تزيد شفقتهن وصبرهن يقتضي مزيد صلاحهن للأطفال ومصالح العيال ، فهذه القاعدة تقدم في جميع هذه الولايات على تباينها من هو أقوم بها .
قاعدة : المصالح ثلاثة : واقع في مواقع الضرورات ، وفي الحاجات ، وفي التتمات ، وقد تقدم بسطة في مقدمة الكتاب ،
nindex.php?page=treesubj&link=15970فاشتراط العدالة ضروري في الشهود
[ ص: 43 ] صونا للدماء والأموال عن كذب أرباب الأمر ، أو في الإمامة حاجة لأنها شفاعة ، والحاجة داعية إلى صلاح حال الشفيع عند المشفوع عنده ، وتتمة في ولاية النكاح صونا للحرائر عن الوضع في المواطن الدنية ، ولا يضطر إليها ، لأن حال القرابة يمنع من الإضرار والرمي في العار ، فلهذه القاعدة اشترطت العدالة في الولايات ، ولم يشترطها بعضهم في الإمامة العظمى لغلبة الفسوق على ولاتها ، فلو اشترطت لتعطلت التصرفات الموافقة للحق في تولية من يولونه من القضاة والولاة ، وأخذ ما يأخذونه ، وبذل ما يعطونه ، وفي هذا ضرر عظيم أفظع من فوات عدالة السلطان ، ولما كان
nindex.php?page=treesubj&link=15108تصرف القضاة أعم من تصرف الأوصياء وأخص من تصرف الأئمة ، اختلف في إلحاقهم بهم أو بالأوصياء على الخلاف في
nindex.php?page=treesubj&link=23294عدالة الوصي . وإذا نفذت تصرفات البغاة [ . . . ] من القطع بعدم ولايتهم ، فأولى نفوذ تصرفات الولاة والأئمة مع غلبة الفجور عليهم ، مع ندرة البغاة وعموم الضرورة للولاة .
قاعدة : كل من ولي ولاية الخلافة فما دونها إلى الوصية لا يحال له أن يتصرف إلا بجلب مصلحة أو درء مفسدة ، لقوله _ صلى الله عليه وسلم _ : (
nindex.php?page=treesubj&link=7686من ولى من أمور أمتي شيئا ثم لم يجهد لهم ولم ينصح فالجنة عليه حرام ) ولقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=152ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) وكذلك عند ( ش ) لا يبيع الوصي صاعا بصاع ، ولا فائدة فيه ، ولا للخليفة أن يفعل ذلك في أموال المسلمين ، ويجب عليه
nindex.php?page=treesubj&link=27898عزل الحاكم إذا ارتاب فيه دفعا لمفسدة الريبة ، ويعزل المرجوح عند وجود الراجح تحيلا لمزيد المصلحة ، واختلف في عزل أحد المتساويين بالآخر ، فقيل : يمتنع لأنه ليس أصلح
[ ص: 44 ] للأئمة ، وقيل : ولأنه يؤذي المعزول بالعزل واتهم من الناس . ولأن ترك الفساد أولى من تحصيل الصلاح للمتولي ، وأما الإنسان في نفسه فيجوز له ذلك فيما يختص به ، حصلت المصلحة أم لا ، ولا يشكل بأنا لو جوزنا هذا [ . . . . ] من الحجر عليه بالرشد ، لأنا لا نحجر بمن ( تعرض عن المصلحة يقف كان ) ، بل ضابطه : أن كل تصرف خرج عن العادة لم يستجلب به حدا شرعيا وقد تكرر منه فإنه يحجر عليه ، فللقيد الثاني احترازا من استجلاب حد الشراء والمضاجر ، والثالث احترازا عمن رمى درهما في البحر فإنه لا يحجر عليه حتى يتكرر منه تكررا يدل على سفهه ، فعلى هذه القاعة يتخرج اختلاف الأحكام في الخصوم والمتهمين والجرائم وغيرها .
قاعدة : التكاليف قسمان : عام وخاص . فالعام كالصلاة . والثاني كالحدود ، والتعازيز ، وتولية القضاة ونحوه ، فهذا خاص بالأئمة ونوابهم ، فلا يجوز لأحد أن يفعله إلا بإذنهم ، فإن فرطوا فيه قال إمام الحرمين في كتابه المسمى بالغياثي : إن شغر الزمان عن الإمام انتقلت أحكامه إلى أعلم أهل ذلك الزمان ، لأن قضية الدليل استوى الناس ، لكن لما كان ذلك يؤدي للتشاجر خص به أفضلهم وهو الإمام ، فإذا تعذر ذلك انتقل لأعلمهم دفعا للمفاسد بحسب الإمكان علم أتم الطريق ، فهذه القاعدة مجمع عليها لا يجوز لأحد التعدي على ولاة الأمور فيما فوض إليهم من الأمر ، ويجب عليهم - أعني ولاة الأمور - بذل الاجتهاد في هذه الأمور ، وهي كثيرة مذكورة في أبواب الفقه من أموال الغائبين والصبيان والمجانين والنساء [ . . . ] والحجر على المفلسين
[ ص: 45 ] والمبذرين والتحري في بيت مال المسلمين بالخيانة والتصرف وقسمة الغنائم والزكاة ، وكذلك كثير يعرف في مواضعه .
تمهيد : ما تقدم من التوسعة في أحكام ولاة المظالم وأمراء الجرائم ليس مخالفا للشرع بل تشهد له القواعد من وجوه : أحدها أن الفساد قد كثر وانتشر بخلاف العصر الأول ، ومقتضى ذلك اختلاف الأحكام بحيث لا يخرج عن الشرع بالكلية لقوله _ صلى الله عليه وسلم _ (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349187لا ضرر ولا ضرار ) وترك هذه القوانين يؤدي إلى الضرر ، ويؤكد ذلك جميع النصوص الواردة بنفي الحرج ، وثانيهما أن المصلحة المرسلة قال بها
مالك وجمع من العلماء ، وهي المصلحة التي لم يشهد الشرع باعتبارها ولا بإلغائها وهذه القوانين مصالح مرسلة في أقل مراتبها ، وثالثها : أن
nindex.php?page=treesubj&link=15896الشرع شدد في الشهادة أكثر من الرواية لتوهم العداوة ، فاشترط العدد والحرية ووسع في السلم والقراض والمساقاة وسائر العقود المستثناة لمزيد الضرورة ، ولم يقبل في الزنى إلا أربعة وقبل في القتل اثنين والدماء أعظم ، لكن المقصود الستر ، ولم يحرج الزوج الملاعن في البينة خير في أيمانه ، ولم يجب عليه حد بذلك بخلاف سائر القذفة ، لشدة الحاجة في الذب عن الأنساب ، وصون العيال والفرش عن أسباب الارتياب ، وهذه المباينات كثيرة في الشرع لاختلاف الأحوال ، فكذلك ينبغي أن يراعي اختلاف الأحوال في الأزمان ، فتكون المناسبة الواقعة في هذه القوانين مما شهدت القواعد لها بالاعتبار ، فلا تكون مرسلة ، بل على رتبة فتلحق بالقواعد الأصلية ، ورابعها : أن كل حكم في هذه القوانين ورد دليل يخصه ، كما ورد في الصحيح : (
أن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ في غزوته وجد رجلا اتهمه بأنه جاسوس للعدو فعاقبوه حتى أقر ) وأما قبول قول المستورين فهو
[ ص: 46 ] الواقع في تقليد
عمر _ رضي الله عنه _
nindex.php?page=showalam&ids=110لأبي موسى الأشعري ، فقال فيه :
nindex.php?page=treesubj&link=15963المسلمون عدول بعضهم على بعض ، إلا مجلودا في حد ، أو مجربا عليه شهادة زور ، أو ظنينا في ولاء أو نسب ، وقد أخذ بهذا ( ح ) وأثبت الحكم في القضاة به فأولى في المظالم والجرائم ، ونص
ابن أبي زيد في النوادر على أنا إذا لم نجد في جهة إلا غير العدول أقمنا أصلحهم وأقلهم فجورا للشهادة عليهم ، ويلزم مثل ذلك في القضاة وغيرهم لئلا تضيع المصالح ، وما أظنه يخالفه أحد في هذا ، فإن التكليف مشروط بالإمكان ، وإذا جاز نصب الشهود فسقة لأجل عموم الفساد جاز التوسع في أحكام المظالم والجرائم لأجل كثرة فساد الزمان .
وخامسها : أنا لا نشك أن قضاة زماننا وشهودهم وولاتهم وأمناءهم لو كانوا في العصر الأول ما ولوا ولا حرج ، وولايتهم حينئذ فسوق ، ظن ولانهم ، فإن خيار زماننا هم أراذل ذلك الزمان ،
nindex.php?page=treesubj&link=30207وولاية الأراذل فسوق ، فقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصرى : أدركت أقواما كانت نسبة أحدنا إليهم كنسبة البقلة إلى النخلة . وهذا زمان
الحسن فكيف زماننا ، فقد حسن ما كان قبيحا واتسع ما كان ضيقا ، واختلفت الأحكام باختلاف الأزمان ، ويعضد ذلك من القواعد الأصلية : أن الشرع وسع للموقع في النجاسة ، وفي زمن المطر في طينه ، وأصحاب القروح ، وجوز ترك أركان الصلاة وشروطها إذا ضاقت الحال عن إقامتها ، وكذلك كثير في الشرع ، وكذلك قال ( ش ) _ رضي الله عنه _ : ما ضاق شيء إلا اتسع . يشير إلى هذه المواطن . فكذلك إذا ضاق علينا الحال في درء المفاسد اتسع كما اتسع في تلك المواطن . وسادسها أن من لطف الله بعباده ( أن ) يعاملهم معاملة الوالد لولده فالطفل لضعف حاله يغذى باللبن ، فإذا
[ ص: 47 ] اشتد نقل إلى لطيف الأغذية ، فإذا اشتد نقل إلى غليظها ، فإن مرض عومل بمقتضى مرضه ، وهذه سنة الله تعالى في خلقه . فأول بدء الإنسان في زمن
آدم كان الحال ضعيفا ضيقا فأبيحت الأخت لأخيها ، وأشياء كثيرة وسع فيها ، فلما اتسع الحال وكثرت الذرية ، وعتت النفوس حرم ذلك في زمان
بني إسرائيل ، وحرم السبت والشحوم والإبل وأمور كثيرة ، وفرض عليهم خمسون صلاة وتوبة أحدهم بالقتل لنفسه ، وإزالة النجاسة بقطعها إلى غير ذلك من التشديدات ، ثم جاء آخر الزمان فهرمت الدنيا ، وضعف الجسد وقل الحبيب ، ولان النفوس ، أحلت تلك المحرمات وعملت الصلوات خمسا ، وخففت الواجبات ، فقد اختلفت الأحكام والشرائع بحسب اختلاف الأزمان والأحوال ، وظهر أنها سنة الله في سائر الأمم ، وشرع من قبلنا شرع لنا ، فيكون ذلك بيانا على الاختلاف عند اختلاف الأحوال في زماننا ، وظهر أنها من قواعد الشرع ، وأصول القواعد ، ولم يكن بدعا عما جاء به الشرع .
الْوِلَايَةُ السَّادِسَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=7797وِلَايَةُ الْكَشْفِ عَنِ التَّظَالُمِ ، قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ :
nindex.php?page=treesubj&link=7799يُشْتَرَطُ فِي مُتَوَلِّيهَا جَلَالَةُ الْقَدْرِ ، وَنُفُوذُ الْأَمْرِ ، وَعَظِيمُ الْهَيْبَةِ ، وَالْعِفَّةُ وَالْوَرَعُ ، لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي مَنْصِبِهِ إِلَى سَطْوَةِ الْحُمَاةِ وَتَثَبُّتِ الْأَمْرِ ، وَتَثَبُّتِ الْقُضَاةِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ صِفَةِ الْفَرِيقَيْنِ لَهُ ، فَيَمْزِجُ قُوَّةَ السَّلْطَنَةِ بِنِصْفِ الْقُضَاةِ ، وَأَوَّلُ مَنْ أَفْرَدَ لِلظُّلَامَاتِ يَوْمًا
nindex.php?page=showalam&ids=16491عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ وَكَانَ يَرُدُّ مُشْكِلَاتِهَا إِدَرِيسُ الْأَوَّلُ ذِي لِهَيْبَةِ النَّاسِ مِنْ
عَبْدِ الْمَلِكِ ، ثُمَّ تَفَاقَمَتِ الْمَظَالِمُ ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا يَوْمٌ مَعْلُومٌ لِيَقْصِدَهُ النَّاسُ ، وَلْيَكُنِ النَّاظِرُ فِي الْمَظَالِمِ سَهْلَ الْحِجَابِ ، وَنَوَّهَ الْأَصْحَابُ ، وَيَحْتَاجُ لِخَمْسَةٍ فِي مَجْلِسِهِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُمْ ، الْحُمَاةُ لِجَنَفِ الْقَوِيِّ الْعَسُوفِ ، وَالْقُضَاةُ لِيُعْلِمُوهُ مَا يَثْبُتُ عِنْدَهُمْ مِنَ الْحُقُوقِ ، وَالْفُقَهَاءُ لِيُرَاجِعُوهُ فِيمَا أَشْكَلَ مِنَ الْوَقَائِعِ ، وَالْكُتَّابُ لِيُثْبِتُوا مَا جَرَى بَيْنَ الْخُصُومِ ، وَالشُّهُودُ لِيَشْهَدُوا عَلَى مَا تَحَرَّرَ مِنْ حَقٍّ وَحُكِمَ بِهِ .
[ ص: 39 ] nindex.php?page=treesubj&link=7800وَالْفَرْقُ بَيْنَ نَظَرِ الْمَظَالِمِ وَالْقُضَاةِ مِنْ عَشَرَةِ أَوْجُهٍ ، لَهُ مِنَ الْقُوَّةِ وَالْهَيْبَةِ مَا لَيْسَ لَهُمْ ، وَهُوَ أَفْسَحُ مَجَالًا مِنْهُمْ ، وَيُسْتَعْمَلُ فِيهِ مِنَ الْإِرْهَابِ وَكَشْفِ الْأَشْيَاءِ بِالْأَمَارَاتِ الدَّالَّةِ وَشَوَاهِدِ الْأَحْوَالِ اللَّائِحَةِ مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى ظُهُورِ الْحَقِّ بِخِلَافِهِمْ ، وَيُقَاتِلُ مَنْ ظَهَرَ ظُلْمُهُ بِالتَّأْدِيبِ بِخِلَافِهِمْ ، وَيَتَأَنَّى فِي تَرْدَادِ الْخُصُومِ عِنْدَ اللَّبْسِ لَهُ ، لِيُمْعِنَ فِي الْكَشْفِ بِخِلَافِهِمْ إِذَا سَأَلَهُمْ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ فَصْلَ الْحُكْمِ لَا يُؤَخِّرُهُ ، وَلَهُ رَدُّ الْخُصُومِ إِذَا أُعْضِلُوا إِلَى وَسَاطَةِ الْأُمَنَاءِ لِيَفْعَلُوا بَيْنَهُمْ صُلْحًا عَنْ تَرَاضٍ ، وَلَيْسَ الْقِصَاصُ بِرِضَا الْخَصْمَيْنِ ، وَلَهُ أَنْ يُفْسِحَ فِي مُلَازَمَةِ الْخَصْمَيْنِ إِذَا وَضُحَتْ أَمَارَاتُ التَّجَاحُدِ ، وَيَأْذَنَ فِي إِلْزَامِ الْكَفَالَةِ فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ التَّكَفُّلُ لِيَنْقَادَ الْخُصُومُ إِلَى التَّنَاصُفِ وَيَتْرُكُوا التَّجَاحُدَ ، بِخِلَافِهِمْ ، وَيَسْمَعَ الْمُسَتَّرِينَ بِخِلَافِهِمْ ، وَيُحَلِّفَ الشُّهُودَ إِنِ ارْتَابَ فِيهِمْ بِخِلَافِ الْقُضَاةِ ، وَيَبْتَدِئَ بِاسْتِدْعَاءِ الشُّهُودِ وَيُسِرَّهُمْ عَمَّا عِنْدَهُمْ فِي الْقَضِيَّةِ بِخِلَافِهِمْ لَا يَسْمَعُونَ الْبَيِّنَةَ حَتَّى يُرِيدَ الْمُدَّعِي إِحْضَارَهُمْ : أَوْ مُسَأَلَتَهُ لَهَا .
فَرْعٌ
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ . إِذَا ظَهَرَ كِتَابٌ فِيهِ شُهُودٌ مُعَدَّلُونَ حَاضِرُونَ فَلَهُ الْإِنْكَارُ عَلَى الْجَاحِدِ بِحَسَبِ شَوَاهِدِ أَحْوَالِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُعَدَّلِينَ أَوْ أَحْضَرَهُمْ وَسَبَرَ أَحْوَالَهُمْ ، فَإِنْ وَجَدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الصِّيَانَاتِ قَبِلَهُمْ ، أَوْ أَرَادَ أَنْ لَا يُعَوِّلَ عَلَيْهِمْ ، وَلَكِنْ يُوَلِّي الْإِرْهَابَ عَنِ الْخَصْمِ وَيُسْأَلُهُ مَا سَبَبُ وَضْعِ يَدِهِ ؟ أَوْ مُتَوَسِّطِينَ ، فَلَهُ إِحْلَافُهُمْ قَبْلَ الشَّهَادَةِ وَبَعْدَهَا ، فَإِنْ كَانَ فِي الْكِتَابِ شُهُودٌ مَوْتَي يُعَدَّلُونَ ، وَالْكِتَابُ مَوْثُوقٌ بِصِحَّتِهِ ، فَيُرَهِّبُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَضْطَرَّهُ لِلصِّدْقِ وَيَسْأَلَهُ عَنْ دُخُولِ يَدِهِ لَعَلَّ فِي جَوَابِهِ مَا يُوَضِّحُ الْحَقَّ بِكَشْفٍ مِنَ الْجِيرَانِ ، فَإِنْ لَمْ يَتَّضِحْ مَعَ هَذَا كُلِّهِ رَدَّهُ إِلَى وَسَاطَةِ رَئِيسٍ مُطَاعٍ لَهُ بِهِمَا مَعْرِفَةٌ وَبِمَا يَتَنَازَعَاهُ لِيَضْطَرَّهُمَا بِكَثْرَةِ التَّرَدُّدِ إِلَى الصِّدْقِ وَالصُّلْحِ ، فَإِنْ تَعَسَّرَ أَمْرُهُمَا ، ثَبَتَ بِمَا يُوَجِّهُ حُكْمَ الْقُضَاةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=15312وَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُدَّعِي خَطُّ [ ص: 40 ] الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَإِذَا اعْتَرَفَ بِخَطِّهِ ، سَأَلَهُ عَنْ صِحَّةِ مَضْمُونِهِ ، فَإِنِ اعْتَرَفَ أَلْزَمُهُ بِإِقْرَارِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِصِحَّةِ مَضْمُونِهِ فَقِيلَ : يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِخَطِّهِ لِأَنَّهُ - ظَاهِرُ حَالٍ ، وَالْمُحَقِّقُونَ قَالُوا : بَلْ يَسْأَلُهُ فَإِنْ قَالَ : هُوَ فَرْضٌ وَمَا قَبَضْتُهُ فَيُقَوِّي الْإِرْهَابَ ، ثُمَّ يُرَدُّ لِوَاسِطَةٍ ، فَإِنِ انْفَصَلَا وَإِلَّا فَحُكْمُ الْقُضَاةِ ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْخَطَّ أَمَرَ بِمَنْ يَخْتَبِرُ الْخَطَّ بِخُطُوطِهِ الَّتِي كَتَبَهَا وَتَكَفَّلَهَا مِنْ كَثْرَةِ الْكِتَابَةِ ، وَيُمْنَعُ مِنَ التَّصَنُّعِ فِيهَا ، فَإِنْ تَشَابَهَتْ بِخَطِّهِ حُكِمَ بِهِ عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُ
nindex.php?page=treesubj&link=15312الْخَطَّ اعْتِرَافًا ، وَلَا مَنْ يَرَى ذَلِكَ يَرَى كَثْرَةَ الْإِرْهَابِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَ خَطُّهُ مُنَافِيًا ، رَجَعَ الْإِرْهَابُ عَلَى الْمُدَّعِي ، ثُمَّ يُرَدَّانِ إِلَى الْوَاسِطَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، فَإِنْ أَتَى بِحِسَابٍ يَتَضَمَّنُ الدَّعْوَى ، وَهُوَ حِسَابُ الطَّالِبِ ، وَهُوَ مُنْتَظِمٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ ، فَيُرَهِّبُ بِحَسَبِ شَوَاهِدِ الْحَالِ ، ثُمَّ يُرَدَّانِ لِلْوَاسِطَةِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنْتَظِمٍ طَرَحَهُ ، أَوْ حِسَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى خَطِّهِ ، يَسْأَلُ : أَهْوَ خَطُّكَ ؟ فَإِنِ اعْتَرَفَ سُئِلَ عَنْ صِحَّةِ مَضْمُونِهِ فَإِنِ اعْتَرَفَ أَلْزَمَهُ بِإِقْرَارِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ صِحَّتَهُ ، وَاعْتَرَفَ أَنَّهُ خَطُّهُ : فَقِيلَ : يَحْكُمُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْخَطِّ ، بَلِ الثِّقَةُ بِهِ أَقْوَى مِنَ الْخَطِّ الْمُرْسَلِ ، لِأَنَّ الْحِسَابَ لَا يَثْبُتُ فِيهِ قَبْضُ مَا لَمْ يُقْبَضْ بِخِلَافٍ ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ : لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْخَطِّ وَلَا بِالْحِسَابِ ، بَلِ الْإِرْهَابِ وَالرَّدِّ إِلَى الْوَاسِطَةِ إِلَى حُكْمِ الْقُضَاةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=15312وَإِنْ كَانَ الْحِسَابُ مَنْسُوبًا إِلَى خَطِّ كَاتِبِهِ سُئِلَ عَنْهُ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ قَبْلَ كَاتِبِهِ ، فَإِنْ أَنْكَرَ سُئِلَ كَاتِبُهُ وَأُرْهِبَ ، فَإِنْ أَنْكَرَ ضَعُفَتِ الشُّبْهَةُ ، وَإِنْ أَقَرَّ صَارَ شَاهِدًا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ . هَذَا كُلُّهُ فِيمَا يُقَوِّي الدَّعْوَى ، فَإِنِ اقْتَرَنَ بِالدَّعْوَى مَا يَضْعِفُهَا وَهُوَ إِمَّا كِتَابٌ يُعَارِضُهَا شُهُودُهُ ، وَحُضُورُ مُعَدَّلُونَ ، فَيُرَهَّبُ الْمُدَّعِي بِحَسَبِ حَالِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِالدَّعْوَى مَا يُقَوِّيهَا وَلَا مَا يُضْعِفُهَا ، لَكِنْ حَصَلَتْ غَلَبَةُ ظَنٍّ ، صُدِّقَ الْمُدَّعِي مَعَ خُلُوِّهِ عَنْ حُجَّتِهِ بِأَنْ يَكُونَ مُسْتَعْلَانًا قَلِيل ، وَالْمُدَّعِي ذَا بَأْسٍ وَقُدْرَةٍ ، وَقَدِ ادَّعَى عَلَيْهِ غَضْبَ عَقَارٍ ، وَمِثْلُهُ لَا
[ ص: 41 ] يَغْصِبُ مِثْلَ هَذَا ، أَوْ يَكُونُ الْمُدَّعِي مَشْهُورًا بِالصِّدْقِ ، وَخَصْمُهُ بِخِلَافِهِ ، أَوْ يَسْتَوِيَانِ فِي الْأَحْوَالِ ، غَيْرَ أَنَّهُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ ، وَيَسْأَلُهُ عَنْ سَبَبِ دُخُولِ يَدِهِ ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَمَارَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى إِلَّا بَعْدَ ذِكْرِ السَّبَبِ ، كَمَا قَالَهُ
مَالِكٌ فِي الْقَضَاءِ ، وَيُبَالِغُ فِي الْكَشْفِ حَتَّى يَظْهَرَ الْحَقُّ ، فَإِنِ اسْتَوَتِ الْحَالَانِ فِي الظُّنُونِ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْغِلَظِ وَالْإِرْهَابِ وَالْكَشْفِ ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرِ الْحَقُّ رُدَّ إِلَى الْوَاسِطَةِ ، فَإِنِ انْفَصَلَا وَإِلَّا فَحُكْمُ الْقُضَاةِ .
فَرْعٌ
قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=15306إِذَا رُفِعَتِ الْجَرَائِمُ كَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَى وَنَحْوِهِمَا لِقَاضٍ لَمْ يَسْمَعْ لَا يُحْبَسُ الْمُتَّهَمُ بِكَشْفِ اسْتِبْرَاءٍ ، وَلَا يَأْخُذُهُ بِأَسْبَابِ الْإِقْرَارِ إِجْبَارًا ، وَلَا يَسْمَعُ الدَّعْوَى إِلَّا مُحَرَّرَةً بِشُرُوطِهَا وَإِلَّا فَيَرْوِي الْأَحَادِيثَ ، امْتَازَ عَلَى الْقُضَاةِ بِتِسْعَةِ أَوْجُهٍ : فَيَسْمَعُ قَذْفَ الْمُتَّهَمِ عَلَى أَعْوَانِ الْإِمَارَةِ مِنْ غَيْرِ تَحْقِيقِ الدَّعْوَى الْمُفَسَّرَةِ ، وَيَرْجِعُ إِلَى قَوْلِهِمْ : هَلْ هُمْ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ التُّهْمَةِ أَمْ لَا ، فَإِنْ نَزَّهُوهُ أَطْلَقَهُ ، أَوْ قَذَفُوهُ بَالِغَ فِي الْكَشْفِ ، بِخِلَافِ الْقَضَاءِ ) . . . ) شَوَاهِدُ الْحَالِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُتَّهَمُ بِالزِّنَا مُتَصَنِّعًا لِلنِّسَاءِ ، أَوْ بِالسَّرِقَةِ مِنْ أَهْلِ الزَّعَارَةِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْقُضَاةِ ، يُعَجِّلُ
nindex.php?page=treesubj&link=25710حَبْسَ الْمُتَّهَمِ شَهْرًا لِلْكَشْفِ ، أَوْ يَحْبِسُ مَا يَرَاهُ بِخِلَافِ الْقُضَاةِ ، وَيَجُوزُ لَهُ مَعَ قُوَّةِ التُّهْمَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=27897ضَرْبُ الْمُتَّهَمِ ضَرْبَ تَعْزِيرٍ لَا ضَرْبَ حَدٍّ لِيَصْدُقَ ، فَإِنْ أَقَرَّ وَهُوَ مَضْرُوبٌ : اخْتُبِرَتْ حَالُهُ فَإِنْ ضُرِبَ لِيُقِرَّ فَلَا يُعْتَبَرُ إِقْرَارُهُ تَحْتَ الضَّرْبِ ، أَوْ لِيُصَدَّقَ وَأَعَادَ إِقْرَارَهُ بَعْدَ الضَّرْبِ أَخَذَ بِالْإِقْرَارِ الثَّانِي ، وَيَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ مَعَ كَرَاهَةٍ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقُضَاةُ ، وَلَهُ فِيمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=25670تَكَرَّرَتْ مِنْهُ الْجَرَائِمُ وَلَمْ يَنْزَجِرْ بِالْحُدُودِ اسْتِدَامَةُ حَبْسِهِ إِذَا أَضَرَّ النَّاسَ بِجَرَائِمِهِ حَتَّى يَمُوتَ ،
[ ص: 42 ] وَيَقُوتُهُ وَيَكْسُوهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، بِخِلَافِ الْقُضَاةِ ، وَلَهُ إِحْلَافُ الْمُتَّهَمِ لِاخْتِبَارِ حَالِهِ ، وَيَمْلُكُ عَلَيْهِ الْكَشْفَ عَنْ أَمْرِهِ ، وَيُحَلِّفُهُ بِالطَّلَاقِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتَاقِ كَأَيْمَانِ بَيْعَةِ السُّلْطَانِ ، وَلَا يُحَلِّفُ قَاضٍ أَحَدًا فِي غَيْرِ حَقٍّ ، وَلَا يُحَلِّفُ إِلَّا بِالْيَمِينِ بِاللَّهِ ، وَلَهُ أَخْذُ الْمَحْكُومِ بِالتَّوْبَةِ قَهْرًا ، وَيُظْهِرُ لَهُ مِنَ الْوَعِيدِ مَا يَقُودُهُ إِلَيْهَا طَوْعًا ، وَيَتَوَعَّدُهُ بِالْقَتْلِ فِيمَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْقَتْلُ ؛ لِأَنَّهُ إِرْهَابٌ لَا تَحْقِيقٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُحَقِّقَ وَعِيدَهُ بِالْأَدَبِ دُونَ الْقَتْلِ ، بِخِلَافِ الْقُضَاةِ ، وَلَهُ سَمَاعُ شَهَادَاتِ أَهْلِ الْمِهَنِ وَمَنْ لَا يَسْمَعُهُ الْقَاضِي إِذَا كَثُرَ عَدَدُهُمْ ، وَلَهُ النَّظَرُ فِي الْمُوَاثَبَاتِ ، وَإِنْ تُوَجَّبَ غَرْبًا وَلَا حَدًّا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَثَرٌ ، سُمِعَ قَوْلُ مَنْ سَبَقَ بِالدَّعْوَى ، أَوْ بِهِ أَثَرٌ : فَقِيلَ : يُسْمَعُ أَوَّلًا وَلَا يُرْعَى السَّبْقُ ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى سَمَاعِ السَّابِقِ أَوَّلَا ، وَالْمُبْتَدِئُ بِالْمُوَاثَبَةِ أَعْظَمُ جُرْمًا وَتَأْدِيبًا ، وَيَخْتَلِفُ تَأْدِيبُهُمَا بِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْجُرْمِ ، وَبِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْهَيْئَةِ وَالتَّصَوُّنِ ، وَإِنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي قَمْعِ السَّفَلَةِ إِشْهَارَهَا بِجَرَائِمِهَا فَعَلَ ، فَهَذِهِ الْوُجُوهُ التِّسْعَةُ يَقَعُ بِهَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ قَبْلَ ثُبُوتِ الْجَرَائِمِ ، وَيَسْتَوُونَ بَعْدَ ثُبُوتِهَا فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ .
قَاعِدَةٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=7685يُقَدَّمُ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِصَلَاحِهَا ، فَيُقَدَّمُ فِي الْحُرُوبِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِسِيَاسَةِ الْجُيُوشِ وَمَكَائِدِ الْحُرُوبِ ، وَفِي الْقَضَاءِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِالْأَحْكَامِ وَوُجُوهِ الْحِجَاجِ ، وَفِي الْأَيْتَامِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِقِيمَةِ الْمَالِ وَاسْتِصْلَاحِ الْأَطْفَالِ ، وَفِي إِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَأَقْرَبُ لِلشَّفَاعَةِ بِدِينِهِ وَوَرَعِهِ ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُقَدَّمُ فِي بَابٍ مُؤَخَّرًا فِي بَابٍ كَالنِّسَاءِ مُقَدَّمَاتٍ فِي الْحَضَانَةِ ، وَمُؤَخَّرَاتٍ فِي الْجِهَادِ وَالصَّلَاةِ ، لِأَنَّ تَزَيُّدَ شَفَقَتِهِنَّ وَصَبْرِهِنَّ يَقْتَضِي مَزِيدَ صَلَاحِهِنَّ لِلْأَطْفَالِ وَمَصَالِحِ الْعِيَالِ ، فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تُقَدِّمُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوِلَايَاتِ عَلَى تَبَايُنِهَا مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِهَا .
قَاعِدَةٌ : الْمَصَالِحُ ثَلَاثَةٌ : وَاقِعٌ فِي مَوَاقِعِ الضَّرُورَاتِ ، وَفِي الْحَاجَاتِ ، وَفِي التَّتِمَّاتِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُةُ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=15970فَاشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ ضَرُورِيٌّ فِي الشُّهُودِ
[ ص: 43 ] صَوْنًا لِلدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ عَنْ كَذِبِ أَرْبَابِ الْأَمْرِ ، أَوْ فِي الْإِمَامَةِ حَاجَةٌ لِأَنَّهَا شَفَاعَةٌ ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى صَلَاحِ حَالِ الشَّفِيعِ عِنْدَ الْمَشْفُوعِ عِنْدَهُ ، وَتَتِمَّةٌ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ صَوْنًا لِلْحَرَائِرِ عَنِ الْوَضْعِ فِي الْمَوَاطِنِ الدَّنِيَّةِ ، وَلَا يُضْطَرُّ إِلَيْهَا ، لِأَنَّ حَالَ الْقَرَابَةِ يَمْنَعُ مِنَ الْإِضْرَارِ وَالرَّمْيِ فِي الْعَارِ ، فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ اشْتُرِطَتِ الْعَدَالَةُ فِي الْوِلَايَاتِ ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهَا بَعْضُهُمْ فِي الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى لِغَلَبَةِ الْفُسُوقِ عَلَى وُلَاتِهَا ، فَلَوِ اشْتُرِطَتْ لَتَعَطَّلَتِ التَّصَرُّفَاتُ الْمُوَافِقَةُ لِلْحَقِّ فِي تَوْلِيَةِ مَنْ يُوَلُّونَهُ مِنَ الْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ ، وَأَخْذِ مَا يَأْخُذُونَهُ ، وَبَذْلِ مَا يُعْطُونَهُ ، وَفِي هَذَا ضَرَرٌ عَظِيمٌ أَفْظَعُ مِنْ فَوَاتِ عَدَالَةِ السُّلْطَانِ ، وَلَمَّا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=15108تَصَرُّفُ الْقُضَاةِ أَعَمَّ مِنْ تَصَرُّفِ الْأَوْصِيَاءِ وَأَخَصَّ مَنْ تَصَرُّفِ الْأَئِمَّةِ ، اخْتُلِفَ فِي إِلْحَاقِهِمْ بِهِمْ أَوْ بِالْأَوْصِيَاءِ عَلَى الْخِلَافِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=23294عَدَالَةِ الْوَصِيِّ . وَإِذَا نُفِّذَتْ تَصَرُّفَاتُ الْبُغَاةِ [ . . . ] مِنَ الْقَطْعِ بِعَدَمِ وَلَايَتِهِمْ ، فَأَوْلَى نُفُوذُ تَصَرُّفَاتِ الْوُلَاةِ وَالْأَئِمَّةِ مَعَ غَلَبَةِ الْفُجُورِ عَلَيْهِمْ ، مَعَ نُدْرَةِ الْبُغَاةِ وَعُمُومِ الضَّرُورَةِ لِلْوُلَاةِ .
قَاعِدَةٌ : كُلُّ مَنْ وُلِّيَ وِلَايَةَ الْخِلَافَةِ فَمَا دُونَهَا إِلَى الْوَصِيَّةِ لَا يُحَالُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ إِلَّا بِجَلْبِ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَرْءِ مَفْسَدَةٍ ، لِقَوْلِهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ : (
nindex.php?page=treesubj&link=7686مَنْ وَلِىَ مِنْ أُمُورِ أُمَّتِي شَيْئًا ثُمَّ لَمْ يَجْهَدْ لَهُمْ وَلَمْ يَنْصَحْ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ ) وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=152وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) وَكَذَلِكَ عِنْدَ ( ش ) لَا يَبِيعُ الْوَصِيُّ صَاعًا بِصَاعٍ ، وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ ، وَلَا لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ
nindex.php?page=treesubj&link=27898عَزْلُ الْحَاكِمِ إِذَا ارْتَابَ فِيهِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ الرِّيبَةِ ، وَيَعْزِلُ الْمَرْجُوحَ عِنْدَ وُجُودِ الرَّاجِحِ تَحَيُّلًا لَمَزِيدِ الْمَصْلَحَةِ ، وَاخْتُلِفَ فِي عَزْلِ أَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ بِالْآخَرِ ، فَقِيلَ : يُمْتَنَعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَصْلَحَ
[ ص: 44 ] لِلْأَئِمَّةِ ، وَقِيلَ : وَلِأَنَّهُ يُؤْذِي الْمَعْزُولَ بِالْعَزْلِ وَاتُّهِمَ مِنَ النَّاسِ . وَلِأَنَّ تَرْكَ الْفَسَادِ أَوْلَى مِنْ تَحْصِيلِ الصَّلَاحِ لِلْمُتَوَلِّي ، وَأَمَّا الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ فَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ ، حَصَلَتِ الْمَصْلَحَةُ أَمْ لَا ، وَلَا يُشْكِلُ بِأَنَّا لَوْ جَوَّزْنَا هَذَا [ . . . . ] مِنَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ بِالرُّشْدِ ، لِأَنَّا لَا نَحْجُرُ بِمَنْ ( تَعَرَّضَ عَنِ الْمَصْلَحَةِ يَقِفُ كَانَ ) ، بَلْ ضَابِطُهُ : أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ خَرَجَ عَنِ الْعَادَةِ لَمْ يَسْتَجْلِبْ بِهِ حَدًّا شَرْعِيًّا وَقَدْ تَكَرَّرَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَحْجُرُ عَلَيْهِ ، فَلِلْقَيْدِ الثَّانِي احْتِرَازًا مِنِ اسْتِجْلَابِ حَدِّ الشِّرَاءِ وَالْمَضَاجِرِ ، وَالثَّالِثِ احْتِرَازًا عَمَّنْ رَمَى دِرْهَمًا فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَكَرَّرَ مِنْهُ تَكَرُّرًا يَدُلُّ عَلَى سَفَهِهِ ، فَعَلَى هَذِهِ الْقَاعَةِ يَتَخَرَّجُ اخْتِلَافُ الْأَحْكَامِ فِي الْخُصُومِ وَالْمُتَّهَمِينَ وَالْجَرَائِمِ وَغَيْرِهَا .
قَاعِدَةٌ : التَّكَالِيفُ قِسْمَانِ : عَامٌّ وَخَاصٌّ . فَالْعَامُّ كَالصَّلَاةِ . وَالثَّانِي كَالْحُدُودِ ، وَالتَّعَازِيزِ ، وَتَوْلِيَةِ الْقُضَاةِ وَنَحْوِهِ ، فَهَذَا خَاصٌّ بِالْأَئِمَّةِ وَنُوَّابِهِمْ ، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِمْ ، فَإِنْ فَرَّطُوا فِيهِ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْغِيَاثِيِّ : إِنْ شَغَرَ الزَّمَانُ عَنِ الْإِمَامِ انْتَقَلَتْ أَحْكَامُهُ إِلَى أَعْلَمِ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ ، لِأَنَّ قَضِيَّةَ الدَّلِيلِ اسْتَوَى النَّاسُ ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ يُؤَدِّي لِلتَّشَاجُرِ خُصَّ بِهِ أَفْضَلُهُمْ وَهُوَ الْإِمَامُ ، فَإِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ انْتَقَلَ لِأَعْلَمِهِمْ دَفْعًا لِلْمَفَاسِدِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ عَلِمَ أَتَمَّ الطَّرِيقِ ، فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ التَّعَدِّي عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ فِيمَا فُوِّضَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْأَمْرِ ، وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ - أَعْنِي وُلَاةَ الْأُمُورِ - بَذْلُ الِاجْتِهَادِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ مِنْ أَمْوَالِ الْغَائِبِينَ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينَ وَالنِّسَاءِ [ . . . ] وَالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِينَ
[ ص: 45 ] وَالْمُبَذِّرِينَ وَالتَّحَرِّي فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ بِالْخِيَانَةِ وَالتَّصَرُّفِ وَقِسْمَةِ الْغَنَائِمِ وَالزَّكَاةِ ، وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ يُعْرَفُ فِي مَوَاضِعِهِ .
تَمْهِيدٌ : مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّوْسِعَةِ فِي أَحْكَامِ وُلَاةِ الْمَظَالِمِ وَأُمَرَاءِ الْجَرَائِمِ لَيْسَ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ بَلْ تَشْهَدُ لَهُ الْقَوَاعِدُ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا أَنَّ الْفَسَادَ قَدْ كَثُرَ وَانْتَشَرَ بِخِلَافِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ اخْتِلَافُ الْأَحْكَامِ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ عَنِ الشَّرْعِ بِالْكُلِّيَّةِ لِقَوْلِهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349187لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ ) وَتَرْكُ هَذِهِ الْقَوَانِينِ يُؤَدِّي إِلَى الضَّرَرِ ، وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ جَمِيعُ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ بِنَفْيِ الْحَرَجِ ، وَثَانِيهُمَا أَنَّ الْمَصْلَحَةَ الْمُرْسَلَةَ قَالَ بِهَا
مَالِكٌ وَجَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ ، وَهِيَ الْمَصْلَحَةُ الَّتِي لَمْ يَشْهَدِ الشَّرْعُ بِاعْتِبَارِهَا وَلَا بِإِلْغَائِهَا وَهَذِهِ الْقَوَانِينُ مَصَالِحُ مُرْسَلَةٌ فِي أَقَلِّ مَرَاتِبِهَا ، وَثَالِثُهَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=15896الشَّرْعَ شَدَّدَ فِي الشَّهَادَةِ أَكْثَرَ مِنَ الرِّوَايَةِ لِتَوَهُّمِ الْعَدَاوَةِ ، فَاشْتَرَطَ الْعَدَدَ وَالْحُرِّيَّةَ وَوَسَّعَ فِي السَّلَمِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ الْمُسْتَثْنَاةِ لِمَزِيدِ الضَّرُورَةِ ، وَلَمْ يَقْبَلْ فِي الزِّنَى إِلَّا أَرْبَعَةً وَقَبِلَ فِي الْقَتْلِ اثْنَيْنِ وَالدِّمَاءُ أَعْظَمُ ، لَكِنَّ الْمَقْصُودَ السَّتْرُ ، وَلَمْ يُحْرِجِ الزَّوْجَ الْمُلَاعِنَ فِي الْبَيِّنَةِ خَيْرٌ فِي أَيْمَانِهِ ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حَدٌّ بِذَلِكَ بِخِلَافِ سَائِرِ الْقَذَفَةِ ، لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ فِي الذَّبِّ عَنِ الْأَنْسَابِ ، وَصَوْنِ الْعِيَالِ وَالْفُرُشِ عَنْ أَسْبَابِ الِارْتِيَابِ ، وَهَذِهِ الْمُبَايَنَاتُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرْعِ لِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ ، فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُرَاعِيَ اخْتِلَافَ الْأَحْوَالِ فِي الْأَزْمَانِ ، فَتَكُونَ الْمُنَاسَبَةُ الْوَاقِعَةُ فِي هَذِهِ الْقَوَانِينِ مِمَّا شَهِدَتِ الْقَوَاعِدُ لَهَا بِالِاعْتِبَارِ ، فَلَا تَكُونُ مُرْسَلَةً ، بَلْ عَلَى رُتْبَةٍ فَتَلْحَقُ بِالْقَوَاعِدِ الْأَصْلِيَّةِ ، وَرَابِعُهَا : أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ فِي هَذِهِ الْقَوَانِينِ وَرَدَ دَلِيلٌ يَخُصُّهُ ، كَمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ : (
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ فِي غَزْوَتِهِ وَجَدَ رَجُلًا اتَّهَمَهُ بِأَنَّهُ جَاسُوسٌ لِلْعَدُوِّ فَعَاقَبُوهُ حَتَّى أَقَرَّ ) وَأَمَّا قَبُولُ قَوْلِ الْمَسْتُورِينَ فَهُوَ
[ ص: 46 ] الْوَاقِعُ فِي تَقْلِيدِ
عُمَرَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _
nindex.php?page=showalam&ids=110لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ، فَقَالَ فِيهِ :
nindex.php?page=treesubj&link=15963الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، إِلَّا مَجْلُودًا فِي حَدٍّ ، أَوْ مُجَرَّبًا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ ، أَوْ ظَنِينًا فِي وَلَاءٍ أَوْ نَسَبٍ ، وَقَدْ أَخَذَ بِهَذَا ( ح ) وَأَثْبَتَ الْحُكْمَ فِي الْقُضَاةِ بِهِ فَأَوْلَى فِي الْمَظَالِمِ وَالْجَرَائِمِ ، وَنَصَّ
ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ عَلَى أَنَّا إِذَا لَمْ نَجِدْ فِي جِهَةٍ إِلَّا غَيْرَ الْعُدُولِ أَقَمْنَا أَصْلَحَهُمْ وَأَقَلَّهُمْ فُجُورًا لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ ، وَيَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ لِئَلَّا تَضِيعَ الْمَصَالِحُ ، وَمَا أَظُنُّهُ يُخَالِفُهُ أَحَدٌ فِي هَذَا ، فَإِنَّ التَّكْلِيفَ مَشْرُوطٌ بِالْإِمْكَانِ ، وَإِذَا جَازَ نَصْبُ الشُّهُودِ فَسَقَةً لِأَجْلِ عُمُومِ الْفَسَادِ جَازَ التَّوَسُّعُ فِي أَحْكَامِ الْمَظَالِمِ وَالْجَرَائِمِ لِأَجْلِ كَثْرَةِ فَسَادِ الزَّمَانِ .
وَخَامِسُهَا : أَنَّا لَا نَشُكُّ أَنَّ قُضَاةَ زَمَانِنَا وَشُهُودَهُمْ وَوُلَاتَهُمْ وَأُمَنَاءَهُمْ لَوْ كَانُوا فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ مَا وُلُّوا وَلَا حَرَجَ ، وَوِلَايَتُهُمْ حِينَئِذٍ فُسُوقٌ ، ظَنَّ وَلَانَهُمْ ، فَإِنَّ خِيَارَ زَمَانِنَا هُمْ أَرَاذِلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=30207وَوِلَايَةُ الْأَرَاذِلِ فُسُوقٌ ، فَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ الْبَصْرِىُّ : أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا كَانَتْ نِسْبَةُ أَحَدِنَا إِلَيْهِمْ كَنِسْبَةِ الْبَقْلَةِ إِلَى النَّخْلَةِ . وَهَذَا زَمَانُ
الْحَسَنِ فَكَيْفَ زَمَانُنَا ، فَقَدْ حَسُنَ مَا كَانَ قَبِيحًا وَاتَّسَعَ مَا كَانَ ضَيِّقًا ، وَاخْتَلَفَتِ الْأَحْكَامُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ ، وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْأَصْلِيَّةِ : أَنَّ الشَّرْعَ وَسَّعَ لِلْمُوقِعِ فِي النَّجَاسَةِ ، وَفِي زَمَنِ الْمَطَرِ فِي طِينِهِ ، وَأَصْحَابِ الْقُرُوحِ ، وَجَوَّزَ تَرْكَ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَشُرُوطِهَا إِذَا ضَاقَتِ الْحَالُ عَنْ إِقَامَتِهَا ، وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ فِي الشَّرْعِ ، وَكَذَلِكَ قَالَ ( ش ) _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _ : مَا ضَاقَ شَيْءٌ إِلَّا اتَّسَعَ . يُشِيرُ إِلَى هَذِهِ الْمَوَاطِنِ . فَكَذَلِكَ إِذَا ضَاقَ عَلَيْنَا الْحَالُ فِي دَرْءِ الْمَفَاسِدِ اتَّسَعَ كَمَا اتَّسَعَ فِي تِلْكَ الْمَوَاطِنِ . وَسَادِسُهَا أَنَّ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ بِعِبَادِهِ ( أَنْ ) يُعَامِلَهُمْ مُعَامَلَةَ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ فَالطِّفْلُ لِضَعْفِ حَالِهِ يُغَذَّى بِاللَّبَنِ ، فَإِذَا
[ ص: 47 ] اشْتَدَّ نُقِلَ إِلَى لَطِيفِ الْأَغْذِيَةِ ، فَإِذَا اشْتَدَّ نُقِلَ إِلَى غَلِيظِهَا ، فَإِنْ مَرِضَ عُومِلَ بِمُقْتَضَى مَرَضِهِ ، وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ . فَأَوَّلُ بَدْءِ الْإِنْسَانِ فِي زَمَنِ
آدَمَ كَانَ الْحَالُ ضَعِيفًا ضَيِّقًا فَأُبِيحَتِ الْأُخْتُ لِأَخِيهَا ، وَأَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ وُسِّعَ فِيهَا ، فَلَمَّا اتَّسَعَ الْحَالُ وَكَثُرَتِ الذُّرِّيَّةُ ، وَعَتَتِ النُّفُوسُ حُرِّمَ ذَلِكَ فِي زَمَانِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَحُرِّمَ السَّبْتُ وَالشُّحُومُ وَالْإِبِلُ وَأُمُورٌ كَثِيرَةٌ ، وَفُرِضَ عَلَيْهِمْ خَمْسُونَ صَلَاةً وَتَوْبَةُ أَحَدِهِمْ بِالْقَتْلِ لِنَفْسِهِ ، وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِقَطْعِهَا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّشْدِيدَاتِ ، ثُمَّ جَاءَ آخِرُ الزَّمَانِ فَهَرِمَتِ الدُّنْيَا ، وَضَعُفَ الْجَسَدُ وَقَلَّ الْحَبِيبُ ، وَلَانَ النُّفُوسُ ، أُحِلَّتْ تِلْكَ الْمُحَرَّمَاتُ وَعُمِلَتِ الصَّلَوَاتُ خَمْسًا ، وَخُفِّفَتِ الْوَاجِبَاتُ ، فَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْأَحْكَامُ وَالشَّرَائِعُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ ، وَظَهَرَ أَنَّهَا سُنَّةُ اللَّهِ فِي سَائِرِ الْأُمَمِ ، وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بَيَانًا عَلَى الِاخْتِلَافِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ فِي زَمَانِنَا ، وَظَهَرَ أَنَّهَا مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ ، وَأُصُولِ الْقَوَاعِدِ ، وَلَمْ يَكُنْ بِدْعًا عَمَّا جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ .