الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الطــرف الرابع : في العتق وما يتصل به .

                                                                                                                في الجــواهر : إذا شهدا بالعتق الناجز ، غرما بالرجوع قيمته ، والولاء للسيد ، ويستحق السيد ماله بمقتضى إنكاره ، فإن كانت أمه عالمة بتزويجها حرم عليها إباحة فرجها بالتزويج أو بالعتق إلى أجل ، غرما بالرجوع القيمة حالة ; لأنهما منعاه من البيع وهو أهم المقاصد إلا قيمة خدمة العبد تلك المدة ؛ لأنها تندرج في قيمة الرقية وقد أبقياها ، فلا تأخذ قيمته وقيمة منفعته ، وقال ابن عبد الحكم : تقوم هذه المنافع على الرجاء والخوف فتسقط القيمة وتبقى المنافع للسيد ، قال محمد : هذا غير مستقيم ; لأن قيمة المنفعة هكذا قد تزيد على قيمة الرقبة فلا يغرم الشاهدان شيئا ، قال الإمام أبو عبد الله : [ . . . ] أصبح من جهة الفقه متعذرا من حيث العادة ; لأنا نقوم العبد مملوكا طول حياته [ . . . ] منافع تلك المدة ، [ ص: 313 ] وقد [ . . . ] منافع العبد إليهما حتى ينقضي الأجل فيؤجران [ . . . ] حتى يستويا ما غرماه ، وما بقي فللسيد ، فإن لم تف منافع المدة غرما ما لم يرجعا ، وكذلك لو مات في أضعاف المدة أو بعد فراغها ولم يستوف إلا أن يترك مالا فيأخذان منه كمال ما غرما ، وكذلك لو قتل إلا أن تؤخذ قيمته فيأخذانها لاعتراف السيد أن ما يستحقه من مال العبد عليه فيه ما غرماه ، وخير محمد السيد بين قول سحنون أن له قيمة هذه المنافع وقتا بعد وقت بحسب ما يرى في ذلك من مقتضى الاختلاف ، ومنشأ الخلاف : تقابل الحقوق فحق السيد التمسك بالعبد لنأمن عليه وندفع القيمة ، وحقهما أن يقولا : غرمنا قيمة المنافع في قيمة الرقبة ، فكأنا اشتريناها ، فنحن أحق بعين المنافع ، وإن شهدا بالتدبير غرما قيمة حالة برجوعهما بعد الحكم ، ويدخلان فيما أدخلاه فيه ، فيقتضيان من الخدمة التي ألقياها بيده بما وديا ، ثم ترجع خدمته لسيده ، وموته في حياة السيد ، أو بعد ما قبل الاستيفاء حكمه حكم المعتق إلى أجل ، فإن خرج بعد موت السيد حرا فلا شيء لهما ، وإن رق منه شيء فهما أولى به حتى يستوفيا منه ، وإن ردها دين فهو أولى من الدين كأهل الجناية لاختصاصهم بالرقبة ، والدين لا يختص ، فإن شهدا بالكتابة غرما بالرجوع بعد الحكم قيمته ناجزة ، قال محمد : يوم الحكم ، ثم يتأديانها من الكتابة على النجوم حتى يستوفيا بيع لهما منه بما بقي لهما ، فإن لم يف فلا شيء لهما ، قاله عبد الملك ، وقال ابن القاسم : يغرمان القيمة فيوضع بيد عدل ويتأدى السيد الكتابة ، فإن استوفى من الكتابة مثلها رجعت إلى الشاهدين ، فإن كانت الكتابة أقل ، أو مات المكاتب قبل الاستيفاء : دفع للسيد من تلك القيمة تمام قيمة عبده ; لأنه مظلوم قد منع من عبده ، وما له فيه من التصرف ، وإيقاف القيمة ليلا يترك فيغرمانها ثانية ، قال محمد : وعلى الأول أصحاب مالك ، قال : ولو استحسنت [ ص: 314 ] قول ابن القاسم لقلت : كلما قبض السيد من الكتابة شيئا رد مثله من القيمة الموقوفة للشاهدين ، وقال سحنون : إذا رجعا بيعت الكتابة بعرض فإن بيعت بأكثر فللسيد ، أو أقل رجع عليهما بتمام القيمة ، وإن شهد أنه استولدها غرم بالرجوع بعد الحكم قيمتها ولا شيء لهما ; لأنهما لم يتركا خدمة يرجعان فيها ، فإن جرحت أو قلت رجعا بما غرماه في الأرش ، والفاضل للسيد مع ما أخذ ، قال سحنون : وكذلك إن أفادت مالا ، وقال محمد : بل ذلك للسيد ; لأنه لم يبقيا له ، وقال ابن الحكم : يخفف عنهما من القيمة لما نفياه من الاستمتاع ، وكذلك إن كانت حاملا ، وإن شهدا أن ولدها ولدته منه ، غرم قيمته ، وقيل : لا شيء عليهما في الرجوع عن الاستيلاد ، وإن شهدا أنه أعتق أم ولده : قال محمد : لا شيء عليهما ; لأنهما لم يتلفا غير الوطء ، وهما غير [ . . . ] قال ابن القاسم : قيمتها كما لو قتلها رجل ، وقال ابن الحكم : يخفف عنهما بقدر ما كان [ . . . ] .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال : قال ابن عبد الحكم : إذا قيده وحلف بحريته : لا ينزع القيد [ . . . ] وحلف [ . . . ] أن في القيد عشرة [ . . . ] فحكم بعتقه ، فنزع القيد بعد الشهر فوجد عشرة [ . . . ] كذبهما .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال المازري : إذا أعتق إلى أجل ، فشهدا أنه نجز العتق ، غرما بالرجوع قيمة الخدمة على غررها بإمكان موت العبد قبل الأجل بمدة يسيرة أو طويلة ، ولو كان [ ص: 315 ] الأجل غير معلوم نحو موت زيد ، قومت على أقصى العمرين : عمر الذي علق بموته ، وعمر العبد ، وقال أصبغ : إذا أعتق إلى أجل فشهدا بالتعجيل ، غرما قيمة الرقبة ; لأنه يأخذ قيمتها لو قتل .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال : إذا شهدا عليه بأن نصفه لفلان ، وأنه أيضا أعتق النصف الآخر ، فأعتق عليه وأغرم قيمة النصف ، ثم أكذبا نفسيهما في العتق ، غرما قيمة جمع العبد ; لأنهما أتلفا نصفه بالعتق ، ونصفه بالشهادة على الإقرار ، ويغرمان أيضا قيمة النصف التي أخذها الشريك المقر ، ولو شهدا أن المقر له أعتق النصف المقر به فقوم عليه ، غرما أيضا قيمة جميعه وقيمة نصفه إن صدقهما الإقرار له وأكذبهما في العتق ، قاله محمد ، قال : وكيف يتصور قضاء القاضي ببينة المقر له ، وكذبهما في العتق وصدقهما في الإقرار ، وهو المحكوم له بها ، مع أنها ما شهد له بالإقرار إلا بوصف العتق ، فلا يحكم له ببينة يدعي كذبها ، ولو كان يقول : إنهما وهما في العتق ولم يتعمدا الكذب ; لكان خفيفا ، قال : وقد يتصور من جهة أنه لم يضف إليهما فسوقا ، قال : ولم يشكل أيضا من جهة أنهما لم يتلفا على المشهود عليه ملكا استقر بيده ، فهما أدخلاه في ملك وأخرجاه عنه ، فإن صدقا فلا غرامة ، وإن كذبا فقد أبطلا عليه ملكا كذبا فيه ، فلا غرامة ، ولو أكذبهما في شهادة الإقرار والعتق بعد الحكم عليه ، وأكذبا نفسيهما في الجميع ، غرما قيمة نصف العبد المقوم عليه ، وللمقر قيمة النصف المقر به .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال : لو شهدا بالتدبير ، وأغرما القيمة ، ثم شهد آخران بتقدم عتقه أو تدبيره ، استرد الأولان ما غرماه ; لأنهما لم يتلفا عليه شيئا ، وكذلك لو شهدا بما يمنع التدبير مع بيع أو غيره ، وإن رجع الشاهدان بالبيع ، والشاهدان [ ص: 316 ] بالتدبير ، لم يغرم شاهدا التدبير لتقدم ما يبطله وأبطله الشرع قبل تكذيبهما أنفسهما ، ويغرم شاهدا البيع ما أتلفاه ، فإن أنكر البيع غرما ما زاد على الثمن في الذي يرده على شهود التدبير ، وإن كذبهما للمشتري دون البائع ، يغرمان للمشتري الزيادة ; لأنها التي أتلفاها .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية